مع اقتراب موعد الانتخابات، تعود ظاهرة "الترحال السياسي" إلى الواجهة، حيث يقدم العديد من المنتخبين على تغيير انتمائهم السياسي والالتحاق باحزاب جديدة. فإلى أي مدى تؤثر هذه العملية على مصداقية الأحزاب لدى المواطنين؟ وكيف يمكن ضمان حق الأحزاب في تحسين حظوظها في الانتخابات واستقطاب اسماء تحظى بشعبية وفي نفس الوقت تجنب سيناريو عزوف المواطنين عن الانتخابات؟ الجواب في الحوار التالي ضمن فقرة ثلاثة أسئلة مع المحلل السياسي محمد بودن: كيف تعرفون ظاهرة الترحال السياسي، وماذا يقول الدستور المغربي في هذا الموضوع؟ تعددت توصيفات الترحال السياسي ( Nomadisme Politique) بين الهجرة السياسية و الانتجاع السياسي و السياحة السياسية ومن يصفه في تجارب مقارنة ب( Transhumance Politique ) وهذا وصف له دلالة سلبية. دستوريا الفصل 61 يشير بصراحة الى انه يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين كل من تخلى عن انتمائه السياسي، الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. على المستوى القانوني تتصدى المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية و قوانين تنظيمية اخرى لظاهرة الترحال السياسي. لكن يتضح ان الدستور و النصوص القانونية المذكورة تتبنى فحص ظاهرة الترحال السياسي فقط طوال المدة الانتدابية. لذلك فالترحال السياسي في اخر الولاية التشريعية و الانتدابية يمثل مظهرا منفلتا من الاطار الدستوري و القانوني. اعتقد ان حالات الترحال السياسي التي تمت ملاحظتها يتم تقديمها بثلاث اوجه ؛ الوجه الاول، تقدمه الاحزاب السياسية والمستفيدين من الظاهرة و يتعلق بانفتاح المشهد الحزبي و حرية تغيير الانتماء. الوجه الثاني، تقدمه قراءات مختلفة ويتعلق بحسابات الاحزاب السياسية و اختراقها لقواعد بعضها البعض فضلا عن مسائل شخصية اخرى تحسم الترحال، ثم الوجه الثالث، يعبر عن وجهات نظر فئات من المواطنين فضلا عن اراء نقاد و متتبعين و يرون ان الترحال السياسي يؤكد ان الاحزاب السياسية مغرمة بالمقاعد كما ان رغبة عدد من المنتخبين في الرحال لا تمثل وجهة نظر بعض ناخبيهم في الغالب وهي مسألة طموحات شخصية وسعي محموم للتواجد في المؤسسات التمثيلية بأي ثمن. اذن الامر في تقديري يتعلق بمسألة اخلاقية اكثر منها دستورية او قانونية و تندرج في اطار الديناميات السياسية التي يفترض ان تحتل فيها التعاقدات بين الناخب و المنتخب موقعا يبرز افضليتها على حساب الطموحات الشخصية. إلى أي مدى يؤثر الترحال السياسي على مصداقية الأحزاب لدى المواطنين؟ رغم المبررات التي قد تعطى في هذا الاطار الا ان الترحال السياسي يضعف منسوب الوفاء السياسي و يجعل المشهد السياسي ضبابيا ويكرس اهمية الشخص و من يتبعه و قدرته على التمويل على حساب البرامج و المشاريع والافكار التي تصبح غير ذات أهمية بالنسبة لعدد من المرشحين الرحل الذين يعتقدون عن صواب اَو خطأ انهم يجلبون الاضافة والمزيد للأحزاب التي يترشحون باسمها. كما ان الترحال السياسي يعكس حقا ان بعض المنتخبين لا يشعرون بالانتماء الحزبي سواء مع الحزب الذي تم التخلي عنه او الذي تم تغييره او الذي تم الترشح باسمه. اما عن اسباب الترحال فالامر لا يتعلق في الغالب بانتقادات وجهها الرحالة السياسيون لاحزابهم السابقة بخصوص احترام النظام الاساسي او عدم الالتزام بمشروع الحزب او مسألة الديمقراطية الداخلية بل المسألة تتعلق بطموحات شخصية او قوة جذب معينة لدى بعض الاحزاب. لاشك ان هذا الوضع ضار بالديمقراطية ولا يسمح بميلاد نخب جديدة و يضعف الثقة في الطبقة السياسية، ولكن بامكان الكتلة الناخبة ان تنتفض ضد هذا السلوك و تقرر ترجيح كفة جيل جديد من المرشحين بالمشاركة الواسعة و المساهمة البناءة. كيف يمكن ضمان حق الأحزاب في تحسين حظوظها في الانتخابات واستقطاب اسماء تحظى بشعبية، وفي نفس الوقت تجنب سيناريو عزوف المواطنين عن الانتخابات؟ هذا السؤال متروك للأحزاب السياسية التي ينبغي ان تبتكر حلولا لخلق التوازن على مستوى قراراتها و ضمان التنوع بخصوص التركيبة البرلمانية. اعتقد ان تمويل ترشح الشباب و النساء و الكفاءات سيمثل عنصرا حيويا لتحقيق التمثيل الهادف و المنصف لمختلف مكونات المجتمع في المؤسسات التمثيلية. تغيير الانتماء في الايام الاخيرة للولاية التشريعية او الانتدابية يستبطن بعض الاشارات السلبية. في تقديري التدابير القانونية لا يمكنها لوحدها ان تحد من الترحال السياسي عمليا بحيث لا يوجد رادع اخلاقي يمكنه ان يمنع منتخب ينتمي لحزب معين ان يقوم بالتنسيق مع حزب أخر خاصة مع قرب انتهاء الولاية الانتدابية ولذلك فالتدابير القانونية تمنع الترحال لمدة خمس سنوات لكنها لا تضمن عدم حصوله مع نهاية المدة الانتدابية مع العلم ان المسألة تتعلق بظاهرة وليست حالات فردية. في الواقع لايمكن منع الآحزاب السياسية من القيام بتحركات تشجع على الترحال اذا كانت ستحصل على مقاعد أكثر في المؤسسات المنتخبة فهذا هو الهدف المركزي للأحزاب السياسية و في بعض الاحيان يكون هدف بعض الاحزاب من دعم الترحال هو حرمان الاحزاب المنافسة من أسلحتها الأساسية في بعض الدوائر عبر تحفيزات متنوعة. لا يمكن انكار أن الترحال يمثل دينامية لكنه في الواقع يفقذ العملية السياسية التنظيم اللازم الذي ينبغي ان يطبعها. لا شك أن الترحال السياسي يضعف البعد الرنامجي للأحزاب و يشوش على اختيارات الناخبين على أسس برنامجية. في تقديري السياسة ينبغي ان تبنى بطوابق ضرورية تتجلى في العقليات الجديدة و الأفكار علاوة على الانجازات و البرامج و هكذا يمكن بناء ممارسة سياسية تتجاوز الأشخاص.