خاتم زوجة "كريستيانو رونالدو" يدخل قائمة أغلى خواتم المشاهير وهذه قيمته المالية    بعد تتويجه بالسوبر الأوروبي.. حكيمي ضمن أكثر ثلاثة لاعبين أفارقة تتويجًا بالألقاب    لليوم الثالث على التوالي جهود مكثفة لإخماد حرائق شفشاون    حقوقيون ينبهون إلى تزايد انفضاح قضايا الفساد ويطالبون بعرض كل القوانين على القضاء الدستوري    المغرب يعزز موقعه في صناعة السيارات بمشروع توسعة ضخم لمصنع ستيلانتيس    سعر "بيتكوين" يبلغ 124 ألف دولار    "لجنة سبتة ومليلية" تدين الاستفزاز    تحقيق أممي يعلن انتهاكات ترقى إلى "جرائم حرب" في الساحل السوري    سعر عملة بيتكوين يبلغ مستوى قياسيا جديدا يتجاوز 124 ألف دولار    ناشط مغربي يواجه زعيم فوكس في إسبانيا: "أنت لا تعرف حتى دستور بلدك"    النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    فنتانيل ملوث يخلف عشرات القتلى بالأرجنتين    مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.. الوفد المغربي: "وفقا للرؤية الملكية المتبصرة.. المغرب يجعل من التعليم ركيزة استراتيجية للتعاون جنوب-جنوب"    احباط محاولة لتهريب 52 كلغ من الكوكايين عبر ميناء طنجة المتوسط    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على طريق المطار ترسل شخصين الى المستشفى (صور)                ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    ارتفاع أسعار الذهب مدعومة بتراجع الدولار    ديرها غا زوينة.. مفكر كبير كيكشف مصايبنا/ لائحة بأسماء اللي على باب الحبس/ ابتسام لشكر والعدل والإحسان (فيديو)    المغرب يخلد الذكرى ال46 لاسترجاع وادي الذهب    "شان 2024": مباراة مصيرية للمنتخب المغربي أمام نظيره الزامبي    حقيقة اعتداء أشخاص على سائق سيارة بتارودانت    بورنموث يضم دياكيتي لاعب تولوز    الاتحاد الألماني يرفع قيمة جوائز كأس ألمانيا    درجات الحرارة الدنيا والعليا المرتقبة غدا الجمعة    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    أسعار النفط ترتفع    متى تخرج مصر من المنطقة الرمادية؟    حين تتحطم الأكاذيب على جدار الاستخبارات المغربية الصلب    أهم منصات الصين الإعلامية الرسمية ترد التاريخ للمغرب بنشر خريطة المغرب بصحرائه موحدة    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للانترنت    فريد الصمدي مدير مهرجان السلام والتعايش ببروكسيل يكرم في العاصمة الرباط        "قطبية" دوغين و"مدينة" أفلاطون    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    أب أبكم وابنه يلقيان حتفهما غرقاً في حوض مائي بنواحي قلعة السراغنة    وفاة مبدع «نجمة أغسطس» و«اللجنة».. صنع االله إبراهيم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية        الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية تجنّن؟ بقلم: أسماء غريب
نشر في أسيف يوم 06 - 11 - 2007

يا وجع سنينه العجاف وألم ماضيه البعيد القريب ... سنين عشر، مظلمة، قضاها هناك، بذلك المكان الرهيب، سجن موحش ومتخم برائحة الظلم والكره القاتم ... عنف وقهر يصلب كل من رمت به أقداره اللعينة بين عفن المكان ونتانة أهله ... تهمته ؟ النشل ... كانت أصابع يده المتجعدة تمتد إلى كل الجيوب ، لم يخجل يوما من ذلك ... كان يقول عن نفسه وبكل افتخار: أجل أنا نشال ، وابن ستين نشال ، كلب وابن كلب ... هذه الأصابع العوجاء لا تمتد إلا إلى جيوب الضعفاء مثلي ، تبا لها، كم حلمت بأن أسرق جيوب واحد من أولئك الكبار ولكنهم مساكين ، تصوروا، لا يركبون الحافلات العمومية ولا يتجولون بالأسواق البلدية ، تبا لهم .هكذا كان يعبر عن سواد أفكاره ، أما حين تسأله عن التوبة ومحاسبة النفس فإنه كان يجيب ضاحكا بفيه تساقطت نصف أسنانه: التوبة ... وما عساكم تفعلون بتوبتي ؟ ليبدأ كل واحد بنفسه ولتكن توبتي خارج هذا المكان البئيس .وخرج أخيرا عبد الغفار من سجنه بعد عشر سنوات من الحرمان والقهر ... لفظه أخيرا ذاك الباب العريض ... لم يكن ينتظره بالخارج أحد ... زوجته وطلقها بإلحاح منها، أما الأبناء فصبوا على وجوده بحياتهم سائل الأسيتون ليتخلّصوا من كل بصمة تذكرهم بأبيهم البيولوجي ... لم يبق له سوى أن يمضي لحال سبيله وسط هذا الفضاء
الواسع الرهيب ... انقبضت نفسه وضحك من حاله : إيه يا أبو الشباب ، لم أنت منقبض القلب الآن ؟ ألم تكن تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر ... أم أن للحرية طعم أشد مرارة من السجن ... أتخيفك الحرية الآن يا عبد الغفار؟ أيخيفك هذا الفضاء الواسع ... اعبر الطريق إذن .. ارم بنفسك في بحر الحياة الجديدة و انطلق يا عبد الغفار.لم يكن عبد الغفار يدرك أنه فقد الشعور بالبعد الزمكاني ، بدا كل شيء واسع وعريض وكانت السيارات تعبر الشارع بسرعة البرق .. كل هذا بعث في نفسه الخوف من هذا الخارج الرهيب، كل شيء تغير ... عشر سنوات داخل السجن كانت كفيلة بأن تقلب كل شيء رأسا على عقب خارج أسواره...لم يستطع أن يعبر الطريق السيار ... ازداد رعبه من السيارات استجمع أنفاسه أخيرا ثم عبر وما إن وجد نفسه بالطرف الآخر من الطريق حتى أحس بدوار شديد ، دوار حرك كل رواسب السنين العشر المتراكمة بمعدته، حاول أن يتقيأها الآن و لكنه لم يفلح .. يبدو أنه حكم عليه بأن يحمل الماضي فوق كتفيه و إلى الأبد ...استجمع أنفاسه من جديد و حاول ألا يثير انتباه الناس إليه ... وبدأ يمشي الهوينا و لكن حركات الناس من حوله كانت سريعة جدا، انتابه الدوار من جديد ... تساءل عن سبب جري الناس ، ربما كان هو الوحيد الذي يمشي على مهل بينما يجري الآخرون ، ربما؟ جلس فوق حاشية الرصيف بينما استمر الناس في الجري بل كان منهم من يكلم نفسه ... راعه الأمر وخشي على نفسه من الجنون: شيء مريع هذا الذي يجري هنا، خارج أسوار السجن ... لم أصبح كل هؤلاء الناس يكلمون روحهم ... لم جُنّ الناس يا عالم ... أهكذا تفعل الحرية بعقول الناس ... أتجننهم ؟سترك يا رب بالعباد ... لا لا يارب ، علي أن أشكر رجال الشرطة أكثر من مرة ، بل ألف مرة ...هم حقا رموا بي داخل السجن و لكنهم لم يعووا مدى نبل المعروف الذي أسدوه لي ... على الأقل لم أبق بالخارج فأصاب بالجنون كما حدث لهؤلاء المساكين ... غريب أمرهم و الله.وبينما هو كذلك ، إذا به يلمح أحدا من أصدقاء الزمن الماضي مارا بنفس الشارع الذي كان يجلس فوق رصيفه ... كان يكلم نفسه هو الآخر ... تألم لذلك المنظر شديد الألم ، نهض مسرعا من مكانه و استوقف صديقه الذي لم يتعرف عليه إلا بعد جهد جهيد: ألا تذكرني يا حسن ، أنا عبد الغفار، صديقك القديم ... طبعا مرت عشر سنوات ... لا يمكنك أن تتذكرني ثم أنك يا حول الله جننت يا مسكين ، كيف لك أن تتذكرني ؟ همس في نفسه . أنا عبد الغفار كم نشلنا معا ... غفر الله لك و لي.آه، إنك أنت ياعبد الغفار ... حبيب عمري ، كيف حالك؟ متى خرجت من السجن؟ كيف لي أن أنساك؟ أنت، لا طبعا و لكن أيام النشل نعم ، على العموم مضت لحالها، لا أرجعها الله. خرجت قبل ساعة ، أنت أول إنسان ألتقيه يا حسن. مسكين ... أكيد أنت متعب ... وربما تحتاج لشيء من الراحة ، ما رأيك لو نلتقي الأسبوع المقبل ؟أنا الآن مشاغلي كثيرة ... وجدت شغلا شريفا، سترني و ستر عائلتي الصغيرة ولا أرغب في أن يكون لدي أي صلة بالماضي ... فهمت يا حسن ما ترمي التلميح إليه ، أتفهم موقفك كما تفهمت سابقا موقف زوجتي و أبنائي .. لن أزعجك بعد اليوم ولكن هل لك أن تحل لي لغزا حيرني منذ أن لفظتني أسوار السجن ... لم جُنّ الناس يا أخي ؟ لم أصبح الناس يكلمون أرواحهم بأعلى أصواتهم في الشارع ، أنت أيضا كنت تفعل الشيء ذاته لكن لا يبدو عليك أنك جننت، ما الذي حصل بالدنيا يا حسن ؟ هل الحرية تُجنّن ؟قهقه حسن عاليا وربت على كتفي عبد الغفار ... نعم يا أخي الحرية تُجنّن...الحرية تدفع إلى الاختراع و أحرار الناس اخترعوا لنا هذا الجهاز الذي يسمونه اليوم "سماع الرأس" الذي نوصله إلى الهاتف النقال فيغنينا عن الانشغال بالمكالمة الهاتفية و خاصة أثناء قيادة السيارة...لذا أصبح منظرنا يبدو مضحكا و مقلقا في الوقت ذاته، نبدو كالمجانين أليس كذلك؟ طبعا لم تتمكن من تتبع تغيرات المجتمع و أنت داخل السجن...حدثت أشياء كثيرة و رحلة اكتشافك و تعودك على كل ما جد في غيابك عن الخارج ستكون طويلة و متعبة...المهم، علي أن أذهب الآن، لقد تأخرت ...أنتظرك الأسبوع القادم.مسح عبد الغفار، دموع ضحكه من الأمر ...ودّع حسن و كله يقين بأنه لن يراه بعد اليوم.. مضى هو الآخر لحال سبيله و هو يردد : الحرية تُجنّن... تُجنّن يااااعااالم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.