الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي وولي العهد    زلزال الحوز.. تواصل عملية إحصاء قاطني المباني المتضررة بإقليم تارودانت    مجلس السلم والأمن.. إعداد الموقف الإفريقي المشترك بشأن الأسلحة الخفيفة والأسلحة الصغيرة بالدار البيضاء    مشروع قانون المالية يقترح مستجدات وإصلاحات في السياسة الضريبية المغربية    الفتح الرباطي في ديربي مغاربي قوي أمام اتحاد العاصمة الجزائري    ارتفاع درجات الحرارة في عدد من أقاليم المملكة    اعتقال "خطاف" تسبب في وفاة راكبة اثر محاولته تعريضها لاعتداء جنسي    منح 158 ترخيصا لعملية حفر الآبار بكلميم وادنون خلال النصف الأول من 2023    دراسة جديدة عن كوفيد 19    عون سلطة وسيدة يقودان تشكيلا إجراميا ينصب على الناس بالحيلة    القناة "الأولى" تكشف عن شبكة برامج موسمها الجديد    بعد 10 سنوات من المحاكمة.. القضاء ينصف نجاة اعتابو ضد الفرقة البريطانية "The Chemical Brothers"    غضب في إسبانيا… نشر صور عارية لعشرات التلميذات أنشأها الذكاء الاصطناعي والشرطة تحقق    تخصيص 14 مليار درهم لفك العزلة وإصلاح 600 كيلومتر من الطرق المتضررة من زلزال الحوز    الهدر المدرسي لفتيات بإقليم تارودانت يسائل الوزير بنموسى أمام البرلمان    تصريحات سانشيز .. هل تطعن إسبانيا المغرب وتغير موقها من الصحراء؟    رئيس وزراء الغابون الجديد: "الانقلاب كان "أهون الشرين"    لن أكونني بعد اليوم    هاته هي العطلة الممنوحة بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف    نتنياهو: إسرائيل ستطبع قريبا مع السعودية    "نخرجو ليها ديريكت" يبرز مفهوم صفة "مكفولي الأمة" وامتيازات حامليها (فيديو)    مجلس إدارة CNSS يشيد بالإنجازات الملموسة والتطور الكبير لورش تعميم الحماية الاجتماعية    اتحاد الناشرين الاردنيين : معرض عمان الدولي للكتاب استطاع إبقاء العاصمة الأردنية على خارطة الثقافة العربية    حقوقيون يراسلون النيابة العامة من أجل التحقيق في تزوير شواهد جامعية بجامعة ابن زهر بأكادير    وكالة الحوض المائي لدرعة وادنون منحت 158 ترخيصا لعملية حفر الآبار بكلميم وادنون خلال النصف الأول من 2023    مكتب أممي : نحو 5.3 مليون شخص فروا من النزاع بالسودان    شعبية رئيس فرنسا تنهار إلى 31 في المائة    المخاطر الطبيعية والحد من كوارثها    الشّاعر عبد الوهّاب البيّاتي في ذكراه..(2)    درجات الحرارة الدنيا والعليا المرتقبة غدا الأحد    بعد طنجة .. فضيحة الرخص المزورة تمتد إلى نطاق جماعة حجر النحل    البناء العشوائي يستنفر السلطات بمدن الشمال    مجلس النواب السويسري يوافق على حظر النقاب    مفاوضون من شركات إنتاج هوليوودية يجتمعون بكتاب السينما والتلفزيون المضربين    فيلم "باي باي طبريا" للمخرجة لينا سويلم يتمثل فلسطين في جوائز الأوسكار    فيلم فرنسي جديد ومخرجه بمكناس    الإصابة ستغيب أبوخلال لعدة أشهر    الفرص المؤتلقة والنفوس المحترقة    الخزينة.. توقع بلوغ حاجيات تمويل الخزينة 57,7 مليار درهم إلى غاية متم سنة 2023    صدام ناري بين الكوكب و"الواف" لفض شراكة الصدارة    حاكم مليلية يشكو الى ملك اسبانيا اغلاق المعابر ومنع ساكنة الناظور من دخول المدينة    روبورتاج .. مراكش تتنفس بسياحها من تحت ركام الزلزال    احتجاجات تندد بعدوانية الشرطة الفرنسية    المنتخب الوطني للسيدات ينهزم وديا أمام نظيره الزامبي بهدفين دون رد    الشيلي تعلن حالة الطوارئ الفلاحية في عدد من المناطق الجنوبية بسبب الفيضانات    خروج بونو وأزمة النصيري يورطان إشبيلية    مؤشر الحرية الاقتصادية يبوىء المغرب المرتبة الأولى في شمال إفريقيا    بالفيديو.. الصابيري يسجل أول هدف له بالدوري السعودي بطريقة مثيرة    جمعية ملتقى الشباب تستقبل وفدا اسبانيا يمثل منظمة PLATAFORMA EDUCATIVA    حفل تقديم اللاعبين و الطاقم التقني الجديد عادل لمرابط لفريق نهضة مرتيل لكرة القدم    فتوى الاحتفال بمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم    الأمم المتحدة.. المغرب يوقع اتفاقية قانون البحار المتعلقة بالتنوع البيولوجي في المياه الدولية    قول أهل العلم في الاستحباب بالاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم    المغرب يسجل 205 إصابات جديدة بكورونا    خطبة الجمعة تبرز هَبَّة المغاربة عند المحن    تقرير يكشف إصابة أزيد من 6 ملايين مغربي بارتفاع ضغط الدم    ماذا يفعل تناول وجبة واحدة فقط في اليوم بجسمك؟    لماذا نصبح أقصر مع مرور السنين؟ وهل يمكن تفادي ذلك؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن فقه العدل
نشر في الصحيفة يوم 16 - 08 - 2022

يُروى عن عمر بن عبد العزيز الذي يُلقّب ب "الخليفة العادل" قوله الشهير لأحد ولاته "سوّر مدينتك بالعدل"، وذلك جوابًا له على رسالة كان قد بعثها يطلب منه إرسال قوّة مساندة لمساعدته في القضاء على "المتمرّدين" والمقصود بذلك "المعارضة" باللغة المعاصرة اليوم. وقصد عمر بن عبد العزيز بردّه المشار إليه "أن العدل أساس الملك"، فهو الحامي للأوطان والإنسان. فماذا يعني ذلك؟ وكيف يمكن مقاربته في مجتمعاتنا الحالية؟
علامتان أساسيتان تقوم عليهما فكرة العدل:
أولهما – "المشروعيّة القانونية"، وهو ما نطلق عليه "حكم القانون"، أي أن الحاكم يحكم بالقانون الذي يجب أن يكون مثل الموت لا يستثني أحدًا حسب مونتيسكيو.
وثانيهما – "الشرعية السياسية" التي يحظى بها الحاكم من خلال رضا الناس وثقتهم، خصوصًا حين يحقّق لهم منجزًا ملموسًا، وإذا ما سارت "الشرعية" مع "المشروعية" في خطّ متوازن، فإن ذلك طموح أي حاكم وأمنية أي شعب، ومعناه أن قسطًا كبيرًا من العدل قد تحقّق، وهو ما يمكن البناء عليه.
ولعمري أن مثل هذه المعادلة الطرديّة بين "الشرعية" و"المشروعية و"الحاكم" و"المحكوم" هي الأساس الذي تقوم عليه فكرة المواطنة الحديثة في الدولة العصرية، والتي يُعتبر العدل، ولاسيّما الاجتماعي مرتكزًا أساسيًا من مرتكزاتها. فالعدل يمثّل قاسمًا مشتركًا أعظم لبني البشر، وبغيابه تشحّ فرص الحريّة وتتضاءل المساواة وتضيق إمكانية الشراكة والمشاركة دون تمييز.
ولعلّ الوعي بقيمة العدل الإنسانية السامية جاء ذكره في جميع الشرائع السماوية وغير السماوية؛ فروح الإسلام ومقاصده الكليّة وفلسفته في الحياة تقوم على العدل كقيمة ناظمة للقيم الإنسانية الأخرى مثل حق الحياة وسلامة الجسد والكرامة الإنسانية والمساواة بين بني البشر كجزء من المشترك الإنساني الجامع.
والدين الحنيف لم ينتشر بالفتوحات والسيف وحده وإنما كان العقل والعدل قد استوطن في النفوس قبل الإكراه أو حمل الآخرين على اعتناق الدين بالقوّة أو بالقسر. وذلك لما مثّله من علاقة البشر المتكافئة ببعضهم "لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلّا بالتقوى"... "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، وهكذا فالعدل كقيمة يتمّ الاحتكام إليها في العلاقات الإنسانية بغضّ النظر عن الدين أو القومية أو اللغة أو الجنس أو اللون أو الأصل الاجتماعي، لأنه عامود أساسي من أعمدة الحكم، به تتحقّق الطمأنينة والسلام الاجتماعي والتعايش الإنساني وتسود في ظلّه المساواة بين البشر وأمام القانون.
وفضيلة العدل هي الأقرب إلى التقوى، والتقوى تعني الكمال والسمو في النفس الإنسانية، وتلك إحدى مستلزمات الجهاد الأعظم، وحين سُئل الرسول محمد (ص) عن الجهاد الأعظم، قال: أنه جهاد النفس، أي الانتصار عليها بالعدل أمام النزوات والإغراءات، وذلك أقرب إلى أصل التقوى.
وما زال العدل في مجتمعاتنا ناقصًا ومبتورًا، وهو بحاجة إلى تعضيد وترسيخ لإشاعة روح التسامح والسلام ونبذ التعصّب والتطرف والعنف تحت ذرائع طائفية أو إثنية أو غيرها، وكم نحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار للعدل كقيمة عليا على المستويين الفردي والجماعي مثلما يحتاج الأمر إلى ردّ الاعتبار إلى الأخلاق أيضًا، بحيث يكون الإنسان قادرًا على التحكّم بنزواته وغرائزه ومصالحه الذاتية مقابل فريضة العدل التي ينبغي أن تكون المرشد والهادي والقطب الأساسي في حياة الإنسان.
وتمثّل صحيفة المدينة النواة الأولى واللبنة الأساسية لفكرة التعايش والعدل، ومن حق العرب والمسلمين أن يفخروا بها، خصوصًا التعامل مع غير المسلمين، وذلك بكونهم أفرادًا في مجتمع المدينة المنوّرة المتنوّع والمتعدّد الأديان، فقد حدّدت صحيفة المدينة واجباتهم وحقوقهم مع باقي المسلمين، بالتأكيد على أن الجميع " أمّة واحدة من دون الناس". وهكذا تم منح صفة أقرب إلى مفهوم المواطنة المعاصرة لليهود والمشركين، سواء بسواء مع المسلمين.
لقد استبدلت صحيفة المدينة مفهوم القبيلة والعرق والانتماءات الضيّقة، التي كانت أساس الصراع والتناحر بمفهوم "الأمة"، وهو مفهوم يقوم على التعايش والتواصل والتفاعل الإنساني مع احترام الخصوصيات والهويّات الفرعية، وهكذا توحّدت روح الجماعة في إطار الانتماء إلى هويّة موحّدة وجامعة أساسها المشترك الإنساني الذي يستند إلى فقه التعايش، وأزكت لأول مرّة روح الوطنية والانتماء إلى مجتمع المدينة المنوّرة وما حولها، وشكّل ذلك الأساس لوحدة الأمة العربية التي بعثها الرسول محمد (ص) بحيث أصبحت فيما بعد أمة واحدة ممتدّة من المحيط إلى الخليج يجمعها شعور موحّد بالانتماء والهويّة واللغة والتاريخ، إضافة إلى رسالة الدين الجديد.
ويقول عبد الله أبو صوف في كتابه "الإسلام والمشترك الإنساني: تسامح، تعايش، احترام الآخر": إن فصول وثيقة المدينة هي وجه من وجوه ثقافة الإسلام التي تصهر مكوّنات المجتمع على اختلاف انتماءاتها وأصولها ودياناتها... ضمن وحدة مجتمعية متكتّلة، تغلّب الوحدة والتعايش والتواصل والمشاركة في الوجود والفعل الحضاريين، وقوامها التشريعات الدينية العمليّة التي ترسي ثقافة العدالة والمساواة وفلسفة الحريّة والتكافل الاجتماعي، وتضمن الحقوق للأفراد والجماعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.