"مارادونا" ليس مجرد أعظم إسم أنجبته كرة القدم العالمية، إنه تجاوز ذلك بمراحل ليصير إسمه عبر مر العقود عبارة يستعملها عشاق كرة القدم للتعبير عن "الإعجاز الكروي" حتى وإن لم يشهدوا على ما قدمه اللاعب على بساط الملاعب الأرجنتينية والعالمية. غادرنا مارادونا اليوم الأربعاء بعد تعرضه لسكتة قلبية في عاصمته الروحية، بيونيس آيريس، أين ولد وتلقى أبجديات الجلد المدور قبل أن يصير النجم الأول على الساحة الكروية. ولد دييغو مارادونا في ضواحي العاصمة بيونيس آيريس وانطلقت علاقته الغرامية بكرة القدم وهو يبلغ ثلاث سنوات، حين قدم له أحد أفراد عائلته، بيتو زاراتي، كرة كهدية في عيد ميلاده الثالث. تحكي عائلة مارادونا أنه ظل ينام محتضنا لهذه الكرة لمدة ستة أشهر متتالية خوفا من سرقتها. لقد كانت كفترة حمل عقبها إنجاب موهبة سرقت قلوب كل عشاق المستديرة.
بدايات مارادونا مع كرة القدم كانت مع أحد الأندية الصغيرة في حيه تدعى "Little Onions" حيث حمل قميصه وهو يبلغ تسع سنوات، قبل أن يتعرف عليه جمهور أكبر بعد ذلك بسنتين نتيجة التحاقه بفريق أرجنتينوس جونيورز. قضى مارادونا خمس سنوات في الفئات الصغرى لأرجنتينوس قبل أن يلتحق بفئة الكبار وهو لا يتجاوز 16 سنة بسبب موهبته الخارقة، ثم سينجح بعد ذلك بسنة في الظهور بقميص المنتخب الأرجنتيني في أول مباراة دولية أمام منتخب المجر بملعب "البومبونيرا".
حاملا لوشم "شي غيفارا" على ذراعه ولرسم لفيديل كاسترو على ساقه اليسرى، أظهر مارادونا للأرجنتيين في نهاية سبعينات القرن الماضي أنه قادم لحمل الكرة الأرجنتينية نحو المجد؛ البداية كانت بالتتويج بلقب كأس العالم لليابان سنة 1979.
#Maradona un des plus grand joueur de tous les temps un grand amoureux de #cuba un ami de fidel Castro et le tatouage du #che sur l'epaule bravo champion pic.twitter.com/rPoTKMBLgF — apourceau poly cathy (@Apourceau) November 25, 2020 وقبل أن يحول مارادونا اهتمامه لكأس العالم الخاصة بالكبار، كان عليه أن يقدم على مجموعة من التغييرات في مشواره الكروي، حيث قرر مغادرة أرجنتينوس سنة 1981 في اتجاه بوكا جونيورز الذي ضمه في صفقة قياسية آنذاك، ليقوده للتتويج بالدوري الأرجنتيني ويسجل 28 هدفا في أول موسم له. بعدها بسنة واحدة، سيكون مارادونا على موعد مع نقلة جديدة في مسيرته الكروية، حيث سينتقل لأول مرة خارج الأرجنتين للتوقيع في كشوفات برشلونة وسيخوض أول كأس للعالم رفقة منتخب الكبار. مونديال إسبانيا 1982 كان بمثابة تحضير لمارادونا لما هو قادم، صحيح أنه فشل خلاله في قيادة الأرجنتين لحلم التتويج باللقب العالمي لكنه احتك ببقية المدارس الكروية، لتكون مهمته بعد ذلك لمدة أربع سنوات تجهيز نفسه لقيادة كل من يحمل قميصه لرفع الألقاب. مع برشلونة، كانت مسيرة مارادونا متأرجحة بين التألق والانتقادات الكثيرة التي كان يتلقاها بسبب نمط عيشه وما يقوم به خارج الملعب. في نفس الوقت، كان على موعد مع مواجهة مدافعين لا تدخل "الرحمة" في قاموسهم وعلى رأسهم مدافع أتلتيك بيلباو، أندوني غويكوتشيا، الذي كان وراء تعريض مارادونا لإصابة في الكاحل غيبته لمدة طويلة، ثم سيتسبب بعدها في رحيله عن الفريق الكاتالوني بعد واقعة شجار نهائي كأس الملك سنة 1984.
قد يظن البعض أن مسيرة مارادونا مع برشلونة تميزت بالمشاكل فقط، لكن على عكس ذلك أثبت اللاعب قدرته على التأقلم مع المدرسة الأوربية حيث أحرز 38 هدفا في 58 مباراة واختير أفضل لاعب في الدوري خلال أول موسم له، كما كان من المساهمين في التتويج بكأس الملك سنة 1983 على حساب ريال مدريد. اختار مارادونا بعد ذلك التوجه إلى نابولي في صفقة قياسية بلغت 12 مليون أورو. لقد كان فريق نابولي يرى في مارادونا اللاعب القادر على قيادته للمجد وهو ما تجسد باستقبال 70 ألف من الجمهور له في ملعب سان باولو، إلا أن الأرجنتيني الواعد لم ينجح في تحقيق الأهداف المرجوة مع الفريق خلال أول سنتين.
لقد كان على مارادونا أولا الوفاء بوعده مع الأرجنتيين، وذلك ما كان حين أصر على قيادة منتخب "التانغو" للتتويج بكأس العالم في نسخة مكسيكو 1986. لقد بدا واضحا أن مارادونا عازم على القيام بذلك خلال مباراة ربع النهائي أمام إنجلترا، إذ أظهر أنه رجل المعجزات، ففي المرة الأولى استخدم يده الخفية وفي المشهد الموالي استعمل قواه الخارقة لمراوغة عدد لا متناه من مدافعي المنتخب الانجليزي قبل إيداع الكرة في المرمى. كان مارادونا في هذه المباراة وفي نسخة مكسيكو 86 بأكملها واضح المسعى ولم يكن بوسع أحد إيقافه عن هدفه حتى منتخب ألمانيا القوي الذي حاول جاهدا في النهائي مجاراة منتخب "التانغو" قبل أن يسقط بنتيجة 3/2.
فتح لقب كأس العالم الشهية لمارادونا، ليعود عازما هذه المرة على مجازاة جماهير نابولي التي كانت تحيطه بمعاملة خاصة. مارادونا سيقود نابولي سنتي 1987 و1990 للتتويج بالكالتشيو بالرغم من الصراع القوي في ظل وجود فرق كبيرة من قبيل آيس ميلان، ليصبح "الأزرق السماوي" مهاب الجانب في إيطاليا وخارجها.
وكان مارادونا خلال مونديال إيطاليا 1990 قريبا من إهداء المنتخب الأرجنتيني مجددا لقب كأس العالم لولا الهزيمة في المباراة النهائية أمام منتخب ألمانيا. النسخة ذاتها استفاد فيها مارادونا من تشجيع جماهير نابولي للمنتخب الأرجنتيني حتى أنه تسبب في خلق انقسام كبير بين الجماهير خلال نصف النهائي الذي أجري بملعب نادي نابولي بين المنتخب الإيطالي ومنتخب التانغو.
مسيرة مارادونا الكروية بعد ذلك ستسير في اتجاه الأفول بسبب ازدياد مشاكله المرتبطة مع استهلاك الممنوعات، وهو ما سيقوده أولا لتغيير الفريق حيث انتقل لنادي إشبيلية سنة 1992 قبل أن يعود بعد ذلك إلى الأرجنتين من بوابة نيوز أولد بويز ثم ينهي مسيرته مع بوكا جونيورز.
مارادونا سيعاني صحيا بعدها بسبب إدمانه على استهلاك الممنوعات. اختار أن يخضع للعلاج في كوبا قبل أن يعود لعالم كرة القدم من بوابة المدرب. وبالرغم من تجربته الكروية الكبيرة، إلا أن مارادونا عجز عن تحقيق إنجازات كبيرة رفقة الفرق التي أشرف عليه والتي كان من بينها المنتخب الأرجنتيني فيما كانت آخرها مع فريق خيمناسيا لا بلاتا الأرجنتيني.
مارادونا بوفاته اليوم يترك جرحا غائرا لدى كل عشاق الكرة المغاربة، فهم أحبوه أولا لمهاراته وللكرة التي قدمها، قبل أن يزداد العشق مع قدومه للمغرب في مباراة استعراضية بمدينة العيون احتفاء بذكرى المسيرة الخضراء، حينها عبرت الأسطورة الأرجنتينية عن حبها الكبير للمغرب.
Diego Maradona : «Vive le roi ! Vive le Maroc ! Vive le Sahara ! » (2016). Hommage à cette grande légende du football, décédé d'une crise cardiaque aujourd'hui. pic.twitter.com/WTKlqC43ns — MocroSoccer ۞ (@MocroSoccer) November 25, 2020