1. الرئيسية 2. الشرق الأوسط من قاعدة "العُديد" إلى شبكة "الجزيرة" وصولا إلى "قطر غيت".. كيف تدير الدوحة سياساتها الخارجية؟ الصحيفة – حمزة المتيوي الخميس 17 أبريل 2025 - 21:10 لا يتجادل اثنان حول أن قطر، شبه الجزيرة الخليجية الصغيرة، التي لا تتجاوز مساحتها 11.571 كيلومترا مربعا، المُحاطة بالمياه من كل جانب، باستثناء شريط حدودي بري صغير مع المملكة العربية السعودية، والتي لم تُصبح دولةً إلا بعد خروج الانتداب البريطاني سنة 1971، تحولت إلى قوة إقليمية وازنة وسط محيطٍ شرق أوسطي مُعقد، مليء بالصراعات والتوترات. وأصبحت الدوحة، مع مرور السنوات، حاضرة في النقاشات والوساطات المرتبطة بأكثر الملفات تعقيدا في الشرق الأوسط والعالم العربي، وحتى في مناطق أخرى أبعد "تنساها" أو "تتجاهلها" العديد من دول العالم، وهو أمر لم تكتسبه فقط من خلال اقتصادها القوي، القائم على المزاوجة بين عائدات النفط والغاز، واستثمارات الصناديق السيادية الضخمة، بل بأشياء أخرى أكسبتها "اختراقات" استراتيجية. واستطاع أمير البلاد الحالي، الشيخ تميم بن حمد، أن ينطلقَ من إرث والده الشيخ حمد بن خليفة، للاستمرار في بناء نظامٍ حمائي عسكري من قاعدة "العُديد" الأمريكية، التي تُمثل الحماية الفعلية لقطر من الأطماع الخارجية، ومعه طورَ "قُوة ناعمة" تحولت إلى ورقة ضغط وتفاوض فعالة، قائمة على ثنائية الإعلام وتمويلات نشاط "اللوبيينغ". قاعدة العديد.. درع الحماية على بعد 30 كيلومترا من العاصمة القطريةالدوحة، تتمركز قاعدة "العُديد"، أهم القواعد العسكرية الجوية الأمريكية في منطقة الخليج، والأكبر خارج لأراضي الأمريكية، والتي تمثل "سلاح الردع" الفعلي لقطر منذ أن وضعها أمير البلاد السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، رغم إشارة واشنطن سنة 2000، في سياق محاولاته "انتزاع" بعض "الاهتمام" الأمريكي الذي كان مُنصبا على المملكة العربية السعودية. وكان قرار الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، باجتياح الكويت عسكريًا في غشت 1990، الباب الذي فُتح على مصراعيه لدُخول القوات الأمريكية إلى الخليج، ففي سنة 1991، وفي إطار عملية "درع الصحراء" التي حولت مسار حرب الخليج الثانية، وجهت واشنطن 697 ألفا من جنودها إلى المنطقة، منهم نصف مليون تمركزوا في السعودية وحدها. أرادت الدوحة، مع مرور الوقت، نصيبها من هذه "الحظوة"، بحكم أنها تعلم أن قدرات جيشها، مهما ارتفعت، ستظل محدودا مقارنة بجيرانها، لذلك، ستُحوِّل، ابتداء من سنة 1996، مطار "أبي نخلة" إلى قاعدة عسكريةٍ ستُكلفها استثمارا إجماليا بلغ 4 مليارات دولار، وفي سنة 2001 سيبدأ الأمريكيون عمليا بإدارة الموقع، قبل أن تُوقع معهم الدوحة، في دجنبر 2002، لأول مرة، اتفاقا رسميا بخصوص ذلك. هذا الأمر سيُمكن الجيش الأمريكي، بعد ذلك بأشهر، من نقل القيادة المركزية للقوات الجوية في الخليج من قاعدة الأمير سلطان الجوية في السيح السعودية، إلى العُديد القطرية، كان ذلك في أبريل 2003، أي بعد شهر واحد فقط من الغزو الأمريكي للعراق، لتتحول إلى موقع مركزي لتنسيق وإطلاق الضربات الجوية والعمليات الاستطلاعية والدعم اللوجيستي خلال الحرب. وإلى الآن، لا يزال يُنظر إلى قاعدة العُديد على أنها المُنطلق الأول للعديد من العمليات الأمريكية الجوية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الضربات العسكرية في العراقوسوريا وأفغانستان واليمن وليبيا، كما أنها تبقى مرشحة لانطلاق أي ضربة جوية محتملة لإيران، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في أكتوبر 2024، إلى الإعلان عن أن بلاده "لا تقبل" أن تنطلق أي هجمات من قاعدة العُديد ضد أي دولة في المنطقة أو خارجها. ومع ذلك، فإن القاعدة التي تستقبل 13 ألف عنصر من الجيش الأمريكي، والتي تضم أيضا جنودا قطريين وآخرين من دول حليفة لواشنطن، وخصوصا من بريطانيا، لا زالت تمثل أهم عناصر "الحماية العسكرية" لقطر، لذلك فإنها قررت، ابتداء من سنة 2018، أن تستثمر 1,8 ملايير دولار في تطوير منشآتها وبنياتها التحتية، وفي 2024 توصلت إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية لتمديد تواجدها العسكري في "العُديد" ل10 سنوات إضافية. جزيرةُ الضغط الإعلامي يقال إن مساحة قطر في الفضاء أكثر من مساحتها على الأرض، هذا الكلام لا يعني أن الدوحة تسعى لغزو النجوم والكواكب على غرار "ناسا" الأمريكية أو "روسكوسموس" الروسية، بل يحيل على رأس الحربة في "قوتها الناعمة"، شبكة "الجزيرة" التي كانت الأسبق والأكثر قدرة على استغلال طفرة البث الفضائي للقنوات التلفزيونية انطلاقا من التسعينات. ويُحسب لأمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة، أنه تفطن مبكرا لقوة الإعلام "الخاص" وقدرته على التأثير في الدول واختراق المجتمعات العربية، التي لم تعهد خطابا ناقدا يُحقق بعد التوازن مع منطق "البروباغاندا" السائد في لدى القنوات الحكومية، لذلك أطلق قناة "الجزيرة" في نونبر 1996، بعد أقل من عام ونصف على "الانقلاب الأبيض" الذي أطاح به بحُكم والده الأمير خليفة بن حمد، في يونيو 1995. ومع توالي السنوات أصبحت "الجزيرة"، القناة ثم الشبكة، ورقة ضغط مُزعجة في يد الدوحة في مواجهة كل الدول العربية ولخلق "توازن الردع" حتى مع الإعلام الغربي، مُعلنة التفاعل الجريء مع قضايا الشارع العربي وتساؤلاته الحارقة، بشكل لا يستثني سوى قطر نفسها، التي لم تكن القناة تجرؤ على توجيه أي نقد لنظامها الحاكم أو قضاياها السياسية والمجتمعية، لذلك كان من الطبيعي أن تدخل في صدامات كثيرة، من أبرزها إغلاق مكتبها في الجزائر من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فور توليه مهامه سنة 1999، وقصف مكتبها في بغداد من طرف القوات الأمريكية سنة 2003، وحتى سحب اعتماد مدير مكتبها بالمغرب وإحالته على القضاء، مع منع بث نشراتها المغاربة من الرباط في 2008. وإذا كانت الجزيرة قد وجدت، خلال العشرية الأولى من الألفينات، في القضية الفلسطينية وفي تغطياتها للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق والحرب الإسرائيلية على لبنان، وغيرها من الأحداث المفصلية ذات الاهتمام الجماهيري الكبير، نقطة قوة كبيرة، فسيُتاح لها في 2011 مجالٌ أرحب داخل البيوت العربية، بسبب أحداث "الربيع العربي" التي أسقطت رؤساء حكموا لعقود طويلة في تونس ومصر وليبيا واليمن، لكنها أيضا كانت سببا في واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية والسياسية والطائفية في سوريا. فترة "الربيع العربي" ستُبرز أيضا أن "الجزيرة" تمثل الدعم الإعلامي الأثقل وزنا لتيارات "الإسلام السياسي" في المنطقة العربية، عبر خط تحريري سيتم إرساؤه بشكل أوضح سنة 2013 مع وصول الشيخ تميم بن حمد إلى الحُكم إثر تنازل والده له رغم كونه ليس الابن البكر، تنفيذا لما يُعتقد، على نطاق واسع، أنها صفقة سياسية عائلية بين آل ثاني، وبين عائلة المسند، التي يقودها المعارض السابق ناصر المسند، والد الشيخة موزة بنت ناصر، زوجة الأمير السابق ووالدة الأمير الحالي. هذا الدعم المفترض من قطر للإسلاميين، وخصوصا الحضور الدائم لجماعة "الإخوان المسلمين" والتنظيمات المقربة منها عبر قناة الجزيرة، كانت من الأسباب الرئيسية للأمّة الخليجية سنة 2017، التي أسمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ب"المقاطعة"، في حين أسمتها الدوحة ب"الحصار"، خصوصا أن الثلاثي الأخير كان الداعم الأكبر لانقلاب الرئيس الحالي ووزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي على سلفه محمد مرسي، في مصر، بينما استقبلت قطر على أراضيها العديد من المعارضين الإسلاميين. ومرة أخرى، ستحضر "الجزيرة" كسلاح في هذه المعركة، خصوصا بعد التورط المحتمل لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في قتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية الرياض في إسطنبول سنة 2018، وهو ما سيجعل من ملف هذه الشبكة إحدى أهم المسائل التفاوضية على طاولة دول الخليج، ليلاحَظَ، منذ انتهاء الأزمة سنة 2021، أنها قلصت بالفعل من مستوى دعمها للإسلاميين، ومن حدة انتقادها للسعودية والإمارات وحتى لنظام الرئيس السيسي، لدرجة إغلاق قناة "الجزيرة مُباشر – مصر" التي كانت مصدر إزعاج له. قطر غيت.. مرتان! إذا كان في العالم العربي عددٌ محدود من القضايا التي باتت تلفت أنظار "الجزيرة" خلال السنوات القليلة الماضية، فإن قضية "التطبيع" مع إسرائيل ستكون ضمن أهمها، شريطة ألا يكون اسم قطر حاضرا فيها، الأمر هنا ليس مجرد استنتاج، بل هو أمر واقع أثبته "تجاهل" الشبكة لمشاركة الجيش القطري لنظيره الإسرائيلي في مناورات "إينيواخوس 2025" الجوية التي استضافتها اليونان في قاعدة "أندرافيدا"، حيث بعثت إليها الدوحة طياريها على متن طائرات F15، في حين شارك طيارون إسرائيلون بطائرة G-550. قطر، التي تعد أيضا وسيطا بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المفاوضات الهادفة لإنهاء الحرب على غزة، ارتبطت مؤخرا بالدولة العبرية كذلك من خلال قضية "قطر غيت"، وللتدقيق فإن الأمر يتعلق ب"قطر غيت الثانية" على اعتبار أن هناك "قطر غيت أولى" كان مسرحها الاتحاد الأوروبي، والقضيتان يجمعها عنوان واحد وهو "الرشاوى"، وللأمانة، لم يصدر فيهما إلى الآن حكم قضائي نهائي. وتتعلق القضية الأخيرة بتحقيق جهاز الأمن العام الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، منذ يناير 2025، في قضية تلقي مجموعة من المسؤولين العبريين لأموال من قطر للترويج لها داخليا، ومن بين المعنيين اثنان من مستشاري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهما إيلي فيلدشتاين وجوناثان أوريخ، وكلاهما جرى اعتقالهما من طرف الشرطة الإسرائيلية في مارس الماضي بناء على أمر قضائي. وتحولت القضية إلى "فضيحة" هزت الرأي العام في إسرائيل، لدرجة أن السلطات العبرية استدعت رئيس الوزراء نتنياهو لتقديم شهادته فيها دون توجيه اتهامات له، في حين أصدرت الشرطة الإسرائيلية بيانا أكدت فيه أن اعتقال مستشارَيه جاء في إطار تحقيق تُجريه "الوحدة الوطنية للتحقيقات الدولية"، ما يعني أن الأمر يتعلق بشبهات ذات طابع استخباراتي عابر للحدود. وأصدرت محكمة إسرائيلية أمرا بمنع النشر بخصوص هذه القضية، إلا أن صحيفة "هآرتس" المحلية وشبكة BBC البريطانية استبقتا ذلك، وكشفتا أن قائمة التهم تشمل "تلقي رشاوى والتواصل مع عميل أجنبي"، بالإضافة إلى "خيانة الأمانة وغسيل أموال"، مُتحدثة عن تسجيلات صوتية يتحدث فيها رجل أعمال إسرائيلي يدعى جيل بيرغر، عن تحويل أموال إلى أحد مستشاري نتنياهو من "جماعة ضغط قطرية"، وهي الأموال التي سلمها رجل الأعمال الأمريكي جاي فوتليك، العضو في "اللوبي القطري". أما قضية "قطر غيت" الأولى، فقد أُميط اللثام عنها في دجنبر من سنة 2022، حين شنت الشرطة البلجيكية والإيطالية واليونانية حملات مداهمة وتفتيش واعتقال، شملت 9 أشخاص أبرزهم عضو البرلمان الأوروبي، اليونانية إيفا كايلي، التي كانت أيضا تحمل صفة نائبة رئيسة البرلمان، والعضو السابق في المؤسسة ذاتها، الإيطالي أنطونيو بانزيري، ثم النائبان الأوروبيان، الإيطالي أندريا كوتسولينو والبلجيكي مارك تارابيلا، اللذان اعتقلا بعد رفع الحصانة عنهم. وتمحورت القضية حول تلقي المسؤولين الأوروبيين لرشاوى على شكل "هدايا" من قطر، من بينها مليون ونصف المليون يورو نقدا حجزتها الشرطة البلجيكية، وأصول مالية وعقارات تم تجميدها من طرف القضاء، حيث واجه المعنيون تهما تتعلق بالفساد المالي وغسيل الأموال وتشكيل منظمة إجرامية، ووراء ذلك كان يقف "اللوبي القطري" الذي اتُهم بالتورط في الفضيحة بغرض التأثير على قرارات البرلمان الأوروبي والدفاع عن مصالح الدوحة بشكل غير شرعي.