أخنوش يمثل الملك محمد السادس في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنتخب مكتبها التنفيذي    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    في ظل "الإبادة المستمرة".. إسرائيل تطلق عملية "عربات جدعون" البرية في غزة    حموشي يستقبل أرامل وآباء موظفي شرطة ممن وافتهم المنية خلال أداء الواجب المهني (+صور)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    في عرض افتتاحي حالم إحياء جمال الروح في لحظة واحدة    خلال مراسم تنصيبه.. البابا الجديد يدعو لإنهاء "جوع غزة'"    بركة: الحكومة لم تحقق وعد "مليون منصب شغل" في الآجال المحددة    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    كلمة عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال انعقاد دورته العادية الثانية    معين الشعباني:نهضة بركان قادر على خلط أوراق "سيمبا" في مباراة الإياب    "الزنزانة 10" تحذر من تجاهل المطالب    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    في سابقة خطيرة..مطالب بطرد المهاجرين القانونيين من أوروبا    معبر الكركارات.. إحباط محاولة تهريب 3 أطنان من الشيرا داخل شحنة رخام واعتقال شخصين    القنصلية المغربية تقرّب خدماتها من الجالية في وسط إسبانيا    مسؤول أمني: المديرية العامة للأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة    القمة العربية ببغداد تدعم ترشيح المملكة المغربية لمقعد غير دائم في مجلس الأمن عن الفترة 2028-2029    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    ذكريات 1997 حاضرة في نهائي "الكان" بين المغرب وجنوب إفريقا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    تيك توك يطلق خاصية جديدة للتأمل والاسترخاء تستهدف المراهقين    بينهم آلاف المغاربة.. قاصرون مهاجرون في قلب تقرير حقوقي إسباني    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    كأس الاتحاد الإفريقي: نهضة بركان يدنو من منصة التتويج    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    أوكرانيا تعلن إسقاط 88 مسيّرة    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    كرة القدم النسوية.. الجيش الملكي يتوج بكأس العرش لموسم 2023-2024 بعد فوزه على الوداد    لا دعوة ولا اعتراف .. الاتحاد الأوروبي يصفع البوليساريو    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    أكثر من 100 مهاجر يتسللون إلى سبتة خلال أسبوعين    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    المهرجان الدولي "ماطا" للفروسية يعود في دورة استثنائية احتفاءً بربع قرن من حكم الملك محمد السادس    بنهاشم يدرب فريق الوداد لموسمين    نهضة بركان يهزم سيمبا بثنائية في ذهاب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    "الأشبال" يستعدون ل"بافانا بافانا"    بعد رفع أول حلقة من سقف ملعب طنجة.. الوالي التازي يُكرم 1200 عامل بغداء جماعي    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشخصية التاريخية: رمزية نظام
نشر في لكم يوم 30 - 04 - 2025

أتعجب من بعض «المفكرين» العرب والمغاربة الذين اختاروا اليوتيوب للترويج ل»أفكارهم» كيف لم يبق لهم ما يفكرون فيه غير الأنبياء وبعض الشخصيات التاريخية، وكأن الواقع الذي نعيش فيه لا غبار عليه يتطلب منهم نفضه عنه. ولذلك اختاروا إتحافنا بما لم يدرس لنا في المدارس، وكأن نموذجهم في ذلك ماركس فأرادوا جعل التاريخ يهرول على رجليه، بعد أن ظل قرونا واقفا على رأسه. لكن يبدو أن حديثهم عن تلك الشخصيات الدينية والتاريخية يأتي مشفوعا بالحقد والكراهية لأنهم لا يدركون أن تلك الشخصية علامة على نظام له شروط وضوابط.
إن أي شخصية تاريخية، في ذاتها، وفي كل الثقافات لها ما لها، وعليها وما عليها، وكل امرئ بما كسب رهين، أي أن لها مناقبها ومثالبها. وأي حديث جديد عنها، بعد مرور عدة قرون على رحيلها لا يكون إلا باكتشاف معلومات جديدة عنها لم تكن معروفة أو متداولة. أما الرجوع إلى بعض المصادر التاريخية، على اختلاف اتجاهاتها، وانتخاب بعض أفعالها لمحاكمتها والإجهاز عليها بما يرضي أهواء «المفكر»، ويتماشى مع نعراته، فليس حكما على الشخصية، ولكنه تعبير عن حقد دفين ليس عن تلك الشخصية فقط، ولكن عن واقع لا يجد فيه مطامحه ويرضي غروره، ولا يهمك ما يقال عن العلم والعقل، فباسمهما تنشر كل التخاريف التي لا توجد إلا في أذهان معتنقيها.
ماذا يمكن أن يقدم لنا من يدعي أن الأنبياء ليسوا سوى ملوك سومر؟ أو من يدعي أن الرسول (ص) ألف القرآن الكريم في ضوء من تتلمذ على أيديهم؟ فلماذا لم يفلح أولئك الملوك وغيرهم في صناعة اليهودية أو النصرانية؟ ولماذا لم ينجح من أخذ عنهم الرسول في أن يؤسسوا الدولة الإسلامية؟ وماذا يمكن أن نقول لمن اكتشف أن آدم قصة دينية وليست علما؟ لا أحد ينكر أن آدم قصة دينية. فمن يؤكد لنا أن العلم قدم لنا تفسيرا عن آدم. العلم لا يبحث عن آدم ولا في الملائكة. وما يقوله اليوم عن نشأة الكون سيكذبه غدا. البحث العلمي لا يمكنه أن يتحول إلى عقيدة تنطق بحقيقة مطلقة. والواقع العلمي الحالي يكشف لنا بجلاء أن معرفته بالكون وأصله وتطورات مجراته لا مجال لحصرها وإيقافها.
سأل طفل فرنسي أمه عن أصل الإنسان؟ فقالت له: آدم. فقال لها: إن أبي يقول إن أصله قرد. فردت عليه: كل واحد يا بني يعود إلى أصله. حين سرد علينا القرآن الكريم قصة آدم تحدث عن الإنسان في كل زمان ومكان، وقدم لنا تجربة بشرية ما تزال تعيش كما ظلت تعيش منذ ملايين السنين. وما يعرفه واقعنا الحالي من صراعات وحروب خير دليل على ذلك. كان الرهان على العلم مع الحضارة الغربية كما نظَّر لذلك كل فلاسفة الأنوار ومن جاء بعدهم أنه سيخلق الرفاهية للبشرية، والسعادة. وكانوا في ذلك ينتقدون تاريخ الكنيسة المظلم، فإذا بالتاريخ يبين لنا ألا فرق بين العصور المظلمة وعصور الأنوار. بل إن ما جاء مع العلم والتكنولوجيا لم يوظفه الإنسان إلا لإبادة الشعوب ونهب ثرواتها، وما تعرفه غزة حاليا تأكيد أن قصة آدم وذريته التي تحدث عنها القرآن الكريم، هي قصة دينية وواقعية وحقيقية أبدا. وألا فرق بين فرعون ونتنياهو، وقارون وترامب، وشعار كل منهما: مت كي أعيشَ، وافتقر لأغتنيَ. ماذا يقدم لنا العلم عن الإنسان؟ لا أنكر فضائل العلوم في التاريخ، ولا أقصد الهياكل التي يمكن أن يحصل على الآلاف منها، مستقبلا، في كل مناطق الكرة الأرضية. أقصد ماذا يقول لنا عن الإنسان؟ إننا إلى اليوم ما يزال العلم يستكشف أسرار الفراعنة، والمجرات الجديدة البعيدة، وقس على ذلك. بل إن العلوم العصبية الآن تتهجى الدماغ البشري، وغير قادرة على استكناه كل خباياه وأسراره. ما أسهل النطق بكلمة العلم لمن يمارس الإيديولوجيا وعيا زائفا.
أثار مسلسل «معاوية» موجة من الانتقادات، وكان ل»مفكري» اليوتيوب نصيب من التفكير الذي يصب في محور المُركَّب الجاهز لديهم، والذي يملِأون المحور الاستبدالي بما يخدم مصالحهم. فتراهم يصولون ويجولون في الحديث عن التاريخ الإسلامي بما يرمون به خصومهم التكفيريين، فتجدهم يُكفِّرون بطريقتهم الخاصة، أقصد العقلانية والعلمية، ما جرى في التاريخ. تابعت الكثير مما قيل عن معاوية من لدن المتحدثين من كل الطوائف والألوان، فإذا بهم جميعا يرددون ما قيل قديما، وما كتبه المعاصرون ضد الأمويين. وكنت أتعجب من هذا التهافت على إعادة ما قيل بدون أي إضافة أو تحليل جديد. ورحت أطرح هذا السؤال: ماذا يمكننا أن نجني من محاكمة الشخصيات التاريخية؟ هل كراهية معاوية وسب عائشة يحقق اليوم مكاسب سياسية؟ أم أنه يدفع في اتجاه وعي جديد بالتاريخ؟
أتذكر في هذا السياق ما علمتنا إياه أستاذة الفرنسية لمادة التاريخ في أواسط السبعينيات. كانت ترانا ننحاز إلى لينين ضد تروتكسي، أو ضد ماو تسي تونغ أثناء مناقشاتنا. وكانت تحس من خلال مناقشاتنا انتماء كل واحد منا بحسب انحيازه لهذه الشخصية أو تلك. فقالت لنا مرة: أنا أحيانا لا أتذكر تاريخ الثورة الفرنسية. إن ما يهمنا في التاريخ ليس أن ننتصر لهذه الشخصية أو تلك. الأهم هو أن نبحث عما وقع؟ ولماذا وقع؟ ولماذا لم يقع ما كان ممكنا أن يقع؟ هذا هو السؤال التاريخي الحقيقي، وما خلاه معلومات هامشية لا قيمة لها حين لا نوظفها التوظيف الملائم للجواب عن تلك الأسئلة. كنت أؤمن بهذه الفكرة في دراستي للأدب. فالمهم عندي ليس الشاعر الحطيئة البخيل الذي هجا أمه ونفسه، ولكن قول الشاعر. وكان الحطيئة عندي شاعرا حقيقيا وإن اعتقله عمر بن الخطاب.
لا أدخل في التفاصيل. ولكني أتساءل لماذا نجح معاوية فيما فشل فيه علي؟ لماذا لم ينجح علي في جعل أنصاره إلى جانبه، وأغلب خطبه الموجهة إليهم دالة على عدم رضاه عنهم، في الوقت الذي لا نجد لمعاوية خطبا تدين أتباعه؟ لماذا نجح الأمويون في إقامة دولة ولم ينجح العلويون؟ وبعد بطش العباسيين بالأمويين وعملهم على إبادتهم قاموا بالعمل عينه مع العلويين. فرّ المولى إدريس إلى المغرب وبنى دولة، كما نجح عبد الرحمن الداخل في الوصول إلى الأندلس، وبنى إمارة. فلماذا نجح الأموي في البقاء في الحكم ثلاثة وثلاثين عاما، وترك دولة مزدهرة عمرت ثلاثة قرون، في الوقت الذي لم يفلح العلوي في الحفاظ على الدولة الإدريسية مدة طويلة؟ لماذا اختار عليّ الكوفة، ومعاويةُ دمشق؟ ولماذا اتخذ صقر قريش قرطبة لتكون دمشقه في الغربة؟ لماذا نجح الأمويون في جعل الأندلس منافسة لبغداد، وأنشأوا حضارة متميزة ما تزال آثارها العظيمة قائمة إلى الآن؟ ويشهد بذلك عدد أدبائها ومفكريها وآثارها المكتوبة بالقياس إلى المغرب. وفي مقارنة ابن خلدون بين التعليم في الأندلس والمغرب ما يقدم الأدلة الدامغة على الفرق الجوهري بين العُدوتين.
هذا النوع من الأسئلة هو الذي يمكننا من فهم التاريخ بشكل موضوعي، أما الذاتيات في الحكم والمحاكمة فلن تغير ما وقع، ولن تنجح في الحلم بما كانت تريده أن يقع ولم يقع، لا في الحاضر ولا في المستقبل.
نعم قصة آدم دينية، وليست علما. والعلم عاجز عن تقديم قصة لآدم. والتاريخ ليس سوى قصة لمن يحسن قراءتها. الشخصية التاريخية ليست فردا، ولكنها رمز لنسق أو نظام. فلماذا ينجح نظام فيما يفشل غيره؟ هذا هو السؤال. وما خلاه أجوبة متشنجة لا تغير ما وقع، ولن تلفح أبدا في فهم ما سيقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.