الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة 1. الرئيسية 2. آراء ملاحظات بخصوص المهمة الاستطلاعية حول دعم المواشي عبد الغني السرار الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 14:52 بداية لا بد من الإشارة إلى أنه سبق لفرق المعارضة النيابية: (الحركة الشعبية؛ الفريق الاتحادي؛ التقدم والاشتراكية والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية)، أن طالبت بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الدعم الحكومي لاستيراد المواشي ابتداء من عام 2022. وهي المبادرة التي تدخل في إطار آليات الرقابة التي خَصَّ بها دستور 2011 المؤسسة التشريعية لممارسة نوع من التأثير والضغط على الجهاز التنفيذي ومحاسبته عن أعماله. ومن أشهر آليات الرقابة البرلمانية المنصوص عليها في دستور 2011 نجد لجان تقصي الحقائق الفصل 67؛ الأسئلة الأسبوعية والشهرية الفصل 100؛ ملتمس المساءلة الفصل 106، تقييم السياسات العمومية الفصل 101؛ منح الثقة الفصل 103؛ ثم ملتمس الرقابة الفصل 105...، أما المهام الاستطلاعية أو الدور الاستطلاعي للجان البرلمانية الذي أصبح ممارسة يتم اللجوء إليها بكثرة من قبل الفرق واللجان النيابية فهو غير منصوص عليه دستوريا؟ أولا: السند التشريعي للدور الاستطلاعي للجان البرلمانية الدائمة؟ الملاحظ أن دستور 2011 اكتفى فقط بالإشارة إلى الدور التشريعي للجان البرلمانية، بينما التزم الصمت إزاء دورها الاستطلاعي، غير أن الأنظمة الداخلية لمجلس النواب هي من استَحدَثَت هذه الآلية أو التقنية التي تفتقد مبدئيا للمدلول الدستوري للرقابة البرلمانية؟ ذلك لأن المهام الاستطلاعية لها وظيفة إخبارية فقط وتختلف عن الآليات المشابهة كلجان تقصي الحقائق المنصوص عليها في الفصل 67 من الدستور، غير أنه وإن كانت لها وظيفة إخبارية، إلا أنها تهدف إلى تحقيق غايات سياسية كتحسين الحكامة المؤسساتية؛ ترسيخ الشفافية داخل الفضاء العمومي عبر طرح كل القضايا التي تحوم حولها شبهة الفساد على طاولة النقاش السياسي؛ العمومي والمؤسساتي؛ أو من خلال سعيها للإحاطة بالمواضيع والقضايا السياسية التي تهم المجتمع أو أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية التي تستأثر بتتبع واهتمام شرائح موسعة من فئات المجتمع. إن حق اللجان الدائمة في القيام بمهام استطلاعية نصت عليه العديد من الأنظمة الداخلية لمجلس النواب، نذكر على سبيل المثال المادة 35 من النظام الداخلي للعام 2004. وبعد دستور 2011 تم إعادة التنصيص عليها داخل دفتي النظام الداخلي لمجلس النواب المصادق عليه بتاريخ 12 يناير 2012، كما أقره وأجازه المجلس الدستوري بموجب قراره رقم 12/829 الصادر بتاريخ 4 فبراير 2012، والذي أكد في منطوقه أن ما تضمنته المادة 40 من مقتضيات تتعلق بالمهام الاستطلاعية المؤقتة التي تُكَلِّفُ بها هذه اللجان بعض أعضائها ليس فيه ما يخالف الدستور، لكن شريطة أن تقتصر مهامهم على القيام بأعمال استطلاعية محضة وأن لا تتحول، واقعيا، إلى مهام التقصي التي خصها دستور 2011 بشروط مسطرية وجوهرية وأسندها حصريا للجان تقصي الحقائق. وينص النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي أقرته المحكمة الدستورية عبر قرارها رقم 243/24 الصادر بتاريخ 7 غشت 2024، في الفرع الثالث منه على الدور الاستطلاعي للجان البرلمانية، ذلك أنه بموجب المادة 142 يمكن للجنة المعنية أن تكلف بمبادرة من رئيسها أو بطلب منه أو بطلب من رئيس فريق أو مجموعة أو ثلث أعضاء اللجنة عضوين أو أكثر بمهمة استطلاعية حول موضوع يهم المجتمع، شريطة أن يكون موضوع المهمة الاستطلاعية مندرجا ضمن القطاعات والمجالات أو المؤسسات التي تدخل ضمن اختصاصاتها طبقا للمادة 142 من النظام الداخلي، وذلك باتفاق مع مكتب المجلس. وبخصوص هيكلة اللجنة المكلفة بالمهمة الاستطلاعية نجد بأن مكتب اللجنة المعنية له كامل الصلاحيات في أن يحدد عدد النواب الذين يكلفون بذلك على ألا يتجاوز عددهم 13 نائبا ولا يقل عن نائبين، يراعى فيهم التخصص والخبرة ويعين أعضاؤها من بينهم رئيسا ومقررا أحدهم من المعارضة على أساس التمثيل النسبي طبقا لروح المادة 143، ويجب على أعضاء المهمة الاستطلاعية أن يحيلوا تقريرهم على اللجنة المعنية ومكتب المجلس داخل أجل 60 يوما من تاريخ أول إجراء. فمن خلال المقتضيات أعلاه يتضح جليا بأن المعارضة مكون أساسي في تركيبة وهيكلة المهمة الاستطلاعية، وذلك استنادا لمقتضيات المادة 143 من النظام الداخلي لمجلس النواب وعملا بقاعدة التمثيل النسبي مع إعطاء الأسبقية في اختيار الرئيس والمقرر لطالب المهمة ومراعاة مبدأ التناوب، بيد أن طلب المهمة الاستطلاعية الذي وجهته، بتاريخ 09 أبريل 2025، فرق الأغلبية (التجمع الوطني للأحرار؛ الأصالة والمعاصرة؛ الاستقلالي للوحدة والتعادلية إلى جانب الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، الذي يقوم حاليا بوظيفة المساندة النقدية للحكومة)، إلى رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، كانت الغاية منه أساسا هي تطويق ومحاصرة مبادرة تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي أطلقتها، بتاريخ 06 أبريل 2025، فرق المعارضة ممثلة في الحركة الشعبية؛ التقدم والاشتراكية إضافة إلى مجموعة العدالة والتنمية فضلا عن الفريق الاشتراكي، بشأن موضوع الدعم المخصص لاستيراد المواشي، بالرغم من أنها لم تنجح في مسعاها هذا وذلك بسبب النصاب القانوني المحدد في الثلث طبقا لما ينص عليه الفصل 67 من الدستور، والذي يتطلب توقيع 132 نائبا لتشكيل لجنة تقصي الحقائق وهو النصاب الذي لم تستطع المعارضة البرلمانية مجتمعة بلوغه. ثانيا: ما مصير المهمة الاستطلاعية حول دعم استيراد المواشي؟ إن ما يروج من معطيات بخصوص انسحاب المعارضة البرلمانية من اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، الذي عقد يوم 19 ماي 2025، والذي خصص للحسم النهائي في تشكيل المهمة الاستطلاعية التي دعت إليها الأغلبية حول الدعم المخصص لاستيراد المواشي، من شأنه (الانسحاب) أن يُجهض مبادرة الأغلبية وهي في بدايتها التأسيسية، ذلك أن غياب المعارضة من تشكيلتها يعتبر مانعا قانونيا وتنظيميا يجعل منها غير مؤهلة لمباشرة أشغالها، بل يجعلها غير فعالة وغير مجدية على غرار ما حصل في مناسبات سابقة مع مبادرة المعارضة الرامية لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق أو طرح ملتمس الرقابة وذلك بسبب تعذر حصولهما على النصاب القانوني، خاصة في حالة تشبث المعارضة بموقفها الرافض للمشاركة في عضوية المهمة الاستطلاعية وهو يشكل حاجزا يخالف مقتضيات المادة 143 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تشترط ضرورة التمثيل النسبي في تشكيلة أعضائها خاصة الرئيس والمقرر، حيث يجب أن يكون أحدهما من المعارضة البرلمانية بناء على مبدأ التناوب، مما يقتضي أن يكون المقرر من المعارضة إذا كان الرئيس من الأغلبية؟ هذا، ومن غير المستبعد أن يستمر الخلاف بين الأغلبية والمعارضة داخل لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، سيما وأن الأغلبية نزلت بثقلها السياسي أو إن صح التعبير ثقلها العددي، عبر تعبئة نواب الأغلبية المنتمين للجنة القطاعات الإنتاجية لحضور أشغال اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية الذي تم عقده يوم الإثنين 19 ماي 2025 مباشرة بعد الجلسة العامة، والذي خصص للتداول في اختيار المهمة الاستطلاعية ذات الأولوية والحسم فيها عبر التصويت، وذلك في أفق عرضها على مكتب مجلس النواب قصد الموافقة على تشكيلها، وهو الأمر الذي رفضته وترفضه المعارضة البرلمانية التي لا ولن تقبل لجوء الأغلبية لفرض سياسة الأمر الواقع انطلاقا من موقعها، أخذا بعين الاعتبار أن طلب الأغلبية جاء بعد طلب بعض فرق المعارضة ونقصد أساسا الطلب الذي تقدم به الفريق الحركي، يوم 27 فبراير2025، إلى رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب للقيام بمهمتين استطلاعيتين الأولى: للوقوف على الاختلالات المرتبطة بتسويق اللحوم الحمراء. والثانية: بشأن مراقبة أسواق السمك استنادا لمقتضيات المادة 142 من النظام الداخلي للمجلس. هذا، ومن المحتمل أن يظل سوء الفهم والاختلاف في التقدير السياسي قائما بين الأغلبية والمعارضة بخصوص المعايير المعتمدة للحسم في تشكيل المهمة الاستطلاعية وبخصوص ما إذا كان معيار أسبقية الإحالة على اللجنة المعنية يعتبر مبررا من عدمه؟، خاصة إذا علمنا أن النظام الداخلي لمجلس النواب واللائحة الداخلية لتنظيم أشغال المهام الاستطلاعية المؤقتة وسير أعمالها الصادر أثناء الولاية التشريعية العاشرة (2016-2021)، لم يتضمنا أية معايير يمكن الرجوع إليها خاصة في حالة الخلاف بين مكوني البرلمان؟ أو في حالة ما تقدم كلا المكونين (الأغلبية والمعارضة) بمهمة استطلاعية في نفس الموضوع؟ وإن كان بإمكان الأغلبية اللجوء إلى اعتماد التصويت لتمرير مبادرتها. وهكذا، سيتم إجهاض مبادرة المعارضة البرلمانية، ويزداد الأمر تعقيدا إذا ما علمنا بأن المادة 142 من النظام الداخلي لمجلس النواب تشترط في فقرتها الأخيرة عدم برمجة مهمتين استطلاعيتين في نفس الموضوع خلال نفس الولاية التشريعية، وهذا المنع القانوني الذي نصت عليه المادة 142 الآنف ذكرها، سيفوت على المعارضة البرلمانية فرصة التوظيف والاستغلال السياسيين للمهمة الاستطلاعية، باعتبارها آلية تُقِيمُ وتُؤَسِّس عليها شرعية ومشروعية خطابها المُعارض للأغلبية، خاصة وأن موضوع المهمة الاستطلاعية يحظى باهتمام فئة عريضة وتعتبره المعارضة تفويت لفرصة سياسية لإحراج الأغلبية سيما وأن المغرب على مشارف تنظيم استحقاقات 2026؟ ثالثا: في تقدير المُسَوِّغات التي تُؤَسِّس عليها المعارضة موقف الانسحاب؟ يمكن القول، إن انسحاب المعارضة البرلمانية من اجتماع 19 ماي 2025 بمبرر أنها كانت سباقة من حيث الزمن في طرح موضوع المهمة الاستطلاعية ليس له ما يبرره أو يُسَوِّغُهُ خاصة في ظل اختلاف المبررات وتضارب وجهات النظر التي تؤسس وتُقِيم عليها فرق المعارضة موقفها القاضي بالانسحاب. فمثلا نجد الفريق الحركي يبرر موقف الانسحاب بضم المهمة الاستطلاعية التي قدمتها الأغلبية إلى المهمة التي سبق وقدمها هو، يوم 27 فبراير2025، حول نفس الموضوع مع المطالبة برئاستها، في حين تُسَوِّغ المجموعة النيابية للعدالة والتنمية قرار انسحابها برفض أي تغيير على مستوى ترتيب طلبات المهام الاستطلاعية، بما فيها الطلب الذي تقدمت به حول منتجات الصيد البحري، يوم 4 أبريل 2025، بينما يتمسك الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بطلبه المقدم، بتاريخ 21 نونبر 2024، حول تنمية إنتاج الحبوب. وبالرغم من تعدد المسوغات التي دفعت بها فرق المعارضة في سبيل تبرير انسحابها، إلا أنها تفتقد للمرجعية القانونية التي يمكن أن تبرر بها سلوكها هذا، خاصة في ظل خُلُوّ النظام الداخلي لمجلس النواب من أي مقتضى يؤطر مثل هكذا حالات. في سياق متصل، وبعيدا عن منطق التدافع السياسي الذي يؤطر في غالب الأحيان علاقة المعارضة بالأغلبية، وحتى لو افترضنا أن الأغلبية الحكومية تسعى صادقة لجمع المعلومات والمعطيات بشأن الموضوع الذي تم اختياره للاستطلاع، دون أن يكون غرضها التحكم في المهمة الاستطلاعية ومحاولة توجيه عملها بالشكل الذي لا يضع الحكومة في دائرة الاتهام الذي يؤسس حق المعارضة في المساءلة السياسية للحكومة؟ وحتى لو سلمنا نظريا أن المعارضة تريد التأسيس لممارسات فضلى قصد تجويد العمل التشريعي بالشكل الذي يُسهِم في تقوية الأداء النيابي انسجاما مع الأدوار الدستورية لممثلي الأمة الرامية لترسيخ الشفافية في تدبير الشأن العام بما ينعكس ايجابيا على المصلحة الوطنية بعيدا عن الأهداف الخفية قصد الاستغلال السياسي والانتخابي للمهمة في مواجهة الأغلبية، فإن مقتضيات المادة 143 من النظام الداخلي تضمن لكل مكون من مكوني البرلمان الحق في التواجد داخل هيكلة اللجنة المكلفة بالمهمة، حينما اشترطت مراعاة التمثيل النسبي في هيكلة المهمة الاستطلاعية خاصة الرئيس والمقرر الذي يجب أن يكون أحدهم من المعارضة النيابية. على سبيل الختم: بالرغم من كون مقتضيات المادة 187 من النظام الداخلي لمجلس النواب، تنص على اعتماد تاريخ إحالة مقترحات القوانين كقاعدة لبرمجة تقديمها ومناقشتها والتصويت عليها، وبالرغم من أنها (المادة 187) نصت على أنه في حالة إيداع مشاريع ومقترحات في نفس الموضوع، فإن الأسبقية تعطى للنص الذي أُودِعَ أولا، غير أن هذه المقتضيات لا يمكن تأويلها أو تمطيطها ولا التمسك بها لتنطبق على المهام الاستطلاعية التي خَصَّها النظام الداخلي بإجراءات مسطرية مُغايرة لإجراءات تقديم ومناقشة مقترحات ومشاريع القوانين أو حتى سحبها، ذلك أنه كلما تبين لمكتب مجلس النواب أن مقترح لا يندرج ضمن مجال القانون المحدد بموجب فصول الدستور يقوم بإشعار صاحبه الذي يبقى من حقه التشبث به أو سحبه أو ضبط صياغته وإعادته طبقا للمادة 179 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وهي نفس الصلاحية التي تملكها الحكومة التي يبقى من حقها أن تسحب أي مشروع قانون وذلك قبل تمام الموافقة عليه طبقا لمقتضيات المادة 184. فإذا كانت مقتضيات الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب واضحة تجاه أي خلاف بين الحكومة والبرلمان قد يثار أثناء حق الأسبقية في برمجة النصوص التشريعية، فإنها ليست كذلك بخصوص الخلافات التي قد تتم اثارها بمناسبة تشكيل المهام الاستطلاعية؟ ذلك أن النظام الداخلي لمجلس النواب جاء خاليا من أية مقتضيات يتم الإحتكام إليها حينما يتعلق الأمر بالمهام الاستطلاعية التي أفرد لها مقتضيات موزعة على ستة مواد فقط من المادة 142 إلى المادة 148، وهذه الملاحظة تسري حتى على اللائحة الداخلية لتنظيم أشغال المهام الاستطلاعية المؤقتة وسير أعمالها الصادرة أثناء الولاية التشريعية العاشرة (2016-2021) التي بدورها لم تتضمن أية مقتضيات يتم اللجوء إليها بمناسبة الخلافات بين الأغلبية والمعارضة أثناء ممارسة حقهما بتكليف عضوين أو أكثر بمهام استطلاعية؟ - أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة، ورئيس فريق الدراسات الدستورية وتحليل السياسات والأزمات.