الولايات المتحدة الأمريكية تجدد الالتزام بفتح قنصلية في الصحراء المغربية    الأمم المتحدة: 80 في المائة من فقراء العالم معرضون لمخاطر مناخية    بورصة البيضاء تبدأ اليوم بصعود طفيف    ألمانيا تجيز استخدام الشرطة للصواعق الكهربائية في جميع أنحاء البلاد    أستراليا تفرض أول حد أدنى لعمر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي    شركات كبرى تحتكر سوق الدواجن بالمغرب والجمعية الوطنية لمربي الدجاج تحمّل الحكومة المسؤولية    إسرائيل ترجح إعادة فتح معبر رفح الأحد وحماس تؤكد "حرصها" على تسليم جثامين بقية الرهائن    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته للنمو في آسيا رغم التوترات التجارية الصينية الأمريكية    الفلبين: زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب جنوب البلاد    نقابة تنتقد أوضاع متصرفين تربويين    الهلال يجدد عقد بونو حتى 2028    أفاية يفصل في محددات المسؤولية وتحولات النقاش العمومي بالمغرب    كرة القدم المغربية .. من شغف الملاعب إلى قوة ناعمة واقتصاد مزدهر    طنجة.. توقيف أزيد من 20 مرشحًا للهجرة غير النظامية بمحطة القطار    أمن طنجة يوقف ثلاثة قاصرين بعد تداول فيديو يوثق تراشقًا بالحجارة قرب مدرسة    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    ادحلي تستقبل الوزير المستشار بالسفارة الصينية لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المغرب والصين    المغرب يستعد لإطلاق رحلات جوية مباشرة بين الدار البيضاء وسانت بطرسبورغ    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    كتائب "القسام": نحتاج معدات لاستخراج باقي جثث الأسرى الإسرائيليين من تحت الركام    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    طقس حار نسبيا بأقاليم الجنوب مع سحب غير مستقرة وأمطار متفرقة اليوم الخميس    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رافد "حلف الفضول"
نشر في الصحيفة يوم 26 - 01 - 2022

منذ ما يزيد عن ربع قرن وكلّما اقتربتْ الذكرى السنوية لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948 ) يذكّرني الدكتور جورج جبور بحلف الفضول، الذي اشتغلنا عليه وكتبنا فيه وحاضرنا عنه لسنوات غير قليلة، باعتباره رافداً من الروافد العربية لحقوق الإنسان، فلماذا يتم اهمال رافدنا في حين تتسابق الأمم والبلدان لتأكيد روافدها؟ وعلى أغلب الظن أن الحلف تأسس بين أعوام 590 – 595 م، أي ما يزيد عن ستة قرون على صدور الماغنا كارتا "العهد العظيم" ، وقبل نحو 12 قرناً من الثورة الفرنسية وصدور "ميثاق حقوق الإنسان والمواطن" .
والسؤال الذي يتردّد بقوة ويطرح نفسه بعد انتشار فكرة حقوق الإنسان، هل يمكن مقاربة "حلف الفضول" لفكرة حقوق الإنسان المعاصرة تاريخياً؟ وهل هناك جذور لمفاهيم حقوق الإنسان في تاريخنا العربي؟
فالعرب كأمة مثل غيرها من الأمم لا يمكنها غضّ الطرف عن الفكرة الكونية لحقوق الإنسان، خصوصاً وأن الفكرة اكتسبت بعداً دولياً وحظيت باهتمام كبير من جانب المجتمع الدولي، وبالتالي لا بدّ من البحث في تراثنا بما ينسجم مع توجّهاتها، علماً بأن الفكرة وإنْ كانت نبيلة وإنسانية، إلّا أنها تستخدم أحياناً لأغراض سياسية وبطريقة انتقائية وبمعايير ازدواجية، خصوصاً من جانب القوى المتنّفذة في العلاقات الدولية، دون أن نتجاهل أن بعض الاتجاهات المتعصّبة في عالمنا العربي تعاملت معها باعتبارها "بدعة غربية" و "اختراعاً مشبوهاً" نافية لدرجة الإنكار أيّة علاقة لها بالتاريخ العربي الإسلامي، وذلك بالتشديد على الخصوصية الثقافية والقومية والمحلية بطريقة انغلاقيه، بل ومعتبرة كلّ حديث عنها إنما يثير الشك والريبة والمشبوهية.
فما هي فكرة الحلف؟ وما علاقته بالفكرة الكونية لحقوق الإنسان؟
نشأ حلف الفضول حين اجتمع فضلاء مكة في دار عبد الله بن جدعان وتعاهدوا على أن " لا يدعوا ببطن مكّة مظلوماً من أهلها، أو من دخلها من غيرها من سائر الناس، إلّا كانوا معه على ظالمه حتى تُردّ مظلمته"
وقد اتّخذ الإسلام موقفاً إيجابياً من حلف الفضول " الجاهلي". وحين ألغى النبي محمد (ص) كل أحلاف الجاهلية استثنى منها حلف الفضول، ويوم سُئِلَ عنه، فأجاب " شهدت مع أعمامي في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو أنني دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت".
الحلف الذي نعتبره أول رابطة لحقوق الإنسان هو تعاهدٌ على:
* رفض الظلم والعمل على إلغائه.
* المساواة بين أهل مكة ومن دخلها من سائر الناس.
* إحقاق الحق ونصرة المظلوم وردّ الحقوق إليه.
* الوقوف ضد الظالم.
* الحفاظ على حياة الناس وكرامتهم.
* اللجوء إلى هيئة (الفضلاء) لردّ الظلم.
وذلك لعمري يمثل جوهر فكرة حقوق الإنسان المعاصر برفض الظلم والتمييز مهما كان نوعه مدنياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو ثقافياً. وقد اغتنت فكرة الحلف وتعمّقت بالقيم والمبادئ التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة.
جديرٌ بالذكر أن المفكر جورج جبّور ظلّ يخاطب الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية الحقوقية حتى تم الاعتراف به في العام 2007 ، حيث وردت الإشارة إليه في بيان أصدرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان باعتباره أحد مصادر الفكرة الكونية لحقوق الإنسان.
ومثل هذه الإشارة لها دلالاتها المهمة، فهي تعني أن العرب قاربوا فكرة حقوق الإنسان منذ ما يزيد على 1400 سنة، ولهم رافدهم الثقافي إسوة ببقية الأمم والشعوب التي تبحث في تاريخها وتراثها ما يدعم الفكرة المعاصرة بدلاً من التنكّر لها أو تجاهلها. كما أنها تردّ على الذين يتهمون العرب بأن دينهم يحضّ على الكراهية والعنف والإرهاب، بدليل سجّل بعض البلدان العربية بخصوص حقوق الإنسان، وهو غير مشجع بالطبع، بما يعطي مثل هذا "المبرر" المهين، وسواء كان الأمر بحسن نيّة أو بقصدية واستهداف، وهذا هو الغالب الشائع، فإن النتيجة واحدة وهي الفكرة السائدة لدى قوى وجهات دولية ومفادها أن الثقافة العربية- الإسلامية أساسها التعصّب ووليده التطرّف وأن حياة العرب والمسلمين منغلقة ومتخلّفة.
إن فكرة حلف الفضول وما يمثله من ثقافة وإرث تاريخي هي ردّ على تلك الاتجاهات السائدة في الغرب التي تعتبر العرب والمسلمين متناقضين كلياً مع فكرة حقوق الإنسان بالفطرة ومتصادمين مع مبادئها ثقافياً، وللردّ على ذلك نقول إن العرب والمسلمين معنيون مثل غيرهم بحقوق الإنسان دفاعاً عن حقهم في الوجود وهويّتهم الخاصة في الانبعاث وتحقيق التنمية والتقدم واللحاق بركب البلدان المتقدمة في العيش بسلام وحريّة وكرامة وتأمين مستقبل أفضل لحياة شعوبهم ، وذلك وفقاً لخصوصياتهم وتمايزهم الديني والثقافي، دون إهمال للتطور العالمي في هذا الميدان، بل التفاعل معه والانفتاح عليه على نحو إيجابي، ولكن دون أن يعني ذلك إهمال أو التخلي عن خصائصهم بزعم الشمولية والعالمية، وهذه الأخيرة بقدر ما فيها من معايير عامة تخصّ البشر ككل، فإنها تحتاج إلى احترام الهويات الخاصة للشعوب وثقافاتها، في إطار المشترك العالمي والقيم الإنسانية العالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.