في حوار مفتوح حول تقويم تجربة المالية التشاركية، بعد عامين من انطلاقها، في المغرب، عدّد خبراء ومختصون في الاقتصاد والشريعة الإسلامية، ليلة أمس السبت، عدداً من التجاوزات، والنواقص، التي رافقت انطلاقة تجربة البنوك التشاركية، في مؤسساتها الخمسة، منذ عام 2017. ضعف التواصل، وفراغ في فتاوى المجلس العلمي، وسوء الخدمة، وافتقاد القدرة على الإقناع، وانعدام الثقة، غيض من فيض الملاحظات، التي انهال بها عدد من العلماء، وخبراء الاقتصاد، والزبائن، على الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، ضمن الحوار المفتوح، الذي نظمته في الدارالبيضاء، بحضور ممثلين عن المؤسسات البنكية التشاركية. وأجمع المتدخلون على وجود فراغ فيما يتعلق بفتاوى المجلس العلمي الأعلى، حول عدد من القضايا المهمة في تجربة المالية التشاركية، ما قد يجعل ما سّميَ بالبنك الإسلامي، الذي ظهر على أساس الالتزام بمبادئ الشريعة، وعدم التعامل بالفائدة أخذا، وعطاء، يجتهد في ما قد يؤول إلى معاملات ربوية، ليكون في النهاية بنكا تقليديا بقالب مختلف، متسائلين حول ما إذا كانت هذه البنوك التشاركية مكملة للتقليدية، أم بديلاً عنها؟. ومن بين النواقص، التي رصدها المتدخلون، خلال العامين الماضيين، من مسار هذه التجربة، تدخل البنوك التشاركية في معاملات تتضمن تسبيقات، وهو ما يتنافى مع المسألة الشرعية، بحسب تعبيرهم، فضلا عن غلاء المنتوج مقارنة مع البنوك التقليدية، التي تقدم تسهيلات مستمرة، ما لن يشجع الزبائن على نقل حساباتهم من مؤسسة تقليدية إلى أخرى تشاركية، إضافة إلى رداءة الخدمات. وكشفت زبونة، شاركت المختصين الحوار، منتقدةً، أنها تعرضت في أكثر من مرة لسوء المعاملة والخدمة، من قبل العاملين في مؤسسة بنكية تشاركية، كما أن الجواب عن ملفها استغرق أكثر من ستة أشهر، بينما تجيب البنوك التقليدية الزبائن بشكل أسرع. ولفت الحضور الانتباه، أيضا، إلى ضعف التواصل مع المواطنين، من أجل تعريفهم بالبنوك التشاركية، إذ إن المئات من المغاربة، في عدد من المدن، لا علم لهم بشيء يُسمّى مالية إسلامية، أو تشاركية، بينما ألقى آخرون اللوم على المواطنين أنفسهم، الذين من المفترض تعبئة بعضهم بعض، إلى جانب هيآت المجتمع المدني، والأطر في مجال الشريعة، مشيرين إلى وجود عزوف كلي عن البنوك التشاركية، من قِبل الباحثين، والأساتذة الجامعيين في كليات الشريعة، والتنظيمات الإسلامية، التي تضم حاضنة شعبية واسعة، بالدرجة الأولى، إذ يفضلون البنوك التقليدية على التشاركية، على رغم من أنها تمثل شريعتهم. وفي هذا الصدد، ناشد عبد الصمد عصامي، مدير مؤسسة “أمنية بنك”، المتدخلين عدم تحميل ما أسماه “وليدا في سنته الثانية”، كل المطالب، التي راكمها المواطن المغربي، على مدى 60 سنة، مشيرا إلى أن انتظارات هذا الأخير، تفوق إمكانيات البنك التشاركي الحديث العهد، داخل البلاد، نظرا إلى عدة اعتبارات، ذكر منها “البيئة القانونية الفرنسية، التي يعيشها المغرب، والجبايات، والضرائب غير الموجودة في الخليج”، بالإضافة إلى “وجود بنك مغربي يقدم باقة خدمات جد متطورة لن يستطيع البنك التشاركي تحقيقها في فترة وجيزة”، بحسب تعبيره. ودعا عصامي إلى عدم تبخيس مجهودات المجلس العلمي الأعلى، المتعلقة بتجربة المالية التشاركية، موضحا أنه في ظرف عامين نجح في إخراج هيكلة تضاهي أفضل الهيكلات دوليا، سواء فيما يتعلق بالجانب القانوني، أو المالي، مبرزا رفضه لانتقادات أشخاص، قال إنهم “من عامة الشعب”، لمجهودات علماء المجلس الأعلى أمام الملأ، داعيا إلى الافتخار بالتجربة المغربية في المالية الإسلامية، على الرغم من النواقص، التي تشوبها، وذكر على سبيل المثال “كنا نأكل لحم الحلوف 60 سنة، وعندما جاء من يذبح الخروف انتقدوا طريقة ذبحه”، يضيف المتحدث منفعلاً. وشدد المتحدث نفسه على أنه “لا يمكن المطالبة من صناعة حديثة العهد”، في إشارة إلى البنوك التشاركية، “أن تنافس، وتضاهي صناعة لها أكثر من تسعة قرون”، مشيرا إلى أن النظام البنكي في العالم برمته أنشئ، منذ عام 1150، متسائلا “كيف لقطاع ب120 وكالة بنكية فقط أن ينافس قطاعا تقليديا يتوفر على 6500 وكالة؟”. ومن جهته أكد الخبير الدولي في المالية الإسلامية، عمر الكتاني، دعمه تجربة البنوك التشاركية في المغرب، إذا ما اتخذت مبادئ الشريعة “خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه”، ملفتا الانتباه إلى أن البنوك ذات الطابع الإسلامي، المتميزة باستقلاليتها، وعدم خوضها غمار المجازفات الربوية، هي المؤسسات المعول عليها في حال تأثر المغرب مستقبلا بانهيار العملة الأجنبية، أو تعرض لأي حصار بعد إيران، وتركيا. واعتبر الكتاني أن المخالفات، التي تمس مبادئ الشريعة الإسلامية، في حقل الاقتصاد والمالية من مسؤولية المجلس العلمي الأعلى، بحكم أنه على تواصل مباشر مع القائمين على التجربة المذكورة داخل المغرب، والمطلوب منه هو إرشاد، وتوجيه المؤسسات البنكية التشاركية، لتميز بين الحلال، والحرام، يضيف الخبير الاقتصادي. ورفض المتحدث نفسه، في مداخلة، رد من خلالها على المدير البنكي، خلال الحوار المفتوح حول تجربة المالية التشاركية، بعد سنتين من انطلاقها، (رفض) استعمال مصطلح “المطابقة” مع آراء المجلس العلمي، لأنها “مفهوم عربي ساكن”، في حين أن المطلوب هو توظيف “المراقبة” كمصطلح ديناميكي، يفرض الرقابة الدائمة على المؤسسات البنكية الإسلامية، من قبل اللجنة التشريعية للمالية التشاركية. وقال عبد السلام بلاجي، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، في حديث مع “اليوم 24″، إن تجربة المالية التشاركية، على الرغم من حداثتها في المغرب، إلا أنها كانت غنية بإيجابيات كثيرة، خلال العامين الماضيين، ومتفوقة على تجارب في دول أخرى كالسعودية، والسودان، وتركيا، مؤكدا ضرورة تجاوز النواقص، التي تم تسليط الضوء عليها، خلال اللقاء الحواري، من أجل تجويد هذا المنتوج، حتى يكون مثالا يحتذى به على المستوى العالمي، والبلدان العربية والإفريقية، والإسلامية، بصفة خاصة. ويرى بلاجي أن التجربة المغربية في المالية الإسلامية، تسير في اتجاه آفاق واعدة ومشجعة، على الرغم من تأخرها الطويل، مشيرا إلى أن هذا التأخر يُعدّ في صالح المغرب، حيث كان الوقت كافيا للاستفادة من التجارب السابقة، وتجنب الأخطاء، التي وقعت فيها، طوال سنة، منذ انطلاقها في السودان، ثم ماليزيا، مع التركيز على النقاط القوية، لتكون تجربة رائدة على المستوى العالمي. يذكر أن حجم تمويلات البنوك التشاركية بلغ في العام الجاري، ستة ملايير درهم، إلى غاية يونيو الماضي، بزيادة 25 في المائة، حسب بيانات حديثة تضمنها تقرير بنك المغرب، في حين بلغ، في العام الماضي، 4.5 مليار، مقابل 200 مليون درهم في عام 2017، حيث كانت بداية نشاط البنوك التشاركية لأول مرة في تاريخ المغرب. وانتقلت الودائع لدى المصارف التشاركية، إلى غاية يونيو الماضي، إلى ملياري درهم، مع 76 ألف حساب، مقابل 1.7 مليار درهم في نهاية عام 2018، ب 56 ألف و827 حساب، ما يعني أنها تمثل ثلث التعيينات، التي توفرها.