أعاد حادث إطلاق النار على رعايا مغاربة من طرف حرس الحدود الجزائري، إلى الأذهان العديد من الحوادث الأخرى التي كان وراءها الجيش الجزائري وذهب ضحيتها مغاربة. نورد في هذا الريبورتاج بعضا منها على ألسنة من كانوا شهودا عليها. إطلاق حرس الحدود الجزائري للرصاص على المواطنين المغاربة على الشريط الحدودي الشرقي، ليس جديدا، ولم ينطلق مع استهداف المواطن رزق الله الصالحي بدوار أولاد صالح (عمالة وجدة)، فأعمال القتل ببنادق ورشاشات الجنود لم تتوقف على مدى 30 سنة، بل كانت في السابق أشد من الآن بشهادة الساكنة. « اليوم24» تنبش في الذاكرة، وتكشف عن حالات قتلها الجنود الجزائريون على الحدود الشرقية بدم بارد. سنوات الرصاص يجمع الناس بالمناطق الحدودية على أن أحلك المراحل التي عاشوها في علاقتهم بالجيران، كانت سنوات الثمانينات، ففي هذه الفترة أقدم الجيش الجزائري على تصفية العشرات من المواطنين المغاربة، العاملين في مجال التهريب المعيشي. «في الفترة الممتدة من 1980 إلى غاية سنة 1987 عايشت العشرات من أعمال القتل التي أقدم عليها العسكر الجزائري»، يقول رابح وهو من سكان منطقة «العالب»، المتاخمة للحدود. رابح يعود بذاكرته إلى هذه السنوات ويكشف ل«أخبار اليوم» تفاصيل حادثة وفاة أحد رفاقه في العمل: «كنا أربعة، دخلنا إلى التراب الجزائري لنهرب بعض المواد الغذائية إلى المغرب، لكن القدر شاء أن نفقد زميلنا قيسي الطاهر». عندما حاصرهم ثلاثة من عناصر الجيش الجزائري بمنطقة «لقياسة»، المقابلة لنقطة المراقبة المغربية «البوست العالية»؛ لم يجد رابح وزملاؤه من بد سوى الفرار. «كنا على يقين بأن الرصاص سيلعلع في المكان؛ سواء سلمنا أنفسنا أو لم نسلم. المهم اخترنا الفرار على الموت الجماعي، لكن الطاهر الذي كان في المقدمة يسوق بغله المحمل بالزيت والدقيق، استقرت 3 رصاصات في صدره». المتحدث نفسه يضيف في محاولة منه لكشف مدى قساوة العسكر خلال تلك المرحلة التي يصفونها بفترة «الهيجان»، ويقول بأن الطاهر حمل على ظهر بغله المحمل بالبضاعة، وسيق الاثنان إلى مركز المراقبة، وبعد مرور أكثر من عشرة أيام استلمته عائلته من منطقة «زوج بغال» جثة هامدة. خلال هذه الفترة، وفق ما يؤكده محمد، الذي خبر العمل في مجال التهريب بمنطقة بني أدرار خلال سنوات الثمانينات، لم يكن يمر يوم دون سماع مثل هذه الحوادث، كان طبيعيا جدا -وفق نفس المصدر- تلقي أخبار سقوط مهربين مغاربة على الشريط الحدودي. في هذا السياق، يسترجع محمد قصة الشاب الذي قتلته الآلة العسكرية الجزائرية في ذلك اليوم الماطر من سنة 1986، «قصته حفرت في الذاكرة، لن أنسى كيف قتلوه بدم بارد»، يقول محمد، قبل أن يضيف: «دخل حاملا ما تيسر من سلعة لبيعها عند الجيران، في طريق العودة اعترضت طريقهم دورية من حرس الحدود الجزائري، التي فتحت النار في وجه أحمد الدوحي وباقي زملائه، حيث أصيب إصابة مباشرة على مستوى الظهر، فسقط مضرجا في دمائه، فيما باقي زملائه فروا بجلدهم، ولازلت أعرف بعضهم يعاني -إلى حدود اليوم- من الصدمة التي عايشوها خلال ذلك اليوم»، يؤكد محمد. شاب آخر، يدعى بلعربية الحسين، نال نصيبه من «الموت الرخيص» هذا، دخل وهو يحدوه الأمل بأن يعود إلى أهله سالما غانما، لكن رصاصة جندي جزائري كانت أسبق من تحقيق رغبته. «بدون مقدمات صادفه الجندي في الطريق وشرع في فتح رشاشه كما حدث مع باقي الحالات، هؤلاء لا يسألونك حتى عن وجهتك أو الغرض الذي تسعى إلى تحقيقه، يجيدون فقط إطلاق النار»، يقول البشير وهو من ساكنة بني أدرار أيضا، الذي عايش أحداث هذه الفترة. البشير يؤكد أن بلعربية عندما تعرض للإصابة بالرصاصة التي اخترقت ظهره لم يكن يتجاوز عمره حينها عقده الثاني. استمرار القتل مسلسل القتل لم يتوقف عند حدود سنوات الثمانينات بل سار على نفس الوتيرة حتى في سنوات التسعينات. هنا، يتذكر بعض المهربين وأفراد عائلات الضحايا قصص ذويهم. من بين القتلى الذين سقطوا على خط النار سنة قبل الإغلاق الرسمي للحدود البرية سنة 1994، محمد ليتيم، المنحدر من دوار «أولاد أرزين»، بضواحي وجدة. محمد سقط عندما كان في طريق عودته من سوق جزائري ببلدة «الزوية»، بعدما باع رفقة زملائه ما نقلوه من بضاعة مغربية، حيث أمطرهم العسكر الجزائري بالرصاص، لأنهم لم يمتثلوا لأوامر التوقف. زملاؤه نجوا بأنفسهم، فيما هو أصيب برصاصة اخترقت كليته، واستمر في الهروب رغم ذلك، قبل أن تخرّ قواه ويسقط على بعد مئات الأمتار من مكان تعرضه للإصابة. في اليوم الموالي عثر عليه حيا، لكن كمية كبيرة من الدم كانت قد نزفت منه، ليصل إلى مستشفى تلمسان جثة هامدة، ويعود كباقي القتلى على مثن صندوق خشبي رفقة شهادة وفاة. على بعد أمتار قليلة من منزل ليتيم، يقع منزل الحاج الصبار، رجل في عقده الثامن. الصبار هو الآخر فقد واحدا من أبنائه خلال أشهر قليلة بعد إغلاق الحدود البرية، سقط يوسف على خط النار برصاصة أطلقها «سارجان»، يدعى هو الآخر يوسف، فقد اخترقت الرصاصة عنقه وخرجت من الأنف. نزل الخبر الذي نقله شقيقه كالصاعقة على أفراد العائلة، خاصة والديه وخطيبته التي كان يستعد للزواج بها. قنص على أرض الوطن قنص المواطنين المغاربة المتواجدين على التراب الوطني ليس وليد اليوم، بل حتى في السنوات الماضية كان مجرد الظهور بالشريط الحدودي أمام عناصر الجيش الجزائري يشكل خطرا وتهديدا للحياة، حتى ولو كنت على التراب الوطني. «يحيى الزياني، قام أحد الجنود بقنصه حينما كان بالقرب من منزل عائلته في حدود سنة 1986. مشهد القنص هذا يذكرنا بمشاهد الحرب التي نطلع عليها بين الفينة والأخرى في القنوات الإخبارية»، يقول أحد رفاقه الذي رفض الكشف عن هويته. بعد هذه الفترة توالت عمليات القنص داخل التراب الوطني، فهذا عبد القادر حاجي، قضى بنفس الطريقة تقريبا بعد عشر سنوات من الزمن، لم يكن قد مضى على زواجه سوى 3 أشهر فقط، عاد في ذلك اليوم خائب الظن من «بيت الجيران»، لا محروقات اليوم، لسبب ما لم يعلمه حتى شقيقه الذي أكد ل «أخبار اليوم» أن شقيقه عندما عاد ودخل التراب الوطني بمنطقة «روبان» في اتجاه دوار «الحمرة» الذي كانوا يقطنون به، طلب منه عسكري جزائري أن يقف مكانه، وأن يلتزم السكون، «لم يتفهم شقيقي ذلك فاحتج عليه، وقال بأنه في التراب الوطني، ولا يحق له أن يوقفه»، لكن رصاصات الجندي لم تمنح عبد القادر المزيد من الوقت ليكمل احتجاجه، أفرغ في اتجاهه 3 رصاصات؛ الثالثة اخترقت ظهره فسقط غارقا في دمائه، ليحمله الجنود المغاربة على عجل إلى المستشفى الذي وصل إليه جثة هامدة. تحرك دولي؟ رغم أن هناك من حاول الاقتصاص لهؤلاء المغدورين، كما هو الشأن لعائلة ليتيم التي حاولت أن تضمن حق ابنها، إلا أن الفشل كان حليفها، أمام تجاهل السلطات لهذا الملف لعدة سنوات. في هذا السياق، يكشف محمد الهرواشي، رئيس جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر، أن السلطات المغربية ملزمة بعد كل هذه الحوادث التي تحولت إلى عمل ممنهج (ملزمة) بتغيير أسلوب الرد، فلا يكفي -وفق نفس المتحدث- الشجب والتنديد؛ وإنما المغرب –اليوم- بحاجة إلى تحرك دولي، حيث دعا الهرواشي إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لضمان الحقوق، والمطالبة حتى باسترجاع باقي الأراضي التي تقع تحت السيطرة الجزائرية، كتندوف وبشار.