عبدالرزاق الحجوي الجمعة 4 يوليوز 2025 - 1:07 عطب الاقتصاد بين المرجعية وفقه الحالة تصل شكايات المقاولين الكبار في الفلاحة والأشغال حول ندرة اليد العاملة إلى دوائر صناع القرار مباشرة، حيث عرض إحدى الشكايات السيد عزيز أخنوش تحت قبة البرلمان، في إيحاء بأن الأمور هي أفضل مما يظهر، لأنه عرض من أعراض التخمة، حين تحدث عن عجز أحد مقاولي البناء الكبار عن استحضار عدد معين من المياومين من منطقة معينة تشتهر بهذا الصنف من اليد العاملة. هذا العرَض، لنقل أنه مرضي قبل الفحص الآتي لاحقا، فعند استفحال صعوبة إيجاد المشغل لليد العاملة، يخشى صناع القرار عند كبر هذه الظاهرة إحدى محظورات مرجعية بناء الصرح الاقتصادي، التي تحذر من كون فقدان وفرة اليد العاملة المقرونة برخصها، سيقلص من إقبال المستثمرين الجدد على الاستثمار في البلد. خاصة عندما تكون عين صانع القرار مركزة على خلل الميزان التجاري الذي يلتهم جزءا من ثمرات الجهود التنموية المبذولة، فبدون تحويلات الجالية والاقتراض المزمن لاتضح بأن الأداء الخالص للاقتصاد الوطني ليس وراء كل ما نعيشه اليوم. حيث يفرض السؤال نفسه عن تناقضٍ ما يميز هذا المشهد، حين يشتكي هذا من ندرة اليد العاملة، في نفس الوقت الذي ترى فيه نسبة هامة من الشباب العانس تتوزع في هدر العمر بعد الهدر الدراسي القاصم، بين المقاهي التي تتكاثف كالفطريات، والسجون المكتظة، والإقبال على المخدرات الذي يرتفع ولا ينخفض، فنقاط البيع حتى في المدن الفقيرة تعرف ازدحاما وحركة نملية لا تنضب. أما المراهقين فإن جلسة بينهم على مدرجات الملاعب أو في سهرة مهرجان ستحدد لك عمق أزمة ثقتهم في المستقبل، بالنسبة لأبناء أحزمة البؤس وأبناء الطبقة الاجتماعية، فرفع عقوبة النشل بكلفة مادية تضاهي ما نقص الأسرة لتأمين تنشئة سليمة وتمدرس جيد لهذا النشال، تنبه إلى عمق أزمة جيل تطبعت فئة منه بطباع تعيق اندماجها في الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية. إن شباب النقط السوداء المضغوطة داخل المدن، حيث ثبت في دراسة علمية أجنبية علاقة الاكتظاظ بتشكل الشخصية العدوانية، سواء كان في المدرسة أو الحي أو داخل البيت، حيث يصعب أن ينجو الجميع من تشرب الثقافة التي تطبع مثل هذه البيئة، بحسب مناعة كل خلية وخُلقها وحسب درجة فاقتها ومدى ضيق مسكنها؛ فهناك منظومة دفع متناغمة يدعمها الفراغ القاتل طوال فترة الطفولة والمراهقة دون وجود أي متنفسات، حيث يرزح قائد الأسرة تحت وطأة الضعف المادي وتدني المعرفة التربوية والذي غالبا ما يوظف الإهانة والتسلط في التربية، فهذه العدوانية القوية وهذه السلبية التي تؤطرها أغاني الراب والتي تعكر صفو الفضاء العام حيث تتحول مجرد مقابلة في كرة القدم إلى محنة وامتحان، والأدهى أنها طباع تستقر حتى بعد تحمل الدولة لتوفير سكن لائق، لأن مصيدة الفشل مع الأمية هي أكبر من مصيدة السكن. فرغم وميض صور المغرب الجديد يظل الأمل مرتفعا في الهجرة، لأن البطالة الصريحة أو المقنعة كحراس الأمن ومياومي الفلاحة، بالاشتغال المتقطع أو الهزيل الأجر، بل إن أجرة ثلاثة آلاف درهم لدى شركات الكابلات والنسيج، بالكاد تكفي لسد الرمق بعد أداء واجبات المأوى والنقل. فعند فحص شكاية أرباب البناء والفلاحة يتغافل السامع والمشتكي معا، بأن البنية الجسمية لغالبية هذا الجيل هي غير قابلة لتحمل مهنة شاقة كالبناء، علما بأن وزن كيس الاسمنت في أوربا هو بين 25 و35 كيلو، لكن وزنه عندنا هو 50 كيلو! زيادة على أن المقاول في أوربا يوفر كل أجهزة السلامة وكل الآلات المساعدة، ويبلط الحائط برشاش آلي، مما لا يزال توفيره جد محدود في المغرب. أما في قطاع الفلاحة فإلى متى نتجاهل نجاحها في أوربا وكندا وأمريكا وتطورها بفضل المكننة الشاملة، باستثناء بعض الفواكه التي لا يزال قطفها يدويا مما يفجر الطلب على اليد العاملة في مواسم معينة، فحتى تربية المواشي صارت بفضل الرقمنة آلية كليا، حيث يستطيع المربي المتقدم بفضل انخفاض التكلفة توفير اللحوم بأسعار أقل من التي يوفرها بها المربي المغربي رغم تحمل الأول للضرائب. فإلى متى نستمر في حماية هذا المنتِج العاجز عن التطور وعن مقارعة منتوجات السوق الدولية، ليُمتع بالحماية على حساب القدرة الشرائية للمواطن البسيط وعلى حساب جودة التغذية؟ حيث ينزل معدل الاستهلاك المغربي في سلم الاستهلاك العالمي في نسبة اللحوم والأسماك والألبان التي هي من الأساسيات، ليبقى بعيدا عن المعدلات الموصى بها من طرف منظمات الصحة. لقد تذمر أحد الأقارب وهو فلاح من تضاعف سومة اليد العاملة عند نضوج حقول البطيخ الأحمر، لأنها تطلب دفعة واحدة لأجل العمل مدة قصيرة في موسم القطاف أو البذر، هذا الضغط طبيعي أن يرفع ثمن أجرة المياوم، وهو ليس بمؤشر على ارتفاع دخل هذه الطبقة التي يتشكل منها الخزان الانتخابي لبعض الأحزاب، لأجيبه بمقارنة بين الأمس واليوم عن مردودية الخضر والفواكه بفضل ارتفاع الأسعار وبفضل تطور البذور التي ضاعفت من الوزن الإجمالي لغلة نفس المساحة، حيث تضاعفت أكثر مما تضاعفت كلفة اليد العاملة، فكيف يمتعض من استفادة فئة تشتغل بدون حقوق، حيث تتنقل النساء في الشاحنات الصغيرة والكبيرة في ظروف قد تتصدر يوما ما صحيفة عالمية كالتي خلصت الشمال من سم التهريب؛ إن هذه الفئة لا تجد أي مورد رزق خلال فترات التقطع الكثيرة، لتبقى رهن الإشارة عند الحاجة إليها فقط، ويوم الاقتراع. إن فقدان سيولة اليد العاملة في مهن معينة وفي مناسبات خاصة لا يمكنه أن يختفي يوما، لكنه ليس عاما فضله على جميع الفئات وفي سائر ربوع المملكة، لتبقى قطاعات معينة كالأمن الخاص ومحلات الوجبات السريعة هي الملجأ في مدن الواجهة فقط وليس في الحواضر المحدودة الإمكانات التي تنعم بنخب سياسية بعضها عبقري في تنمية وتطوير شجرة البؤس. إن جل الشباب في مدن الواجهة يقبل أي فرصة دون ترسيم وبأجر مجحف مع سقف ساعات يتجاوز الحد القانوني، مما يؤكد بأن الضعف والهشاشة يغطيان نسبة كبيرة ممن يحصون داخل خانة الساكنة النشيطة. أما بالنسبة للمناطق السياحية فأزمة الشباب فيها فيلخصها حديث دار داخل أحد السجون في تعليق لأحد أبناء منطقة الشمال، رد به على مثمن لتطور مدن خط المتوسط المغربي، فرد عليه متسائلا ما فائدة جمال مدينة يضاهي جمال مدن أوروبية بلا شك، لكن جيوب الشباب فارغة طوال السنة باستثناء حركية فصل الصيف. هذه المرجعية التي تربط جاذبية الاقتصاد للاستثمار الأجنبي برخص ووفرة اليد العاملة، لا تُرفع وصفتها إلا على المنظومات التي تقع في أطراف العالم والتي لا تملك منافذ بحرية ولا بنية مؤهلة، والتي تتصف بتواضع المستوى المهني والحرفي بحكم بيئتها المنعزلة، ومن هذه الدول من ينتقل الهنود والصينيون إلى الاستثمار فيها، رغم أنهما المرجع في رخص وتدني الكلفة، وهي دول لا تمتلك طاقة للتمويل البنكي ولا عدد كفاءات في ريادة الأعمال مثل المغرب، من مهندسين ومهاجرين مخضرمين وغيرهم، وهي دول لا تمتلك سوقا للاستهلاك الداخلي مثل التي تثقل كاهل الميزان التجاري الوطني حتى بعد ارتفاع أداء الصناعة، وهي دول لم يبلغ فيها الادخار الأسري المائة مليار دولار يوم تساءل جلالة الملك في خطابه أين الثروة. فأول قاعدة تدرس في الطب هي ألا حالة تطابق الأخرى مائة في المائة، فلنفس العرَض أسباب مختلفة، وشروط للعلاج ليست بالضرورة متطابقة، فالتمسك عند المستوى الحالي بمحظورات التوطئة عليه التدقيق في تأثير هذه الفوارق على صحة القياس، من مستوى البنية التحتية والقرب من أكبر أسواق العالم ومن انسيابية في الربط، ومن قدرات للعنصر البشري على التمكن داخل خط الإنتاج، مما خبره أرباب المصانع في أوربا الذين كان يندمج لديهم بسلاسة مهاجرون مغاربة بدون أي تكوين سابق؛ زيادة على مستوى سوق الاستهلاك الداخلي المدفوعة بمحركات القروض البنكية المدفوعة بدورها بضرورة تدوير المدخرات الخاصة، التي تصرف في استهلاك منتوجات جلها مستورد، لتكرس وتثبت عجز كفتنا المزمن في الميزان التجاري العام. لا يوجد شك بأن الشوط الأول من الأوراش الكبرى الذي صاحبته اتفاقيات فتحت أكبر الأسواق العالمية أمام المنتوج المغربي، لو رافق وصفته تصحيح كلفة الإنشاء والتشغيل للجميع سواسية وليس للشركات الكبرى فقط، لملائمتها مع الدول المنافسة التي عجزنا اليوم عن الربح من تحرير التبادل معها، رغم ارتفاع كلفة اليد العاملة عندها، مما يؤكد شدة بأس هذا العطب في كلفة الإنشاء والتشغيل وفي جودة الخدمات الإدارية والقضائية، لأن الارتفاعات الصاروخية لسعر العقار قبل تشبع القطاع الصناعي منه هو مكمن الداء، الذي تدعمه البيروقراطية والمحسوبية التي يمكنها دحر حتى الشركات الكبرى لو تركت بدون رعاية خاصة. فمن أعراض هذا الداء العضال كارثة معمل طنجة وشيوع الورشات والمعامل العشوائية التي فرضت وجودها بسبب ارتفاع سومة الكراء الصاروخية، لتغتني فصيلة معينة بفضل التواطؤ وغض الطرف؛ وهي الوحدات التي شُرع في هدمها بعدة مناطق مؤخرا، ليتبخر مورد رزق كثير من الأسر، في تجل صارخ لعلو غير طبيعي لعتبة ولوج الأحياء الصناعية القانونية، حيث أبدع رئيس مجلس بلدي من منطقة الشاوية في عرقلة مشروع من هذا النوع حماية لمشروعه الخاص. إن ملوك العلامات الكبرى مثل اليابان وألمانيا يتجاوز حجم المقاولات الصغرى والمتوسطة لديهما الثلثين من حجم الاقتصاد، هذه الفئة من المستثمرين العاديين هي الأكبر داخل مجتمع الصناعة والإنتاج، والمغاربة من هذه الفئة حتى لو امتلك خبرة في مصنع محليا أو في المهجر، أو إطار اشتغل مدة معينة في المجال جميعهم هو مشروع مقاول واعد بعد إعادة ضبط هذه الإعدادات، حتى لا تصرف كل فرصة تمويلية نحو إنشاء مقهى أو اقتناء بقعة أو سكن فارغ. هؤلاء المستثمرين العاديين أجانب ومغاربة سيتهاطلون كالمطر للاستثمار في الإنتاج والصناعة بعد توفير العقار والطاقة والخدمة الإدارية والقضائية بشكل طبيعي فقط دون أي ريع، لأننا نتحدث بالتدقيق عن تصحيح الأرضية وتعقيم كلي لمناخ الاستثمار حتى تصبح المنافسة ممكنة مع المنظومات التي نضطر إلى مراجعة التبادل الحر معها، بعد عجزنا على مجاراة السباق لعلة تكمن في عجز المنظومة الإنتاجية وليست في هذا الانفتاح، لأن الأجور المرتفعة في تلك المنظومات مقارنة بالمغرب كان ينتظر بأن كفتهم هي التي كانت ستعاني من تحرير التبادل منطقيا، فمن هو المتهم إذا؟ أما الفلاحة والأشغال التي لا يطيق مجتمعهما ارتفاع التكاليف والأجور، ولا يتحملون وقف الدعم ولا الاستمرارية بدون أن ترتد الدولة عن الانفتاح التجاري، حتى لو تحقق ذلك على حساب جودة التغذية وعلى حساب القدرة الشرائية للمواطن البسيط، فالأولى لمن يستقبل ضغوطهم وشكاياتهم أن يفرض عليهم تحقيق مواكبة العصر بنسبة مائة في المائة، بالمكننة والتخصص العلمي، مع التكوين المستمر بسبب التجدد الدائم لتقنيات وحلول المدارس العليا للفلاحة، مثلما عمل به أهل سوس الذين لم يمنع تعملق تجربة الجيل الأول في الفلاحة من الدفع بتكوين الجيل الثاني بالخارج في تخصصات فلاحية، لأنها من ضروريات النجاح في هذا العصر. حيث كان فرض المدارس الفلاحية على أبناء الفلاحين ضروريا رفقة مسلسلات الدعم والإعفاءات التي لم تتوقف منذ الاستقلال، لأن عدم مسايرة الأغلبية للعصر سيخفي خسائره دوما تجدد هذا الدعم وعودة دروع الوقاية من المنافسة، فتشبثهم بهما سيزداد ولن يتراجع والذي يخرج به بطء عملية التطور إلى خانة الريع. فلا يتقبلون فقدان أي مكتسب ويتمنون دوام رخص اليد العاملة رغم أنه مرتبط بالفقر والفاقة، كما لا يفكر جل الفلاحين الكبار في توظيف مهندس فلاحي إرضاءًا لأنانيتهم، رغم أن هذا الامتثال للعلم والمعرفة سيزيد كثيرا من أرباحهم، لكن العقلية الصلبة تراه تقويضا لسلطتها وطعنا في خبرتها. قد يكون صرف الدعم اليوم أجدى في توسيع بنية التخزين والتجميد لحماية الفلاح الصغير من صدمات السوق فلا يضطر إلى تصريف منتوجه بالخسارة على عكس الفلاح الكبير الذي تحميه إمكانياته من هذه الضربات، كما ستحتاج قصة التسويق إلى مسلسل من الحلول لأنه سيتعرض إلى كثير من العثرات لكن تنزيله هو أكثر من ضروري، فالفرق كبير وكبير بين سعر بيع المنتوج في الضيعة وبين سعر اقتنائه من طرف المستهلك؛ فمن أسرار نجاح ثورة منطقة سوس الفلاحية كان حل هذه المعضلات عبر التشارك في بنية التلفيف والتصدير بعد البيع المباشر للأجانب بسعر اليوم عبر بورصة رقمية، وهو ما يمكن استنساخ العلاج منه بأي وجه كان بالنسبة إلى التسويق المحلي، رغم انكسار مسلسل من مبادرات الدولة المتقدمة في هذا القطاع طيلة العقود الماضية، في الوقت الذي كانت تتقدم فيه الدول الفلاحية العظمى بفضل كفاءة العنصر البشري وتفوقه. لقد اقترحت سالفا إنشاء قناة فلاحية لتحيين معارف الفلاحين الذين يجهلون أبسط الحلول لمشاكل تربية المواشي وأيسر تقنيات تثمين وتجويد الغلة، ولا هم يلتفتون إلى القيمة الحيوية لإجراء تحاليل التربة والمياه. أما المقاول في أوربا الذي تربى بفضل المنافسة وغياب المحسوبية على الامتثال إلى سلطة السوق في تحديد نسبة أرباحه، بعكس المقاولين المغاربة الذين تربوا على الأرباح القصوى، بعدما متعتهم المحسوبية بالحماية من منافسة المقاولين الأجانب على السوق المغربي، فقد حمل فشل الشركة الماليزية في مدينة تامسنا أسرارا غير التي أعلنت، حيث فاجئني موظف سابق في العمران بالحقيقة في حديث طائش، أكد لي أن سبب كسرها هو تضرر المنافسين من الجودة والثمن المعقول لهذه الشركة الذي لم يخفى على أحد، مما كان سيغير معايير اللعبة لو كتب لها إكمال نجاحها. مثلها مثل مآسي المهاجرين الذين خاطروا بالاستثمار بأموالهم، ممن سقطوا فريسة لضواري النصب بطرق وخطط عبقرية تؤمن لها الخروج كالشعرة من العجين، المتقاطرة قصصهم على الصحف والمواقع في مؤشر يحدد معدل سمية هذه البيئة التي لا ينجح فيها إلا من تربوا داخلها فاكتسبوا المناعة الذاتية، من مجتمع الصناعة والإنتاج المحلي الذين لا يعنيهم تعقيم هذه البيئة لأنه ليس من واجبهم رفع حدة المنافسة داخل ملعبهم؛ لتبقى هذه المسؤولية على عاتق آليات الردع ووسائل العقاب حيث تلامس آثار هذه الفصيلة خطر الفصيلة التي نجحت المقاربة الاستباقية في منعها من تقويض أمن واستقرار المجتمع، فهذه الضواري صارت تخترق حتى معارض العقار في الخارج، وتصدر غنائمها قانونيا بالعملة الصعبة قبل أن تنفجر شكايات الضحايا. إن تكاليف التغير المناخي القاسية مع تكلفة الارتكاز على نخب شرهة نمت جذورها في مدرسة البصري للريع والحضانة من المهد إلى اللحد، والتي منعتها الحماية من التأقلم مع المنافسة، ومحدودية الزجر والرقابة من التقويم، لن تفكر طوعيا في فسخ جلدها لمواكبة العصر، فعيوب هذه العقلية ستبقى من كوابح تعملق المنتوج الوطني، كما ستساعدها الرعاية المتجددة لكثرة تشكيها، والتي يعذر كل من يصدقها خوفا على المنتوج الوطني، لتفرض بقاءها واستمراريتها بدون أن ترضخ كما يجب، للتضحيات الواجبة من مضاعفة للجهود وتقليص للأرباح، ومن تسابق على التقنية والكفاءة، مما لا غنى عنه، من أجل مقارعة المنتوج الأجنبي في التكلفة والجودة؛ حتى يتسنى للمواطن الحصول على سكن أفضل ولحوم يجب أن يكون سعرها مبدئيا أقل من أوربا، وحتى لا تهتز كفتنا في كل مواجهة مع الأخرى. إنها عقلية لا ترحب باستفادة الأجير من ارتفاع أرباحها، ولا استفادة الدولة التي تعاني من الغدر الضريبي وتضطر كثيرا إلى الاقتراض، حيث من الضروري تشريع قانون يمنح ربع المتحصل من التبليغ عن كل هدر لحقوق وواجبات الدولة، فهذا الربع ليس كبيرا لأنه سيندثر بعد موجة الردع الأولى، فالعصا يجب أن تكون غليظة ويجب أن تبقى مرفوعة حتى لو قلت الحاجة إليها. إن تكاليف هذه العقلية المؤثرة حتى لو لم تكن عامة، عندما تنضاف إلى تكاليف صمود ثالوث سومة العقار والطاقة والمحسوبية، هي التي تشكلت منها تلك القوة الرهيبة التي منعتنا من فرصة انفجار الإنتاج والصناعة العظيم الذي كان متوقعا من طرف عدة مراكز عالمية، بعد فتح الأسواق وتأهيل الأوراش الكبرى، التي لا زالت ديونها تثقل كاهل المحفظة العمومية، كما سدت الطريق على فرصة توسع حصة النخب الجديدة التي ستضغط على العقلية التقليدية لتصلح ذاتها، من أجل اكتمال بناء صرح المغرب الجديد، فنخب مدرسة الأمس المتناسلة لن تقدم لنا أفضل مما تستطيعه بنيتها وخصوصيتها. فمجموع أداء وتأثير هذه الإشكاليات الهيكلية، لا يبشر إلا بتواصل الحاجة إلى الديون والقروض رغم أننا كنا نمتلك منذ نهاية الشوط الأول من الأوراش الكبرى فرصةً للإقلاع العظيم تقطع نهائيا دابر الضعف والهشاشة وضعف الأمل لدى نسبة واسعة من هذا الجيل. إن تعديل الاتفاقيات بسبب العجز عن مجاراة السباق على المضمار ليس محبطا، بل هو درس وارد في جميع قصص النجاح الذي لن تهضم صوره محاولة تركيز عدسة المجهر على مكمن العطب، كالعدد المرتفع والمتواصل لتملك الأسر للسكن، وتضاعف حجم حاوية الودائع البنكية للخواص، ومستوى البنية التحتية، وتأهيل الحواضر وتخليصها من السكن العشوائي، حيث تقدمت المملكة على منظومات تتغذى من كنوز الأرض الغزيرة، بفضل الجهود الحثيثة لصاحب الجلالة محمد السادس، رغم أن تكاليف التسلح قد قضمت جزءا مهما من نتائج هذه الجهود والسياسات. لكنها تحديات ودروس كل شوط من أشواط التنمية، فدرس هذه المحطة قد يكون هو استخلاص العبرة، بمنطق علمي محايد، من عجز ميزة انخفاض الأجور وتفوق عدة مميزات أخرى عن ترجيح كفتنا؛ خصوصا بعد المونديال حيث ستنتهي الحاجة إلى كثير من اليد العاملة حاليا وستتواصل أقساط الدين العام المرتفع، فمتانة بعض الكوابح وشدة بأسها ينذرنا بصمود هذه الفجوة بين صور مغرب متقدم وهوامش وفئات داخل الحواضر تنوء من العجز عن توفير تعليم جيد لأبنائها وعن توفير المياوم لأدنى شروط العيش الكريم، في ظل نمو العنوسة والجنوح والإدمان وعدة ظواهر مقلقة ومكلفة كالنصب والنهب. لأن الرعاية الخاصة التي ضمنت نجاح الاستثمارات الكبرى بتيسير العقار والتراخيص وجودة التقاضي الذي هو عين الصواب وتجتهد فيه كل المنظومات، لن يعفينا مهما بلغت متطلباته من جهود ومن تكاليف، من واجب إعادة ضبط الإعدادات الأساسية لتأمين سلاسة ولوج المستثمر العادي مع ضمان كامل حقوقه، حتى لا تبقى رحم أكبر قوة إنتاجية مكبوتة إلى هذا الحد. "في بدايات فورة النقل عبر معبر الگرگرات سألت سائقا يعمل في النقل الدولي عبر الشاحنات الثقيلة، عن نوع ومصدر البضائع التي تذهب إلى إفريقيا فقال لي تقريبا كلها مواد غذائية من زبدة وأجبان والگوفريت والشوكولا، وجميع المعلبات، أما المصادر فقد تكون حصة ما هو قادم من دول الاتحاد الأوروبي في مقطورات مغلقة هي 90٪. هذه السوق الوارفة لا تتطلب لا صناعات معقدة ولا تكنولوجيات مستقبلية، فقبل هذا الطريق البري كانت تنقل جبنة البقرة الضاحكة عبر الطائرة وتباع بعشرة أضعاف في بعض المدن الإفريقية " بعد انتشار متاجر تركيا خرجت متاجر مصر إلى بعض الدول لتسويق منتوجهما الوطني، في الوقت الذي توظف فيه الصين منصات رقمية لهدم سلسلة الوسطاء بين بضاعتها وبين المستهلك. فالمنتوجات العادية والغير معقدة تؤثر في النمو وتزيد في الثروة أسرع من المناولة رغم أهميتها التي لا جدال فيها في تثمين العلامة وتوفير فرص الشغل. وقد سبق للنائب المهاجري طرح سؤاله على لجنة المالية، كيف ترفع ثمانون مليون قنطار من القمح معدل النمو أكثر من ستة مليارات يورو لقطاع المناولة؟ نمو السوق الداخلية للاستهلاك في الصين ومنافستها للقطاع الصناعي في طلب الوظائف، رفع من متوسط الأجور حيث انتقلت بعض المصانع مثل سامسونج نحو وجهات لوكوست جديدة كالهند، لكنها لم تتأثر سلبا أركان هذه التجربة حسبما كانت تنذر به مختبرات التحليل الاقتصادي، لأن فشل نسبة من المقاولات أو خروجها لن يضر بالبيئة الخصبة والمتكاملة: في كندا كدولة فلاحية عظمى يمكنها أن تطعمك القمح والعدس والبلبولة من أبعد نقطة وأقسى مناخ وأنت في بلد فلاحي بجودة وثمن أفضل، لأنه في هذا البلد يمنع ممارسة الفلاحة بدون ديبلوم وتخصص، وإذا توفي الفلاح المالك على الورثة تعيين مسير متخصص أو البيع. فالفلاحة هي مهنة علمية وليست مجرد حرفة، كما أن الدول الفلاحية العظمى قد نزلت الكثافة السكانية لديها في العالم القروي إلى الحضيض ورغم ذلك لم تتراجع فيها غزارة الإنتاج، مثلما تنذر به بعض المرجعيات التي توصي بضرورة تثبيت كثافة العالم القروي بأي ثمن كان، رغم أن هذا التوجه هو ضد بوصلة العصر، ولم تستطعه أغنى المنظومات في العالم " التسعيرة الجديدة للضريبة على الأراضي الغير مبنية ستلين أسعار الوعاء لتنعش بناء العقارات الجديدة خاصة بعد تخلص البنوك من القروض الفاشلة، حيث يجب فرض معايير مواكبة التغير المناخي التي يعتبر التأخر فيها من فلتات سياسة التعمير، مثله مثل عدم حماية وعاء الحدائق والمتنفسات المتحصلة من المشاريع المسلمة، والتي تحول بعضها إلى بنايات وغنائم رغم ضرر ذلك المؤلم على راحة نفسية المجتمع وتوازنها. الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة