صدر حديثا كتاب "إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور" لمؤلفه رشيد المدور (البرلماني السابق وعضو المجلس الدستوري حاليا)، وهو في أصله أطروحة دكتوراة نوقشت بكلية حقوق أكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأجيزت بتقدير مشرِّف جدا وتوصية لجنة المناقشة بطبع الأطروحة ونشرها. ويكتسي هذا الكتاب أهميةٌ ثلاثية الأبعاد: فمن حيث السياق، فإن أهميته تنبع من دقة السياق العربي الخاص جدا الذي صدر فيه، وهو السياق الذي واصل فيه المغرب سلسلة إصلاحاته الديمقراطية، وفي مقدمتها إقرار دستور جديد في يوليو 2011، وهو الدستور الذي تميز عن سابقِيه بجرعة كبيرة على الصعيدين الديمقراطي والحقوقي، وأكثر من ذلك، فإن الخطب الملكية التي واكبت هذه الإصلاحات ما فتئت تلح على تفعيل الدستور وتأويل نصوصه تأويلا ديمقراطيا، مما كان له كبير الأثر على الإطار الدستوري للبرلمان وآليات إشتغاله الرقابية والتشريعية. ومما لا شك فيه أن النظام الداخلي للبرلمان يأتي في صلب تطوير هذه الآليات. ومن حيث الموضوع، تكمن أهميته في كونه عالج عددا من الإشكالات الدستورية للنظام الداخلي للبرلمان ذات الطبيعة العملية الناتجة بالأساس عن الإطار الدستوري الجديد الذي طور آليات اشتغال السلطة التشريعية والرقابية للبرلمان. أما من جهة زاوية النظر، فتتجلى أهمية هذا الكتاب في أن مؤلفه، بحكم تجربته وخبرته في المجال، قارب الإشكاليات الدستورية للنظام الداخلي للبرلمان مقاربة زاوجت بين التنظير والممارسة، وتعددت زوايا النظر فيها وتنوعت وتكاملت فيما بينها، وهي زاوية المسؤول البرلماني الممارس لقواعده، وزاوية القاضي الدستوري الفاحص لمواده، وزاوية الباحث الملتزم بمناهج البحث العلمي وآلياته، وهو الأمر الذي أتاح له أفقا واسعا للنظر قلما يتوفر. وعبر هذه المزاوجة، توخى المدور تحقيق ثلاثة أهداف كبرى لتطوير الأنظمة الداخلية للبرلمان المغربي تجمع بين ثلاثة مسارات متوازية هي: تطوير ممارسة وضع وتعديل الأنظمة الداخلية للبرلمان؛ وتطوير ممارسة مراقبة دستوريتها؛ وتطوير تدريسها باعتبارها مادة تشكل المصدر المتميز والأكثر غنى للقانون البرلماني. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب صدر في 744 صفحة ضمن سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية (عدد 111) التي تصدرها مجلة REMALD. جاء الكتاب في قسمين، الأول نظري تأسيسي/تأصيلي لمادة الأنظمة الداخلية للمجالس التشريعية، والثاني تحليلي تطبيقي يرصد تطور هذه الأنظمة الداخلية في السياق المغربي (1963-2015)، ومقارنتها مع نظريتها في السياق الفرنسي وبعض التجارب العربية.