تعافي العالم من الركود يسير ببطء، بحسب تقدير صحيفة " ذي إيكونوميست " البريطانية، لإجمالي الناتج المحلي العالمي، وفي دول الانتقال إلى مرحلة أخرى يقول جون ديفي ( الأستاذ بجامعة لندن في إدارة الأعمال ) هناك عامل الدساتير الجديدة، وعامل الانتخابات في الولاياتالمتحدةوفرنسا ومصر ... وهذه العوامل مؤثرة على منطقة اليورو التي تعتبر رئة المغرب الاقتصادية. الرباط لم تصوت على قانون مالي ل 2012 إلى الآن، وربما لن تكون الانطلاقة الاقتصادية لحكومة العدالة والتنمية سوى في ميزانية 2013. يتناسب هذا الوضع مع خيارات المغرب، لأن العالم سيؤجل اتخاذ الإجراءات الهامة إلى النصف الثاني من عام 2012، حيث من المتوقع أن تكون النيجر والعراق أسرع الدول نموا هذه السنة، لأن الإصلاحات سيكون لها مردود سريع. التأكيد على النمو الاقتصادي من خلال إدخال إصلاحات سريعة على اقتصاد حمى الريع والفساد هو الجزء المهم والعلمي في مقاربات 50 اقتصاديا دوليا، ولا يخرج المغرب عن دائرة الإصلاحات السريعة لزيادة نصف إلى واحد ونصف في المائة ( قراءة الاقتصادي بوليف إلى جانب باحثين دوليين آخرين ). الإصلاحات إن لم تكن مصحوبة بديون تكفل زيادة نسبة النمو إلى حدود واحد ونصف في المائة. المثال الرئيس الآن في النيجر التي يمكن أن يصل نموها إلى 15 في المائة و 11 في المائة بالعراق، إن أتمت الحكومة الحزمة الثانية من الإصلاحات، على أن اليونان وزيمبابوي المثقلتين لن تزيد الإصلاحات وإجراءات التقشف عن تحقيق 3 في المائة في سلم النمو. وعلى الرغم من ذلك لا يزال حوالي 60 في المائة من الإنتاج العالمي يأتي من الاقتصادات المتطورة من منطقة اليورو ( جنس البضائع )، لذلك يمكن القول أن المغرب سوقا وتسويقا سيزيد ارتباطه بالاتحاد الأوروبي وإن لم يتطور نموه. لذلك لا معنى لوجود طفرة في النمو حتى أواخر 2012، إلا من خلال " الأدوات الذاتية للإصلاح ". يقول ماريو دراغي على صفحات الفيننشال تايمز، وهو رئيس البنك المركزي الأوروبي، لا مجال لأي دولة أوروبية أن تصارع أزمتها الحالية خارج منطقة اليورو، كما لا مجال للشركاء أن يتجاوزوا الأزمة دون علاقات تتقدم مع الاتحاد الأوروبي. يمكن تنويع مصادر التمويل وتطويره، وليس تغيير بنيات مهيكلة بين المغرب وأوروبا. تفادي الإصلاحات الهيكلية التي ما زال على الدول تنفيذها كمنخرطة في اليورو أو شريكة له، يعتبر " كارثة "، لأننا في حال التعاطي مع الخليج - الذي خسرناه نضعف نظرتنا الإستراتيجية – نكون أمام إجراءات غير مسبوقة لدعم التوازن الماكرو مالي الوطني، وفي نفس الوقت دعم قدرتنا على الاقتراض، وفي حال تطوير شراكتنا مع أوروبا، نكون أمام ضرورة دخولنا في إصلاحات صعبة، على أن يكون دعم منطقة اليورو لقروض غير محدودة – كأول مرة ولأجل ثلاث سنوات – نقلا لبعض المرونة إلى سوق التمويل المتنوع من خلال سلة العملات. المشترون للدين السيادي من القطاع العام ( بما فيهم البنوك وشركات التأمين وصناديق التقاعد ) يعتمدون على توزيع ربع سنوي أو سنوي، وإعادة جدولة الديون في منطقة اليورو وبعد الأربعة الأشهر الأولى تدعم في إعادة جدولة ديون مغربية، إن لم يكن كلها ف 40 إلى 70 في المائة منها. عدم القبول بأي ضغط أوروبي على المغرب قد يفيد هذه المرحلة إلى جانب عدم وجود قانون مالي في 2012 إلا بما يدبر الاقتصاد في مرحلة انتقالية وإصلاحية، عوامل تفيد إلى جانب أخرى في جدولة الديون عند الشركاء لمنطقة اليورو كما عند أعضاء الاتحاد الأوروبي الملزمة بسداد ديون تقدر ب 637 مليار يورو، 40 في المائة منها في نهاية أبريل 2012، ويتعين على إيطاليا سداد ديون تقدر بنحو 150 مليار يورو بين فبراير وأبريل، كما سيتعين على فرنسا وألمانيا سداد ديون ضخمة. باريس لا يجب أن تضغط على الميزانية الهشة للرباط لتوفير بعض الأرباح من أجل ديونها. من هذا المنطلق يتوجب على الساسة الفرنسيين رفض ممارسة أي ضغط على المغرب، كما يجب أن يساهموا في إعادة بناء ثقة المستثمر في المملكة، تماما كبناء الثقة عند مستثمرهم المحلي في المالية العامة لمنطقة اليورو. لا يمكن أن ترفض باريس انضمامنا إلى مجلس التعاون الخليجي، ولا تعمل على دعم الثقة في الاستثمار الأوروبي على الأرض المغربية. المغاربة يدفعون مع الفرنسيين الثمن لتحقيق الاتحاد الأوروبي استقراره المالي. ونتساءل بشكل مكشوف، هل يمكن للمغرب أن يزيد من ديونه وأن يرشد من النفقات لدعم أوراشه والبنية التحتية. قد ينظر البعض إلى ذلك كفرصة " ذهبية "، وأراها كذلك إن نجح المفاوض المغربي في جدولة الديون السابقة، بما يفيد إضافة أخرى، مع صرامة شديدة في تدبيرها على الأرض. تهيئة الظروف المناسبة للنمو شئ ممكن، كما أن العمل على أوراش البنية التحتية يخفض البطالة ويزيد من تحقيق " الشفافية ". 2012 لن يكون سوى عام التحولات الكبرى والثورات الأقل. من جهة، على المغاربة – إن أرادوا ربح رهان 2012 – أن يوحدوا الأغلبية والمعارضة على انتهاج سياسات مالية " بشكل وطني، حساس وناضج " تبدأ من تنحية المصالح الشخصية جانبا، من رأس الدولة إلى آخر عنصر فيها. من جهة ثانية، إن تم تنزيل الدستور بشكل صحيح سيضمن متغيرا آخر يضع مالية الشعب في يد حكومة منتخبة. ثمة أسلوبان، الواقعي والمثالي في نظرتنا لإقرار دستور فاتح يوليوز، إما أن نؤكد انه انعكاس لميزان القوى، ولا يشكل بالتالي أي متغير، وإما أن الدستور يسعى لإرساء نظام جديد. وبين القراءتين نجد أن المالية هي الجزء الذي لا يمكن التفاوض عليه، بعد الأزمات التي شهدها العالم بفعل أخطاء كان يمكن تجاوزها، وبفعل عدم تطبيق القانون، دولة القانون في خدمة النمو إذن. هذه الخلاصة يجب أن تكون ثابتة. المغرب سيعرف طيلة السنوات الآتية تنزيلا للدستور، وبالتالي غموضا يمكن تفسيره أو تلغيمه، لكن لا يمكن أن تدخل المسألة الاقتصادية في هذا الصراع المتوقع كما لا يمكن الاستغناء على علاقات المغرب مع الخليج. أولا، لأن النفط لا يزال أزمة في تدبيرنا الاستراتيجي، في 2012، وفي ظل عرض " ضعيف " يقول " باركليز كابيتال " أنه أقل من 2008، تكون مشكلة البترول عنوان هذه السنة. ثانيا، تقول وكالة الطاقة الدولية، أن مخزون دول الأوبك نزل بنحو 25 مليون عن متوسط مستواه خلال خمس سنوات، مما يضع الموقف صعب من 2008، وفي هذه الحالة على المغرب أن يشجع حواره مع الجزائر كجار نفطي، وأن يعمل على علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي بعد تخصيصها لمليارين ونصف المليار دولار مساعدات للمملكة. الرباط في مواجهة مصيرها مع أوروبا والخليج، ترى أن التوقع التالي ل 2012 يجعل صندوق النقد الدولي " أكبر حجما وأقوى " لأنه سينهض ببعض مسؤوليات الخبراء التكنولوجيين، مما يجعل تقاريره حول المغرب ذات مصداقية أكبر، والمؤكد أن توجه أوروبا سيتوفر على مزيد من الفرص في أفريقيا. وأي علاقة واضحة وحكيمة بين المغرب وصندوق النقد الدولي ستؤثر إيجابا على الموارد الموجهة إلى المملكة. إن المخرج الوحيد من أزمة الدين وتركز الثروة هو النمو، لأن التنمية الاجتماعية والبشرية لا تزال تحت البيروقراطية الإدارية، والتنمية الاقتصادية لا تزال تحت سيطرة " لوبيات النفوذ " وسيكون تحرير الموارد من اللوبيات أول درجة لتحقيق نقطة – على الأقل – في معدل النمو. المقاولة المواطنة إذا ساندت الإصلاح – ضد اللوبيات المتحكمة لنصف قرن – سيتحقق مناخ عمل أفضل من السنة الماضية، إذ تضع الدول استراتيجيات لتعزيز النمو، دون أن تعي أن الحفاظ على عوامل النمو برفض الريع والفساد والتوزيع غير العادل للثروة هو القادر إلى جانب هذه الاستراتيجيات في الوصول إلى نمو آمن ناجح وعملي. عبد الحميد العوني، تحليل إخباري بالاتفاق مع أسبوعية ما وراء الحدث