كلما انقضى الشتاء، عرفنا أن «الساعة آتية لا ريب فيها»… لا أقصد «القيامة»، بل الساعة التي يزيدها المغاربة أو ينقصونها حسب تغير الفصول ومزاج الحكومة. كل شيء ندفع عنه الضريبة في هذه البلاد، حتى العبور من الشتاء إلى الصيف. ثمنه ستون دقيقة، تختفي من ساعاتنا دون أن نعرف من يستفيد من «عائداتها»، لأن «الوقت هو المال»، كما يقول المثل الإنجليزي. وإذا كان المرحوم ستيفن هوكينگ وحده يعرف أين تذهب الدقائق، التي نتخلى عنها بموجب قرار من وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، فإن طويل العمر كبور بناني سميرس هو أكثر من طرح الأسئلة الفلسفية العميقة المتعلقة بالساعة الإضافية: «إيلا كان شي حد غادي يموت فال11 يعني دابا غادي يموت فال12؟ ويلا كانت ال10 ديال دابا هي ال9 ديال البارح… واش اللاروب غادي يتبدل ولا يبقى هو هو؟»… على كل حال، السياسة الحكومية كلها «اللاروب»، والنحس أن تكون مسافرا في الصباح الباكر، وتكتشف أنهم قرروا تغيير الساعة قبل أن تنام. تقضي ليلتك موزعا بين الأرق والقلق والكوابيس، وتمضي وقتا محترما وأنت تحاول التأكد من أنك لم تخطئ في برمجة المنبه، خصوصا أن الهواتف الذكية تغير الساعة من تلقاء نفسها، والغبية تحتاج إلى تدخل منك لكي تستوعب أن العالم تقدم ساعة إلى الأمام. كي يخرجوا من باب واسع، يلجأ الكثيرون إلى تجاهل الساعة الإضافية، ويعيشون بتأخير ستين دقيقة عن التوقيت الإداري دون أي مشكلة، أو تقريبا، لأنك عندما تحدد موعدا مع أحدهم في التاسعة صباحا -مثلا- لا بد أن يسألك: «التسعود القديمة ولا الجديدة؟»، وإذا اختلفتما حول بعض التفاصيل، يتحول النقاش إلى محاورة سريالية، تضيعان فيها بين الأزمنة. بعضهم يعلق «جوج ماگانات» على الجدار: واحدة تشير إلى التوقيت القديم وأخرى إلى التوقيت الجديد، ولا يجد أدنى حرج في العيش بين زمنين! المغاربة أصلا لهم علاقة متوترة بالوقت. لا يعرفون كيف ينضبطون لإيقاعه. ولعل الشعوب «المتخلفة» توصف كذلك تحديدا بسبب علاقتها المختلة بالزمن، لذلك سمي «التخلف» «تأخرا». المغربي شخص «متأخر» بطبعه، لا أحد يأتي في الموعد إلا من رحم ربك. ولعل أبطأ الحيوانات على الإطلاق: السلحفاة والحلزون وصديقك الذي تتصل به ويجيبك: «خمسة دقايق ونكون عندك!». عندما كنا صغارا، لم يكن المعلم يضيع فرصة دون تذكيرنا بضرورة احترام المواعيد، وأشهر حكمة تعلمناها في المدارس هي «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»… المشكلة أن المدرسين أنفسهم كانوا يأتون متأخرين، ما جعل علاقتنا بالزمن معقدة منذ البداية، وبدل أن نتربى على احترام الوقت تعلمنا «أن نقول ما لا نفعل» وأن «نكيل بمكيالين». وعندما انخرطنا في الأحزاب والجمعيات، كان التنكيل بالوقت رياضة شعبية. يكون «مكتب الفرع» مكونا من طلاب وتلاميذ وأساتذة، لا أحد منهم ينهي شغله قبل السادسة مساء، ومع ذلك نتفق على اللقاء في السادسة، دون أن يعترض أحد، رغم أن الجميع يعرف أنه لن يأتي قبل السادسة والنصف، وربما لن يأتي بالمرة، أما «الاعتذار» فلم يكن موجودا في القاموس. لقد تربينا على إخلاف المواعيد دون أن يرف لنا جفن، وعلى مديح التأخر، «ما كيسبق للسوق غير الشفانجية والعطارة»! ذات عام، كنت أنشط لقاء ثقافيا في «مهرجان الرباط»، أيام كان للعاصمة مهرجان يضم معرضا للكتب في الساحة المقابلة للبرلمان. كنت مسؤولا عن فضاء للتوقيعات، وكان الضيف شاعرا معروفا، يفترض أن يقدمه زميل لا يقل شهرة عنه. اتصلت به ورحب بالفكرة واللقاء. جاء الشاعر في الموعد ومعه الجمهور، وبقينا ننتظر «الزميل»… ربع ساعة، نصف ساعة، ساعة إلا ربع… دون أن يظهر له أثر، ولا هاتف محمول في تلك التسعينات البعيدة. في النهاية، نظمنا اللقاء متأخرين ومن دونه، وعندما التقيته ثلاثة أيام بعد ذلك، لم يكلف نفسه عناء الاعتذار، أو شرح أسباب عدم الحضور، بل سألني بعفوية مدهشة: «كيف مر اللقاء؟».