لا بد وأن هيرفي رونار قلب في رأسه كل السيناريوهات وفحص بمعية سليل الأسرار معاونه الأول بوميل كثيرا من المعادلات التكتيكية، ليقرر في النهاية اللعب أول أمس الثلاثاء في لقاء العودة أمام الرأس الأخضر، بذات التشكيل الذي لعب مباراة برايا وأنجز للأمانة شيئا رائعا بإسقاطه للقروش الزرقاء في محيطها الصاخب، مع ما تطلبه ذلك من قهر لكثير من المعيقات الإستراتيجية. بين التوجس من أن يخدعه المخزون البدني لأسوده وبين ما كانت مباراة مراكش على مصيريتها تمثله من أهمية للفريق الوطني، إختار هيرفي رونار تقديم الولاء للقاعدة الذهبية التي يتوافق عليها كل المدربين، مقولة لا تغير فريقا فائزا. فقط أكرهت الظروف رونار على أن يقحم بلهندة في وسط الإرتداد إلى جانب الأحمدي، فلم يكن عوبادي متاحا له في هذه المباراة بفعل أن إنذاره الثاني في التصفيات ببرايا كان يلزمه بالتوقف لمباراة واحدة، إلا أن ما سيجعل منه رونار قاعدة لتنزيل بعض المتغيرات التكتيكية التي تفرضها السياقات ومحيط المباراة وما تداعى من دروس من مباراة برايا، هو أسلوب اللعب الذي يجب أن يختلف كليا عن ذاك الذي تدبر به الأسود مباراة الذهاب. وبرزت الحاجة إلى ما يمكن الإصطلاح عليه بالتهوية التكتيكية، من خلال الأسلحة الدفاعية التي قرر مدرب الرأس الأخضر إستعاملها في مباراة مراكش، حيث لم يكن له من خيار بعد الذي شاهده ببرايا من جرأة وعناد وجماعية الأداء من الفريق الوطني، سوى أن يلعب على عنصر المباغثة، بأن يحصن دفاعه فلا يستقبل أهدافا وبعدها يطمع تدريجيا في مرتد خاطف به يقضي الحاجة، لذلك سنجد أن العناصر الوطنية برغم ما نزلته تكتيكيا من أدوات ممنهجة على فترات، لم تنجح لجولة كاملة في الإيقاع بدفاعية الرأس الأخضر القائمة على عدم تحريك الظهيرين واللعب أحيانا بجدارين دفاعيين وعدم إفراغ المساحات أمام لاعبين كان مدرب الرأس الأخضر يعرف جيدا أنهم بمهارات خارقة. ما كان يجب أن يدب الشك إلينا والفريق الوطني ينهي الجولة الأولى على بياض، فأبدا لم يكن كارثيا أن يتحصل الأسود على نقطة التعادل، فهي في أسوأ الحالات ستمنح الفريق الوطني أفضلية بحسب لوائح الكاف عند الحاجة لكسر التساوي في النقاط. إلا أن المتغير البشري والتكتيكي الذي سيأتي به رونار وهو من يملك كشكولا من المهارات الهجومية الخارقة في بنك البدلاء، متمثلا في إحلال نورالدين أمرابط مكان طنان، سيمنح هجومية الفريق الوطني دفعة قوية، فمع تركيز دفاع الرأس الأخضر على تحصين الرواق الأيسر لدفاعهم بتواجد البلدوزر أمرابط، سيتمكن بوفال بمعاونة الرائع والخرافي بوصوفة من الحصول على مساحة إضافية لينجز الإختراقات التي يساعده عليها إلتصاق الكرة برجله، ليتصيد بحرفية النجوم الكبار ضربة الجزاء التي ستغير المشهد كاملا. لا أحتاج من عملية التعقب لما أعقب إصطياد ضربة الجزاء التي منها سجل العرابي هدفنا الأول، إلا لشيء واحد أظن أن رونار لمح إليه في ندوته الصحفية، وهو المرتبط بحالة الإستسهال التي تصاحب أداء لاعبينا كلما تكسرت القيود الدفاعية للخصم، حالة الإستسهال التي تضرب النجاعة وتعجز الفريق الوطني عن تحقيق فوز بالحصص العريضة، والأمر يحتاج بالفعل إلى مقاربة نفسية وأخرى تكتيكية، لأننا سنحتاج في مباريات قادمة أكثر تعقيدا وصلابة إلى أنصاف الفرص لنسجل ونفوز. هنيئا للفريق الوطني فوزه الكبير على قروش زرقاء أخطأ من قلل من قيمتها فنيا، وهنيئا له المصالحة التي عقدها مع ذاته ومع جماهيره، والمؤكد أنها ليست سوى خطوات أولى على طريق الألف ميل.