حكومة عبد الإله بنكيران تُشرع للتطبيع التجاري مع الكيان الصهيوني، وترفض تعديلا يرمي إلى منع أي معاملة تجارية مع إسرائيل. وعملت الحكومة على إشهار سيف الفصل 79 من الدستور، الذي يمنح الحكومة حق رفض أي تعديل بحجة الإخلال بالموازنة العامة. فريق العدالة والتنمية له رأس آخر. فقد قال المقرئ أبو زيد الإدريسي، عضو الفريق، إن نواب الحزب لا يتحملون أية مسؤولية في هذه القضية، ولم يصوتوا ضد التعديل الذي تقدمت به فرق المعارضة، معتبرا ذلك كذبا وبهتانا، لأن الحكومة، حسب قوله دفعت بالفصل المذكور. أمر مضحك هذا الذي يقترفه أبناء الحزب الإسلامي. فأعضاء الفريق صوتوا، داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، ضد التعديل، لكن في الجلسة العامة تفتقت عبقرية بنكيران حتى لا يحرج حزبه أمام الناخبين، ولأن الجلسة منقولة مباشرة على وسائل الإعلام العمومي، فإن رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية جنب نوابه التصويت مخرجا الفصل 79 من الدستور. لكن المنطق يفرض توضيحات ضرورية، حتى لا يتلاعب نواب الفريق بالعقول. فما الفرق بين موقف الحكومة وموقف الفريق؟ ففريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، هو الذي منح رئاسة الحكومة لعبد الإله بنكيران، باعتباره الفريق الأكثر عددا بمجلس النواب، وبالتالي فإن بنكيران لم يكن ليتولى الرئاسة لولا الفريق، فبفضله تم تكليفه بتشكيل الحكومة، وبفضل الرتبة الأولى لفريقه تمكن من جمع أغلبية حكومية، وهي التي صادقت على البرنامج الحكومي. إذن محاولة التفريق بين الحكومة وفريق العدالة والتنمية والأغلبية عموما هي مجرد محاولة تمويه فاشلة. فمادام الفريق هو الذي صنع رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة هو الذي صنع الحزب والفريق وحتى حركة التوحيد والإصلاح الأم الداعمة، والفريق هو الذي فرض الأغلبية والأغلبية هي التي نصبت الحكومة، إذن لا مجال للهروب من أي موقف تتخذه الحكومة أو الأغلبية. فالتطبيع الذي دافعت عنه الحكومة يتحمل جريرته فريق العدالة والتنمية والحزب الإسلامي وحركة التوحيد والإصلاح، ولا يهمنا موقف باقي أحزاب الأغلبية، التي لم تزايد على الآخرين بهذا الموضوع. فحزب العدالة والتنمية جعل من قضية فلسطين سجلا تجاريا، رغم أنه لم يقدم لها سوى الكلام الفارغ، ولولا صعود نجم حماس، الذي بدأ في الأفول، ما كانت الحركة الإسلامية في عمومها أن تتبنى القضية الفلسطينية، لأن من كان يتصدى للنضال الوطني ويقود حركة التحرر الفسلطيني، هو الحركات العلمانية والليبرالية واليسارية، التي كان الإسلاميون يصنفونها بأنها معادية للدين. لكن التعديل الذي تقدمت به المعارضة كان هو القشة التي قسمت ظهر البعير. بل إنه كشف عن عورة الإسلاميين، الذين لا يتورعون في وضع أيديهم في أيدي أمريكا، التي تعتبر الحامي والممول الرئيسي بالسلاح للكيان الصهيوني. سقط القناع عن القناع على حد قول الراحل محمود درويش الذي طالما اتهمه الإسلاميون لأنه من عرب 48، لكن اليوم ها هم يهرولون نحو أمريكا وإسرائيل ويترجونهما من أجل القبول.