لم تعد بني ملال، اسماً على مسمّىً. فقد كسحها لون جديد اسمه "أحمر المامونية"، الذي أدخل المدينة في جو من الكآبة، عشر سنوات تقريبا، كانت كافية لتتغير هوية مدينة بالكامل، سميت على بياضها، فأملال أو أومليل، هو اسم أمازيغي يعني الأبيض، وبه سميت المدينة، تيمنا بلون الثلوج التي تغطي قمة تاصميت وقمة جبل اغنين، في كل فصل شتاء. بني ملال أي مدينة أبناء اللون الأبيض، بعد أن كانت تسمى أيضا "داي" وهي تحريف لكلمة أوداي أي اليهودي بالأمازيغية، وذلك راجع إلى كون المدينة كانت مستقرا لليهود الأمازيغ. يكفي لمن يزور مدينة بني ملال، أن يلقي من "قصر عين أسردون" نظرة عامة، ليرى أن المدينة لا تتناسب خضرتها وحقولها الكثيرة، مع سفح المدينة الذي يشبه الصحراء تماما، على امتداد البصر، يغزو أحمر المامونية المدينة، وبالكاد تفرق بين أزقتها ومعالمها، أما ليلا، فتدخل المدينة في ظلام آخر، رغم الإنارة الليلية. كثرت الأصوات التي بقيت متشبثة بمطالبة السلطات الوصية بالعودة إلى اللون الأصلي للمدينة، وهو "الأبيض اكريم"، كما الشأن هنا لنور الدين لحيمر، تشكيلي ورئيس جمعية منبع للفنون التشكيلية، الذي تحدث إلى موقع القناة الثانية 2m.ma، معبرا عن امتعاضه الشديد من انسلاخ بني ملال من هويتها الأصلية، يقول لحيمر "عندما يتم ذكر اسم مدينة بني ملال، تستحضر لغة الجمال والمياه والخضرة الموشحة باللون الأبيض، كرمز للصفاء ورداءً للقِران والارتباط (العرسان). فهذه هي الصورة الأصيلة، والمتأصلة التي ترسخت منذ القديم في أذهان أهل المدينة وزوارها، وبالتالي فهو يعتبر هوية وتراثا لا ماديا تميزت به بناياتها. إلى أن تفاجأ الجميع على حين غرة، بقرار لم تعرف جل الساكنة دواعيه وحيثياته، الذي يدعوهم إلى طلاء جدران مساكنهم بلون مغاير ودخيل على لون مدينتهم التاريخي والمألوف، الذي لم يستسغه جل المجتمع الملالي، مع قبوله عن مضض، وقد اضفى على المدينة احساسا بالكآبة، وازاح عن مدينتهم خاصية من خصائص هويتهم، باعتبارها ذاكرة مكان وعيش بكل تجلياتهما". بالكثير من الأسف يسترسل نور الدين "لبني ملال لونها وهوية تخصها، كما لمراكش أو الصويرة وغيرها من المدن، فبني ملال ليست ورشا لتجارب مهنيي الصباغة، اتركوا لعروسة الأطلس لونها، كما ألفناه وألفه الشاعر والمغني والفنان، ولا تجعلوها تنسلخ عن كيانها الذي أتعبه الارتجال". في اعتقاد أمين التباع، الذي يوثق المدينة بصوره، يجب أن تبنى الدراسة اللونية للمشهد الحضرى، بناء على معرفة دقيقة بعلم الألوان ونظرياتها، وبدلالات الألوان وتأثيراتها الوظيفية والنفسية المختلفة في كل من الشوارع التجارية وعناصرها، وفق رؤية تصميمية تأخذ بالحسبان المستوى الاجتماعي والثقافي والفكري للمجتمع، مع أخذ بعين الاعتبار المواد المستخدمة في التغليف الواجهات ووظيفة المبنى. ويُرجع أمين، خطورة مشكلة تدني التذوق الجمالي، إلى فقدان الإحساس بالجمال بالدرجة الأولى، وانهيارا للاعتبارات الجمالية، والرضا والقبول بالصور القبيحة وانتشارها بين فئات المجتمع، لتصبح هي القاعدة المستقرة، التي لا تجد من يرفضها أو يسعى لتغييرها، لذا لابد من وجود حملات لتوعية المواطنين وتثقيفهم بيئيا عن طريق وسائل الإعلام، وتحفيزهم على المنافسة في مجال الارتقاء بمظاهر الجمال والذوق والتناسق البيئي، وتنظيم مسابقات وجوائز للشارع المثالي، أو المدينة المثالية، التي تغيب فيها. أما عن أسباب التلوث البصري، يقول أمين أنها ترجعُ عادة إلى الإهمال، وسوء الاستخدام، وغياب التخطيط السليم، وانخفاض المستوى الفني للتصميم ، فضلا عن السلوكيات الاجتماعية الخاطئة، وتردي مستوى الذوق العام والثقافة. يعدُّ عبد العزيز هنو، وهو فنان تشكيلي ومدير مؤسسة التفتح للتربية والتكوين، واحدا من الأصوات الشرسة المدافعة عن لون بني ملال الأصلي، قال متحدثا للموقع، إن دفاعه عن لون المدينة، هو دفاع عن هوية المدينة، ودفاع عن لون الأمل، مؤكدا أن "الأبيض اكريم" يساعد ليلا على الرؤيا، كما أن المدينة تظهر للزوار من قصر عين أسردون، وهي تتوسط الخضرة اليانعة، زد على ذلك اللوحات الإشهارية المثبتة على الواجهات والمتاجر تظهر للعيان ومن بعيد، بخلاف اللون البني الذي يحجبها مساء. أما فؤاد، فيقول أن اللون الحالي، كان لون السجن المحلي "الدار الحمرا"، الذي تم هدمه من أمام مقر العمالة، وقال أنه لون مفروض على مدينتنا، أما اللون الأبيض فقد كان جميلا وأحببناه منذ صغر سننا، لأنه كان متناسقا تماما مع اللون الأخضر للبساتين وخرير جداول مياه عين أسردون المحيطة بالمدينة. أما اليوم فكأننا بمدينة جنوبية صحراوية. شخصيا سأعيد مستقبلا لون منزلي للونه الأصلي الذي كان blanc cassé. وتعليقا على الموضوع، كتب باسم محمود "عندما كنت أزور مدينة بني ملال، كان يجدبني لون المنازل البيضاء وأبوابها ومنافذها الخضراء المتناسقة ألوانها مع أشجار الليمون المغروسة على طول شوارعها، لكن للأسف؛ أصبحت تضجر الناظرين بلون لا يتناسق وطبيعتها. أرادوا تشبيهها بمراكش لكن هل طبيعة مراكش هي طبيعة بني ملال؟" يتساءل باسم، قبل أن يضيف أن "بني ملال خضراء وبها عيون وسواقي ووديان، وبهذا اللون التعيس الذي دهنت به؛ أصبحت كمدينة قاحلة". مقابل كل هذه الطروحات المدافعة عن الرجوع والتشبث بلون المدينة الأبيض، توجد مجموعة أخرى تدافع عن لون المدينة الجديد، أحمر المامونية، هؤلاء يبررون دفاعهم بكون اللون الحالي، يكسر من حدة أشعة الشمس خلال الصيف، حيث تصل درجة حرارة المدينة إلى °48 درجة، وبالتالي تم إلزام عدة مقاولات والسكان بالصباغة به، بالإضافة إلى دوره في حجب الأوساخ الناتجة عن التساقطات المطرية. لا يزال الجدال متواصلا بين من يرى في اللون الحالي مزايا كثيرة، وبين من يتشبث بضرورة العودة إلى لون المدينة الأصلي، في انتظار أن تحسم السلطات الوصية على الشأن الحلي، في الاختيار النهائي للون مدينة بني ملال، بالرغم من أن معظم الساكنة لا تجد في أحمر المامونية سببا جماليا ولا نفسيا في طلائه على واجهات منازلها.