أوصت ندوة فكرية نظمت، الثلاثاء، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، حول الدقة المراكشية، من طقس الذاكرة إلى مسرح البحث: مقاربة في المفهوم والتأويل، بضرورة احتضان الجامعة لفن الدقة المراكشية، والحفاظ على الأصالة والطقوس التقليدية في الدقة المراكشية، وتناول متن العيط بالدراسات الأكاديمية المتخصصة بلاغيا وسيميائيا وسوسيولوجيا وأنتربولوجيا، وتعزيز البحث والتوثيق، والإسراع إلى الترافع لتصنيف الدقة المراكشية تراثا شفويا إنسانيا من قبل اليونسكو، والسعي إلى الابتكار والابداع دون فقدان جوهر الدقة الذي يضمن لها التميز والتفرد. وخلال مداخلته، في هذا اللقاء العلمي، أوضح عبد الجليل الكريفة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، أن الندوة نظمت بمناسبة إحياء حفل من الدقة المراكشية في إطار مهرجان "جمعية أفوس بابا" التي تعتني بفن الدقة المراكشية؛ لذا ارتأت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في إطار استراتيجيتها المنفتحة على مدينة مراكش، وعلى تراثها وحضارتها أن تشارك هذه الجمعية في مهرجانها، من خلال تنظيم هذه الندوة للتعريف به داخل الوسط الجامعي، ما شكل فرصة للوقوف ودراسة هذا الموروث من حيث شكله وأنغامه ومن حيث أداءه ودلالته التاريخية والحضارية والثقافية، كتراث اللامادي للمغاربة. وفي سياق متصل، ركز الأستاذ الجامعي مولاي البشير الكعبة، خلال مداخلته، بورقة تحت عنوان: "من الحومة إلى الجامعة : تحولات المعنى في تلقي فن الدقة المراكشية"، على نقد الطرح القائل بأصل الدقة المراكشية من الدقة الرودانية، مفندا، بالحجة الموسيقية والإيقاعية والمقارنة الميدانية، الرأي السائد القائل بأن الدقة المراكشية ليست إلا فرعًا من الدقة الرودانية تم تكييفها محليا. مبينا، من خلال التحليل الإيقاعي والمضامين، أن لكل من الدقتين خصوصيات جمالية مستقلة: فالإيقاع الأساسي لكل مدرسة يحمل بنية متمايزة، تنبني على فهم خاص للعلاقة بين النقر والفراغ، بين الجملة الإيقاعية وصداها الداخلي. والأمر نفسه، على مستوى النصوص الزجلية – العيط – المرافقة لمختلف الإنشادات، التي تختلف جذريا من حيث البناء اللغوي، والأسلوب البلاغي، والموضوعات المطروحة، وحتى الرمزية المجتمعية. وأضاف الكعبة، بهذه المحاولة أعمل على إعادة الاعتبار لأصالة الدقة المراكشية ككيان فني قائم الذات، متجذر في السياق المراكشي، ومتفرّد بأساليبه ومضامينه، الأمر الذي يتجلى من خلال رصد تنوع بنية العيط المراكشي وبراعة الناظم الشعبي، والذي يتميز بالثراء التركيبي والمرونة الشعرية التي تطبع نصوص "العيط" المراكشي، مبرزًا كيف أن البنية لم تكن ثابتة أو متكررة، بل عرفت تعددًا في صيغها العروضية: الأولى: عيطات ثنائية الأشطار، والثانية: عيطات ثلاثية ورباعية، والثالثة: عيطات سداسية الأشطار، وهي حالات تُظهر قدرة الناظم الشعبي على تشكيل الإيقاع الشعري وفق غايات فنية ووظيفية محددة؛ وهذا التنوع يعد دليلاً على الخيال الزجلي الخصب والذكاء الجماعي الذي يحتضن فن الدقة في المدينة. نافيا أن يكون لهذا التنوع فوضيا، بل هو تكريس لمرونة منضبطة تعد من خصائص هذا التراث.