في لحظة فارقة يشهد فيها العالم تحولات متسارعة، استضافت العاصمة الصينيةبكين الاجتماع الوزاري الرابع لمنتدى الصين ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي (سيلاك)، ما يمثل عودة رمزية بعد عشر سنوات من انطلاق أول لقاء وزاري بين الجانبين. اللقاء يعكس طموحًا مشتركًا لبناء شراكة استراتيجية قوية تُفضي إلى مجتمع صيني-لاتيني بمستقبل مشترك، قائم على مبادئ المساواة والتضامن والتكامل بين دول الجنوب العالمي، لا سيما في ظل تزايد النزعات الأحادية وحالات عدم الاستقرار العالمي. على مدار العقد الماضي، تعزز التعاون بين الصين ودول أمريكا اللاتينية عبر مستويات سياسية واقتصادية وثقافية، مما أتاح فتح آفاق واسعة للتنمية المشتركة. وقد تجلّى ذلك في إقامة علاقات دبلوماسية جديدة بين الصين وعدد من دول الكاريبي، بالإضافة إلى تطوير شراكات استراتيجية مع دول رئيسية مثل البرازيل وكولومبيا وفنزويلا، في إطار رؤية جديدة لعالم أكثر عدالة واستدامة. ولعبت مبادرة الحزام والطريق دورًا محوريًا في هذا التعاون، حيث انخرطت أكثر من 20 دولة من أمريكا اللاتينية والكاريبي في مشاريع تنموية كبرى، من بينها تحديث خطوط المترو في العاصمة المكسيكية، وتطوير مناطق صناعية متقدمة في ترينيداد وتوباغو بدعم تقني صيني. اقتصاديًا، أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للمنطقة، حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية أكثر من 600 مليار دولار حتى نهاية عام 2023. وتنوعت مجالات التعاون لتشمل قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والتجارة الإلكترونية، بينما ساهمت الشركات الصينية في تحولات رقمية ملموسة عبر حلول الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. كما لم تغفل الصين عن البعد الإنساني والثقافي، فقد عززت التبادلات بين الشعوب من خلال برامج المنح الدراسية والتكوين المهني، وتنظيم سنوات تبادل ثقافي، ومنتديات للشباب والتنمية. ويرى مراقبون أن هذا المنتدى في نسخته الرابعة يمثل نقطة انطلاق جديدة للعلاقات بين الصين ودول سيلاك، خصوصًا في ظل التحديات العالمية المتزايدة، إذ يبعث برسالة واضحة بأن التضامن والتعاون بين دول الجنوب العالمي هو السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة. ومع تصاعد التحديات الدولية، يبقى تعزيز الشراكة بين الصينوأمريكا اللاتينية خطوة استراتيجية تُسهم في بناء نظام دولي أكثر توازنًا، قائم على الحوار والانفتاح والمصالح المشتركة.