الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة 1. الرئيسية 2. آراء أربع سنوات على الورش الملكي.. الحماية الاجتماعية بين الأمل والخذلان عبد الحكيم العياط الأحد 13 أبريل 2025 - 0:28 في أبريل 2021، صادق البرلمان بمجلسيه على القانون الإطار رقم 21.09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، باعتباره لبنة تأسيسية لورش مجتمعي شامل يروم تعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة. هذا القانون شكّل منعطفاً حاسماً في تعاطي الدولة مع مسألة الحماية الاجتماعية، من خلال وضع إطار قانوني شامل ومُلزم، وتحديد جدول زمني يمتد بين 2021 و2025 لتعميم أربعة محاور أساسية: التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، التعويضات العائلية، التقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل.، لقد شكل لحظة تحول كبرى في تاريخ السياسات الاجتماعية بالمغرب. فقد كان مشروع تعميم الحماية الاجتماعية بمثابة وعد دولة لمواطنيها، بالتوجه نحو مغرب أكثر عدلاً وإنصافًا، يُكرّس كرامة المواطن ويوفر له الأمان الاجتماعي والصحي، خصوصًا في أعقاب جائحة كوفيد-19 التي كشفت هشاشة المنظومة الصحية والاجتماعية للبلاد. بعد مرور أربع سنوات، صار من الضروري تقييم ما تحقق وما لم يتحقق، والبحث عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك، بعيدًا عن الخطابات الرسمية المطمئنة. من الناحية التقنية، قطع المشروع خطوات مهمة تمثلت في توسيع قاعدة المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض، وإدماج فئات جديدة كانت مهمشة لعقود، كالفلاحين والحرفيين وسائقي سيارات الأجرة والتجار الصغار. غير أن هذا الإنجاز، رغم أهميته، لا يمكن فصله عن العديد من الإكراهات الواقعية التي تواجه تنفيذه. من بينها استمرار نسبة كبيرة من المواطنين في الاقتصاد غير المهيكل، الذي يقدر بأنه يشغل أكثر من 60% من القوة العاملة. هؤلاء العمال يشتغلون في ظروف هشة، ولا يتوفرون على دخل قار، ما يصعّب عملية تتبعهم ودمجهم في النظام بشكل فعّال. ورغم أن مشروع الحماية الاجتماعية انطلق في مناخ من التوافق والدعم السياسي، إلا أن الواقع أبان عن فجوة عميقة بين الشعارات المرفوعة والتجسيد الفعلي على الأرض. كثير من المواطنين الذين تم تسجيلهم في نظام التأمين الإجباري عن المرض "أمو تضامن" يعانون من ضعف في الولوج إلى الخدمات الصحية، سواء بفعل هشاشة البنيات الصحية، أو لغياب التوعية اللازمة حول كيفية الاستفادة من حقوقهم الجديدة. هذا الواقع يجعل من فكرة "التعميم" أقرب إلى رقم بيروقراطي لا يعكس تحسنًا فعليًا في جودة الحياة. ويبدو أن الانتقال من نظام "راميد" إلى "أمو تضامن" لم يتم بسلاسة كما تم الترويج له. فقد كشفت المعطيات الرسمية أن حوالي 3.9 ملايين من المستفيدين السابقين لم يُجددوا طلباتهم، مما يعني أنهم فقدوا التغطية الصحية، لأسباب إدارية في الغالب، مثل انتهاء صلاحية بطاقات التعريف الوطنية أو تعقيدات التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد. هذا الوضع أدى إلى حرمان شريحة واسعة من الفئات الهشة التي كان يُفترض أن يكون هذا المشروع موجهاً لخدمتها. وتتفاقم هذه الإشكالات في ظل استمرار التفاوتات المجالية، حيث يظل المواطن في المناطق الجبلية والقرى النائية عاجزاً عن الاستفادة من خدمات صحية حقيقية، مقارنة بنظيره في المدن الكبرى. فعدد الأطباء، ونوعية التجهيزات، وحتى قدرة الصناديق على تغطية ملفات العلاج تختلف بشكل صارخ. هذه الفوارق تكرس شعوراً عاماً لدى جزء مهم من السكان بأن الحماية الاجتماعية ما تزال بعيدة عنهم، أو أنها حبر على ورق. أما على مستوى النموذج الاقتصادي الممول لهذا الورش، فإن غياب العدالة الجبائية، واستمرار الامتيازات الممنوحة لفئات ميسورة، يضع علامات استفهام حول استدامة المنظومة. في مقابل ذلك، تعاني الفئات المتوسطة والفقيرة من عبء الرسوم والاقتطاعات دون أن تلمس نتائج ملموسة. كما أن شح مناصب الشغل وغياب رؤية استراتيجية لدمج الاقتصاد غير المهيكل في الدورة الرسمية يعرقل قدرة الدولة على تمويل مشروع يطمح لتغطية صحية شاملة وعادلة. المعضلة الأبرز أن الحماية الاجتماعية، لكي تكون فعالة، تحتاج إلى مساهمة مالية منتظمة من طرف الأفراد والدولة، في حين أن عدداً كبيراً من المغاربة لا يستطيعون اليوم دفع الاشتراكات المطلوبة، خصوصاً في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور القدرة الشرائية. فالفرد الذي يعاني من البطالة أو يشتغل بشكل عرضي وغير منتظم، يصعب أن يكون فاعلاً في نظام يعتمد على الاشتراكات الشهرية. هذه الإشكالية تطرح سؤالاً جوهريًا حول نموذج الحماية الاجتماعية الذي تم اعتماده: هل هو نموذج قائم على التضامن الحقيقي؟ أم نموذج أقرب إلى التأمين الخاص الذي يُقصي الفئات الهشة؟ جانب آخر لا يقل أهمية هو ضعف حكامة المشروع. فعلى الرغم من تعدد المؤسسات والقطاعات الوزارية المعنية، إلا أن التنسيق في ما بينها لا يزال هشًا، وهناك تفاوت كبير في تدبير المشروع على المستوى الجهوي والمحلي. كما أن المعلومات المرتبطة بعدد المستفيدين، وقيمة المساهمات، ومدى الولوج الفعلي إلى الخدمات الصحية، تبقى غير متاحة بالشكل الذي يسمح بتقييم دقيق للأثر الفعلي للإصلاح. في السياق نفسه، لا يمكن إغفال البعد الديمغرافي للمشكلة. فالمغرب مقبل على مرحلة الشيخوخة الديمغرافية، إذ من المتوقع أن يفوق عدد المسنين 10 ملايين نسمة في أفق 2050، ما سيزيد من الضغط على أنظمة التقاعد والتغطية الصحية، ويضع تحديًا كبيرًا أمام ديمومة النظام المالي والاجتماعي. ومع ارتفاع كلفة العلاج وتوسع الأمراض المزمنة، فإن الضغط على البنيات التحتية الصحية سيكون كبيرًا، وسيؤثر مباشرة على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. من جهة أخرى، تطرح مسألة تمويل المشروع تحديات حقيقية. فالكلفة التقديرية لتعميم الحماية الاجتماعية تفوق 51 مليار درهم سنويًا، وهي كلفة مرشحة للارتفاع، في ظل تزايد عدد المستفيدين وارتفاع النفقات الصحية. ومع توجه الحكومة نحو رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، من قبيل السكر والدقيق وغاز البوتان، فإن الأسر المغربية، خصوصًا الفقيرة والمتوسطة، قد تجد نفسها في وضع هش، لا يمكنها من الوفاء بالالتزامات المالية التي يفرضها النظام الجديد. أمام هذا الواقع، يصبح من الضروري التفكير في مراجعة شاملة لمنظومة الحماية الاجتماعية، تدمج العدالة الجبائية، وتُعزز من مساهمة الدولة كمُؤمِّن اجتماعي، وتبتعد عن تحميل الفئات الفقيرة عبء التمويل. كما أن الشفافية في التسيير وتوفير معطيات دقيقة حول مراحل تنفيذ المشروع، وتقييم أثره على الفئات المستفيدة، تُعد من شروط نجاحه. إن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية ليس مجرد إجراء تقني أو إصلاح إداري، بل هو رهان سياسي وأخلاقي يعكس مدى التزام الدولة بتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وتحقيق المواطنة الكاملة لكافة المواطنين. لكن إن لم يتم ربطه بإصلاحات اقتصادية وهيكلية عميقة، فسيظل مجرد شعار جميل، لن يغير كثيراً من واقع فئات واسعة تعاني في صمت. باحث جامعي في العلوم السياسية، متصرف بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية