كان من الآثار المباشرة لحماية المفسدين أن استفحل الفساد وتفشى الارتشاء ، بل تعمّق في عهد حكومتي البيجيدي الذي ركب على شعار محاربة الفساد ، فإذا به يستشري؛ مما زاد من تقهقر المغرب في مؤشر الفساد إلى درجات متأخرة . ومعلوم أن الفساد يخرب جهود التنمية ويعمّق الفوارق الاجتماعية والمجالية. من هنا ومهما كانت الميزانيات المرصودة للتنمية مهمة فإنها لن تحقق هدف استفادة جميع المواطنين منها .وهذا الذي جعل البيجيدي يخلف وعده الانتخابي بتحسين مؤشر التنمية. 7 مؤشر التنمية إن احتلال المغرب المركز 114 من أصل 182 كان محط انتقاد من طرف البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الذي وظفه في تأثيث خطابه الدعائي وبرنامجه التبشيري بتغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية نحو الأفضل . وبعد مرور 10 سنوات على رئاسة البيجيدي للحكومة ، تثبت المؤشرات فشل الحزب في تحسين مؤشر التنمية الذي وعد به. ففي سنة 2011 ، أي قبل تعيين حكومة البيجيدي لتسيير الشأن العام ، كان المغرب يحتل المركز 114 في مؤشر التنمية ؛ وبدل التقدم في المراكز تقهقر حتى صار يحتل المركز 121 من أصل 189 دولة شملها التصنيف سنة 2020 ، متخلفا عن تونس(احتلت المركز 95) التي عاشت ولا تزال تعيش الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدقيقة والصعبة التي لم تترك للرئيس قيس سعيد أية فرصة لاتخاذ سلسلة من الإجراءات (تجميد البرلمان ، رفع الحصانة عن البرلمانيين ، توليه رئاسة السلطة التنفيذية ، التحقيق مع كل المسؤولين الذين تحوم حولهم شبهات الفساد أو الحصول على تمويل خارجي)، لإنقاذ تونس من الانهيار والتخريب .وكان من المفروض أن يحتل المغرب مراكز متقدمة في مؤشر التنمية اعتبارا لجهود الإصلاح وبرامج التنمية الطموحة التي انخرط فيها ويعمل على تنفيذها(بحسب البرنامج الانتخابي للبيجيدي 2021، فإن المتوسط السنوي للاستثمار العمومي، بلغ 201.6 مليار درهم خلال الفترة 2017-2021، مقارنة ب 146.1 مليار درهم خلال الفترة 2007-2016 )؛ لولا أن قطاعي الرعاية الصحية والتعليم يؤثران سلبا على ترتيب المغرب بسبب قرار حكومة البيجيدي تخفيض ميزانيتي الصحة والتعليم بتوجيه من بنكيران الذي قال أمام البرلمان بأنه "حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن التعليم والصحة"وبالفعل جمّدت حكومة البيجيدي ميزانية وزارة الصحة ، بحيث تراوحت بين 12 مليار درهم و 13 مليار درهم في السنة :12.37 مليار درهم سنة 2013 ، 12.92 مليار درهم سنة 2014، 13.09 مليار درهم سنة 2015 . هذه الميزانية ، وباعتراف وزير الصحة نفسه ، لا تتجاوز 5.69٪ من ميزانية الدولة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية الدول بتخصيص 10 إلى 12٪ من الميزانية العامة لقطاع الصحة. الأمر الذي أثر ويؤثر سلبا على وفرة أعداد العاملين في القطاع الصحي، حيث تقدر نسبة الموارد البشرية العاملة بقطاع الصحة ب 1.51عاملا صحيا في المغرب لكل 1000 نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية ب4.45 عاملا صحيا لكل 1000 نسمة. لهذا لازالت عدة مؤشرات تؤثر سلبيا على ترتيب المغرب ، ومنها : مؤشر الصحة ، ومؤشر التعليم . فقد أورد التقرير الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط حول مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب لسنة 2020 ، أن المناطق القروية لازالت تسجل ارتفاعا في نسبة وفيات الأمهات إذ بلغت 111،1 حالة وفاة لكل 100.000 مولود حي ( في 2011 كانت نسبة وفيات الأمهات 112 وفاة لكل 100 ألف ولادة )، فيما تصل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى 26وفاة لكل 1000مولود حي. أما بخصوص الأطفال دون سن الخامسة والمنحدرين من أسر فقيرة فهم أكثر عرضة للوفاة (27.9 لكل ألف مقابل 10.9 لكل ألف من الأطفال المنحدرين من أسر غنية). أما عن مؤشر التعليم فإن متوسط مدة الدراسة عند المغاربة هو 5,5 سنوات في 2018 ( 4.5 سنوات عند الإناث و6.4 سنوات عند الذكور). وإذا كان المغرب حقق تقدما ملموسا على مستوى تعميم التعليم في المستوى الابتدائي ، فإن معدل التمدرس في الإعدادي الثانوي بلغ 91.8% ، بينما الثانوي التأهيلي سجل فقط معدل 66.9 % في صفوف الفئة العمرية 15 - 17 سنة (سنعود لاحقا لهذا الموضوع في الحلقة 9). ولا يزال قطاع التعليم يعاني من عائقين رئيسيين لهما تأثير مباشر على مؤشر التنمية ، وهما: أ الهدر المدرسي : إذ وفقا للإحصائيات التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في 2019 ، فقد انقطع عن الدراسة سنة 2015 ما مجموعه 508 ألفا 300 تلميذا(ة)، ثم 407 ألفا و 674 في 2016 ، وفي 2017 انقطع عن التعليم 431 ألفا و876 تلميذا(ة). ب انخفاض جودة التعليم :تشكل جودة التعليم رافعة أساسية للتنمية البشرية . ويعاني قطاع التعليم في المغرب من انخفاض جودته ؛ إذ تؤكد مختلف التقييمات الدولية لأداء المنظومة التربوية أنها أقل من المتوسط الدولي ، بحيث يحتل المغرب المرتبة 47 من بين 49 دولة مشاركة في تقييم الرياضيات والمرتبة 46 من أصل 47 دولة في العلوم والمرتبة،الرتبة 48 من أصل 50 دولة في القراءة والرتبة 75 من أصل 79 دولة في فهم ما هو مكتوب والرياضيات والعلوم. إلا أن الإجراءات التي لجأت إليها حكومة البيجيدي لمواجهة الخصاص في الأساتذة والاكتظاظ في الأقسام ، وخاصة التوظيف بالتعاقد دون الاعتماد على معيار الكفاءة كمحدد للاختيار والتوظيف ، أثر سلبيا على جودة التعليم . ومما زاد من تعقيد الوضعية اضطرار أعداد مهمة من الأساتذة إلى طلب التقاعد النسبي بسبب نظام التقاعد الذي فرضته حكومة بنكيران على الموظفين ، والذي حرمهم من جل المكتسبات المادية ؛ الأمر الذي أفرغ ويفرغ المدرسة العمومية من خيرة أطرها ، كما يحرم أبناء المغاربة من الاستفادة من كفاءاتهم. وأيا كانت أهمية الميزانية المرصودة للتعليم ، فإنها لن تحقق أهدافها في غياب شعور الأستاذ بالاستقرار النفسي والإداري حتى يتمكن من العطاء والإبداع في مهنته . إلا أن الحكومة ظلت على تعنتها في مواجهة احتجاجات الأساتذة المتعاقدين من أجل إدماجهم في الوظيفة العمومية . ذلك أن فسخ العقد أو عدم تجديده وارد في أي لحظة أو عند انتهاء مدة العقد (عامين قابلة للتجديد). يتبع ..