بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    الادعاء الإسباني يدعو إلى إغلاق التحقيق في حق زوجة رئيس الوزراء    الحكومة تقر بفشل سياسية استيراد أضاحي العيد    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    الوزير جازولي يدعو المستثمرين الألمان إلى اغتنام الفرص التي يتيحها المغرب    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    الاتحاد الجزائري يعلن شرطه الوحيد لمواجهة نهضة بركان!    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    المغرب: كنرفضو إقتحام المسجد الاقصى وقيام دولة فلسطينية هو اللي غادي يساهم فإحلال السلام    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    واش هادشي غايأثر على شراكة اسبانيا والمغرب والبرتغال فمونديال 2030.. الحكومة فالصبليون دارت الوصاية على الاتحاد الإسباني بسبب الفساد وخايفين من خرق لقوانين الفيفا    البحرية الملكية تنقذ مرشحين للهجرة السرية    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراعاة الأخوة والصداقة المتينة بين العلامة محمد المختار السوسي والأديب محمد بن العباس القباج الرباطي


ونحن ما نزال نوالي نشر تراث العلامة محمد المختار السوسي وخصوصا منه الذي لم يعرف طريقه إلى المطابع، سنلقي نظرة اليوم على مخطوطه نضائد الديباج في المراسلات بين المختار والقباج، وسنأتي هنا بمقدمته دون خاتمته وببعض نماذج من هذه الرسالة وسنركز على ما ذكر فيها عن علاقتهما الحميمية ومدى الحب والوفاء المتبادل بينهما، مع ذكر بعض ما كتب في الفصل غير المنشور في الجزء الثاني من كتابالإلغيات. ها أنت قارئنا العزيز ما زلت تجول في رفوف خزانة والدنا العلامة محمد المختار السوسي رحمة الله عليه، بعد أن فتحناها لك في هذه السلسلة لتطلع على مخطوطات والدنا وخصوصا منها تلك التي لم تعرف طريقها بعد إلى المطابع، ولهذا سيكون حظك اليوم أن تطلع على مخطوط نضائد الديباج في المراسلات بين المختار والقباج والذي جمع فيه خمسة عشر رسالة وقصيدة، أرسلها له الأديب محمد بن العباس القباج الرباطي صاحب كتابالأدب العربي في المغرب الأقصى، وقد كان في نية جامع هذه الرسائل أن يضيف إلى المجموع رسائله التي أرسلها إلى القباج، إلى أن ذلك لم يتمكن في حينه، وتحت أيدينا خمس رسائل له، حاولنا هنا أن نبين بعضها، وخصوصا أقدم هذه الرسائل وهي الرسالة التي أرسلها له يوم 2ـ7ـ1346هـ ، وهو إذ ذاك ما يزال طالبا بالقرويين. وموضوع الأدب النثري عند العلامة محمد المختار السوسي، وخصوصا منه جانب الرسائل، يعد موضوعا يحتاج إلى بحث طويل، فقد كان واعيا رحمه الله بأهمية هذه الرسائل، وكم نبه في رسائله الشخصية الخاصة أن يحافظ المرسل إليه عليها، حتى يتسنى استرجاعها وتدوينها ونشرها في كتبه، لأنه يرى أن هذه الرسائل احتوت بعضها إما على مذكرات له في مختلف أطوار حياته، أو على إثارة قضايا أدبية أو اجتماعية أو سياسية، ولهذا نرى العديد منها مدون في موسوعته المعسول أو الإلغيات، الذي ضم رسائل كبرى في موضوعات شتى(أنظر دليل مؤلفاته ص 10 ـ 11)، أو في بعض أجزاء خلال جزولة، هذا زيادة على تخصيص هذا المخطوط، الذي نحن الآن بصدد ذكره نضائد الديباج وكذا كتابه الرسالتان، الذي يحتوي بين دفتيه رسالته الطويلة للحسن البونعماني والأخرى لأحمد شوقي. ولا يفوتنا هنا ذكر مئات الرسائل المبثوثة في كتبه التي ذكرناها، وهي رسائل عديدة لأدباء وعلماء وشعراء وغيرهم، وكذا الفقهاء الذين خص لبعضهم مجموعا ما يزال مخطوطا سماهتقييد بعض الرسائل من فقهاء الوقت (أنظر ص 19 من دليل مخطوطاته)، مع بعض الرسائل (الفتاوى) التي جمعها في كتابهالمجموعة الفقهية في الفتاوى السوسية. ولا يفوتنا هنا ذكر بعض رسائل أحبائه وأصدقائه التي أودعها في كتابهذكريات وتحت أيدينا عدد كبير من الرسائل التي توصل بها غير منشورة لم نحاول بعد تنظيمها كما هو الشأن للرسائل التي أرسلها، وقد جمعنا الكل في مجموع سميناهالرسائل المختارية. ولنرجع إلى مخطوطنا نضائد الديباج ونعرف به أولا، ونذكر ما كتبه عنه جامعه في مخطوط المؤلفون السوسيون، حيث كتب عنه يقول: كان هذا الأخ من أنفع إخواني لي في الأدب، ومن عنده تعلمت النثر المرسل، وقد جرت بيني وبينه رسائل كثيرة، في بعضها طول إلى أن تدرك خمسين صفحة طويلة، وأرى أن الأولى جمع ذلك التاريخ، فقد دخل كل ذلك في التاريخ، فلعل ما فيه من بلاغة هذا الكاتب الرباطي يراه غدا من يجهلون مكانته فيعرفون الرجل، ولكن الذي عندي ما كتبه المذكور إلي وهو كثير، وأما الذي كتبته إليه فبعضه بقي في مراكش، وبعضه لا يزال عنده، فلذلك بادرت بما عندي، فأوكأت عليه، وبقي ما هناك ينتظر التيسير، والله يزيل كل عقبة، وييسر كل عسير. هذا ما قاله جامع هذا المخطوط، الذي يحتوي كما قلنا سابقا على خمسة عشر رسالة وقصيدة جلها لابن العباس القباج، وهناك رسالتان له لم يضمهما هذا المخطوط، إحداها نتوفر على أصلها مؤرخة 13ـ12ـ1366هـ، والأخرى وهي التي ستقرأ قارئي العزيز شطرا منها وكذا شطرا من جوابها، وبعض ما كتب قبلها، وذلك كله في الفصل غير المنشور من الجزء الثاني من الإلغيات، حيث نعتقد أن والدنا تعمد عدم ذكر ذلك في كتابه الإلغيات حتى يلحقه في مجموعةنضائد الديباج، وستقرأ قارئ العزيز أيضا ها هنا بعض الرسائل المختارية التي أرسلها والدنا للقباج، ونشير فقط في هذه الكلمة الموجزة أننا احترنا في نقل هذه الرسائل، فهي تحتوي على شطرين(في كل رسالة) شطر نعتبره داخل في الرسائل الإخوانية، ويليه غالبا التطرق إلى قضايا فكرية خصوصا الأدبية النقدية، وقد ارتأينا أن نجول في الشطر الأول ها هنا، ونبين مدى حميمية وصداقة ووفاء وحب وإخلاص المختار والقباج، دون التطرق إلى الشطر الثاني الذي يحتاج لوحده لعشرات الصفحات للتطرق والخوض فيه، ونحيل القارئ إن اراد معرفة جانب النقد والأدب عند والدنا أن يرجع إلى الأعداد(49 ـ 50 ـ 51 ـ 52) من جريدة رسالة المغرب لسنة 1950م، شهري فبراير ومارس، ونعتقد أن ابن العباس القباج هو من حفزه أو دفعه إلى كتابة هذه المقالات، وتحت أيدينا العدد الأول منها بخط ناسخ وبه تصحيحات بخط كاتبها، وهي عبارة عن جواب لرسالة يندد كاتبها عن صمت والدنا إزاء نقد الأدب المغرب، ولا نستبعد أن تكون الرسالة كتبت أصلا للقباج هي والثلاثة الباقين. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر تراث والده للاتصال: 070469751 مقدمة مخطوط العلامة محمد المختار السوسي نضائد الديبـاج في المراسلات بين المختار والقباج بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد ولآله وصحبه. أحق من يحمد اللهَ من المُؤاخين، من ساق الله له من الإخوان، من تزينه معاشرته ما داما في معاشرة: ثم ترجع عليه ذكرياتُه بما هو أحلى من المن والسلوى، يوم يضرب بينهما الدهر ضرباته، فيجعل كل واحد منهما عن أخيه قصيا، ثم إذا قدر لهما أن يتصلا تحت جرات اليراع، كان اتصالهما للقارئين من المُتَع التي ينشدها القراء فيما يقرأون، وتتباهى بها دفاتر التاريخ. أحمد الله الذي يسَّر لي من كانوا لي بمؤاخاتهم جمالا في المحافل، وحفزا إلى إحراز المعالي، إذا استبق المتعالون إلى الأوج العالي، فنلت بهم رُتَبا، وحزت بهم مجدا، وحصَّلت بهم على أي فخار أتتوَّج به يوم العدِّ للمفاخر التي يُحصِّل عليها الناس بمواخاتهم أفضل الأصحاب من الناس. عندي إخوان كثيرون، منهم من واخيته وواخاني في دوْر من أدوار حياتي، ثم حالت حوائل الدهر بيننا، فلم يبق من مواخاته إلا حسن العهد، والثقة المتبادلة، وتجديد الذكريات بلمحات من لُقيَا فينةً بعد فينة، وببلاغات من التحايا تنعش ما فيها الأفئدة، كما ينعش النسيم البليل في الأسحار بروضة الأنُف من الأزهار، ومنهم من كان في كل أدوار من حياتي ممازجا بي، لم يعتر قط وهَن مَّا مَا بيننا، فإن كان اتصال فاتصال من يهوون معانقة القلوب في الصدور، وممازجة الأرواح في مسارحها، والأفكار في مطاراتها، وإن كان بَيْنٌ فإنما هو بيْنُ الأشباح، في حين أن الأرواح تتناجى بأسلات اليراع، وما مثَّل اليراع دَوْراً من أدواره بين فؤادين، إلا جلا ما يعتريهما من دَلالِ وحنُو ورِقة وصرخة، وداد في معارض بيانية تخلب الناظرين، وتبهر السامعين، ومن مهاجمات أو مدافعات تكون كالراووق للإخلاص المتين التي تجلب الخلود الأبدي. كان الأديب محمد بن العباس القباج الرباطي، الطائر الصيت في العالم الأدبي العربي، أحدَ الذين اتصلت بهم واتصلوا بي، الاتصال الذي يجمع الروح والشبح معا في قرَن، فكنت منذ عرفته، اعرف منه نطفة صافية، ونظرة صائبة، وفكرة وقادة، وصراحة منطادة(1)، وقلبا مجلوا من الريَب التي تكشف بعض القلوب، ومن التذبذبات التي يتعثر بها الوداد في ميادين المواخاة، فاتخذته لي أخا ينفُذ إلى ما لا ينفُذ إليه غيره من طيات ذات نفسي، ويوافق دائما كلما أجال فكرَه وأجلتُ فكري، فكنا نجد معا في موضع الجد، ونلهو متقارنين في موقع اللهو، ثم لكل واحد وراء ذلك حريته وهواه، فأمكن ان ينتقد أحدنا صاحبه، أو يصارحه فيما يرى منه مما يخل بشريعة المواخاة. عرفته وعرفني في حدود 1344هـ وأنا إذ ذاك تلميذ بفاس، ثم استمر هذا الاتصال التام في الرباط وفي الحمراء، حتى فرقت بيننا عوادي الدهر، ومن ذا الذي يأمن عَوادي الدهر؟ وهي الكلفة بشت كل شمل، وتمزيع كل ملموم. عرفته بشبحي وروحي، عرفته بقلبي وحواسي، عرفته في حالة الشدة والرخاء، عرفته في القرب والبعد، عرفته تاجرا وكاتبا، وهادئا وثائرا، وفرحا ومغتاظا، عرفته في كل الأحوال، فكان في نظري مثال الأخ الذي يصلح أن تتخذ مواخاتُه المثل الأعلى بما تقتضيه من النصح والإرشاد، وحفظ الغيب، وكَتْم السر، والصراحة بكل ما يعن له من غير مجمجة ولا تلجلج، ولا خير في مواخاة من يكونَ أعمى أو إِمَّعة، أو يعتاد أن يزين لصاحبه كلَّ ما يراه منه وإن لم يوافق مركزه ولا مروءته. سبق في الأزل أن يكون غالب الرسائل، التي يرسلها هذا الأخ محفوظة، ولم يصبها ما أصاب عشرات من رسائل آخرين، فعزمت على جمعها في هذا المجموع، لعل قارئا بعد اليوم يجد فيها ما يستمتع به، من مراسلة أخوين لم تلدهما أم واحدة، وإنما ولدتهما لغة واحدة وفكرة متحدة، وقد يترقى قلم الترسل بعد اليوم، فيكون ما هنا لمن يريد أن يلتفت إلى وراء، ليقيس ما يرى بما مضى نماذج موفورة، فتكون خطوة جمْعِها مشكورة. أكتب هنا رسائل الأخ التي عندي متتبعا تاريخها، ثم بعد ذلك إن توصلت بكل ما أكتب إليه فيجيبني عنه، أتبعه له لتتم الفائدة (2)ولذلك سميته:نضائد الديباج في المراسلات بين المختار والقباج. أعجل للقارئ اليوم ما عندي من رسائل الأخ، خوف العوائق، أعاذنا الله منها، ثم بعد ذلك إن شاء الله أفي بوعد أقطعه على نفسي في جمعها، وكما كان الرباطيون يرون المختار والقباج يتريضان معا، ويقبلان ويدبران معا في شارع القناصل، يرونهما أيضا متصلين في التاريخ، وما فائدة أخوَّة أدبية لم تجر ذيلها في التاريخ؟ إننا معا نقدس الأدب، ونكبر الفن الأدبي أكثر من إكبارنا لأي فن آخر، وقد سبق لنا في هذا العالم أن تموَّجَت حولنا موجة أدبية، فلنرسل من ورائنا من نُقَط مَوجِها من يرى به أَمَاءُنا من الأسن، أم من الماء النَّمير الصافي؟ سيجد القارئ فيما يلي خلال الرسائل مذكرات ربما لا توجد في غيرها، وللمذكرات فائدة على حدة، زيادة على الفائدة التي نُضِّد لها هذا الديباج، والعباراتُ التي سيقرأها ليست بعبارات صدرت إذ ذاك على أن تكون مثالا حيا يستحق الخلود، وإنما يسيل القلم، كما ينبس اللسان من غير تعمُّل، ثم كان ما كان، مما لا أقدر أن أقول إنه بليغ أو غيرُ بليغ، لأن إصدار ذلك الحكم في يد القارئ بعدنا، وقد قضينا إذ ذاك حاجاتنا بتلك المدبَّجات، فلا نبالي أهي من الحلل السندسية أو من المرقعات، ولا يتوهمن متوهم في ذلك العنوان أنني أعني به إطراء كل ما في المجموع، فإن ذلك ليس مقصودي، وإن كان لما صدر عن الأديب القباج، أكبر نصيب من ذلك الثناء لو كنت أعني به الثناء، وأي قارئ يقرأ له كل هذه الرسائل، ثم ينكر شفوف عبارته، وبلاغة يراعته بحسب البيئة التي نبغ فيها. إن مثل هذه المجاميع أهتبل بها أنا لفائدة المؤرخ، أكثر مما أهتبل بها لفائدة الأديب، الذي لا يهمه إلا المتعة فقط، ولذلك توضع، ومن تطلَّب منها غير ذلك، فقد ظلمها وظلم جامعيها، على أن لهذا المجموع بما دبجه القباج نصيبا غير قليل، وستقراه متتبعا، فتعلم أنني من الصادقين. محمد المختار السوسي لطف الله به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ المنطاد: المرتفع، ولذلك سمي المنطاد الطائر اليوم منطادا ـ المختار ـ 2 ـ للأسف لم يدون في المخطوط سوى الرسائل القباجية، وقد تمكنا من الحصول على بعض الرسائل المختارية عددها خمس رسائل، وسننشر كل الرسائل عند نشرنا للمخطوط، وسنضيف له الفصل غير المنشور في الجزء الثاني من الإلغيات، وكذا رسالتين من القباج لم تدون في المخطوط. ـ الناشرـ نماذج من رسائل الأديب محمد بن العباس القباج الرباطي المرسلة إلى العلامة محمد المختار السوسي نماذج من رسائل الأديب محمد بن العباس القباج الرباطي المرسلة إلى العلامة محمد المختار السوسي حسب ما دونه هذا الأخير في مخطوطهنضائد الديباج وسننقل هنا الأشطر الأولى لهذه الرسائل التي تبين مدى صداقتهما المتينة وحبهما الخالص الصافي: أخي الفاضل، وقرة عين الفضائل، العلامة الكبير سيدي محمد المختار، تحية زاهرة، بالأمس تناولت رسالتك العذبة المؤثرة، وقد قرأتها نحو ثلاث مرات، وسأعيد قراءتها متعة للفكر، واستيناسا بالروح الصافية المتجلية في كل سطر من سطورها، وأشهد الله أنك سحرتني ببيانك المتدفق، وأثرت في تأثيرا لم يكن له عندي سابق، ولو لم يكن من نتائج الخصومة إلا هذه الرسالة لكفى، فقد قرأتها ثلاث مرات، وسأعيدها في كل وقت يحلُو لي فيه مناجاة روح الصديق الصافية، ويطيب لي فيه الاستيناس بألفاظه وتعبيراته. الحق إن رسالتك أزالت كلَّ شيء، وأذهبت عني كلَّ وحشة وضيق، وتبرُّم بالحياة وأسبابها، فإذا كنت أسأت إليك بكلماتي السابقة، فليس سوى غيظ ساعة، وثورة نفس لا تلبث أن تعود لسكونها وصفائها، وأحمد الله على أن صادفت منك رقة العاطفة، ومنتهى الإشفاق، فتداركتَ بقلمك الساحر ما كاد تعبث به كُليمات صديق لعب به اليأس، واستولى عليه القنوط، فحاول أن ينسف صداقة تأسست على طول سنين، وتلك هي المحبة الخالصة، يصقلها العتاب، فتعود أحسن مما كانت روعة وصفاء...إلخ 21ـ 6ـ 3531 هـ üüüüüüüüüüüüü أخي الكريم العلامة المفضال سيدي محمد المختار السوسي، السلام عليكم: كتبت لكم رسالة مسهبة، أرجو أن تكونوا اتصلتم بها، وقد عزّ علي بعد إرسالها أن أولمكم بما تضمنته من أخبار أخيكم وأسراره التي يحفظها القلب بين طياته، ولا يبديها إلا متى اضطر للترويح عن القلب، مما يعانيه من كوارث الأيام، وأنت بمنزلة الروح، فلك أن تعرف كل شيء، ولك أن تطاع على ما أشعر به في هذه الحالة التي ما رأيت نظيرها قساوة وظلما، لا بد من شكوى إلى ذي مروءة، وأنت أنت كل ما بقي عندي من الذين عناهم الشاعر، ووصفهم بالمروءة، ولا بأس أن تعرف من شؤون أخيك ما كنت تفعل قديما، وتخصه بأسرارك كلها، ولكنني أعيد عليك قولك المأثور:إكرام الرسالة حرقها فهل أنت فاعل؟...إلخ 1ـ 1ـ 4531 هـ üüüüüüüüüüüüü أخي المحبوب العالم الفاضل سيدي محمد المختار، أحييكم أصدق تحية، وأتمنى لكم السعادة الدائمة والعيش الرغيد. وبعد، فالأشقياء في الدنيا كثير، وأشد الخلق شقاء، أولئك الذين تبتدئ حياتهم المضنية المثقلة بأعباء الحياة وضروب الأوجاع، فالله شاء أن يكون أخوك، المُقدر عطفك، بائسا في ميعة صباه، مهموما في شرخ شبابه، موصول الأحزان في غدوه ورواحه.. ....هو ذاك أيها الأخ، فلكم بت راضيا عن أناس حتى عن الأقارب، فإذا هم في الحقيقة عقارب، لا تكاد تنجو من واحد حتى يدركك الآخر، وهذا ما حبب إليَّ العزلة عن الناس جميعا، والبعد عن العدو والحبيب، أما أنت فمستثنى من هؤلاء، والله شهيد، ولست عندي بمنزلة الصديق فحسب، بل أعتبرك بمكان القلب مني، أخصك بأسراري، وأطلعك وحدك على ما أكنه في فؤادي، وأكتمه حتى عن والدتي التي هي كل ما بقي لي في الحياة من رفيق وأنيس... وكثيرا ما أرجع إلى رسائلك، أعيد قراءتها إذا عز الكتاب، فأتخيل نفسي أمامك في زاويتك المتواضعة، أبادلك الحديث، وأناجيك بسر الفؤاد...إلخ. 32 ـ3 ـ 4531هـ. üüüüüüüüüüüüü أخي المختار العلامة الكبير، السلام عليكم سلاما مباركا هوّن عليك فما بك من بأس، وما كنت أحسب أن التأثر يبلغ بك كلَّ هذا المبلغ، وإلا لكنت أحبس القلم عن تسطير ما أوحى إليّ به الخيال، والخيال أحيانا غارٌّ، والقلم عند الغضب جامح، ويحي من أيام الدهر، كادت تفقدني اخي الذي أعتز به يوم يفتخر الناس بخلانهم وإخوانهم، وويلي من هذا القلم المشؤوم، يوشك أن يقطع حبل المودة التي توثقت مع الأيام، وتوطدت مع الدهر.. ...أنت بنيْتَ حياتي حقا، وأشدتَّ بذكري، ورفعت مكانتي يوم جحدها الناس، وآويتني إلى ركن شديد، يوم تخلى الأصدقاء عني، ونفض الإخوان يدهم مني أحلاسَ البقر أولادها، كما تشير إلى المثل القديم. أنَّى لغيري ان يظفر بمثل أخوتك المتينة، وأنَّى لقباج آخر أن يجد مختارا في جهة من الجهات يُكرِّمه تكريما، ويُجله في الصميم؟ هذا ليس بميسور خصوصا في عصر ملأه الغرض وافسده التمويه... ...حقا لم يدر بخلدي والله أن حبك سيُنسَى، وأن مودتك ستقطع، وصفاءك سيبيد، وإخلاصك سيزول، وهل يمكن أن يتحطم كل هذا، ويتلاشى بجرة قلم؟ وهل يمكن أن تنهار صروح ليس لي ولا لك يد في بنائها وتشييدها، وإنما الله وحده شاء أن ترتبط القلوب، وتمتزج الأرواح، وتنبض هذه العروق بالحب والولاء...هدئ من روعك، واطمئن قليلا، فإخاءنا صادق لا مرية فيه...إلخ 9ـ 6ـ5531هـ üüüüüüüüüüüüü أخي الوفي الأستاذ العلامة سيدي محمد المختار، أحييكم تحية مخلص لا يكذب في حبه، ولا ينقطع عن وفائه. أما بعد، فإذا كنت ذكرتَني مرة، وأنت في طريقك إلى الدرس، فالله يشهد أنني ما برحت أتذكرك في كل وقت وآن، أما أخلاقك الزكية، وعموم صفاتك المتفردة، فلا أتذكرشيئا إلا وأتيقن العجز عن إدراكها، وإن العجز عن الإدراك إدراك. تيقن أنني أتذكرك في الصباح والمساء، والغدو والرواح، وثق أنك صرت مالئ قلبي، وشاغل فكري، وخاصة في هذه الأيام العصيبة التي اشتد فيها الخناق، وعم الضغط، حتى كأننا في عهد التفتيش... ...في ساعة متأخرة من الليل، قصدت البيت لأنام، وقد أفطرت خارج الدار، وبعدما خلعت جلبابي، وكدت أضع رأسي على الوسادة، وجدت رسالتك فوقها، فانتفضت نشطا، وفضضتها فرحا، فإذا بالمختار يطل عليَّ من خلال السطور، فقلت:الله ما أحلى الرسائل في هذا الليل الساكن، والهدوء الشامل، وما أطيب قلوبا تهيئ لها الأقدار التناجي في أوقات الراحة والصفاء، صدِّقني إذا قلت لك: إنني لم أنم بعدها، فأحاطت بي الهواجس، وامتلأ قلبي بالحنين، وتملكتني الشجون، ولي دموع بين المآقي تجول، وهذه الهواجس، وهذه العبرات الجائلة، أحدثها الحنين إلى ماض متصل بحاضر، وبين هذا الماضي والحاضر تاريخ شخصين، وحياة صديقين، جمعت قلبهما الصدفة، الصدفة الغريبة التي قلما تتفق للناس في الأرض، هذا من الرباط، ناشئ خامل لا يعرف الخَل من الخمر، وذاك من أقصى سوس بقفطانه الأحمر الفضفاض، وديع هادئ، وقد قارب بنحوله الخيال، حتى لو توكات عليه لانهدم، ولست أدري ما هي الخصائص التي تجمعهما، وتشُدّ وشائجها؟ فاجتمعا، ولكن على ماذا؟ على أن لا يفترقا أبد الدهر... ...هذا الموضوع الذي شغل بالي طول الليل كله، وهذه الأطياف التي أعادت إلى ذهني ماضيا حافلا بالذكريات والعهود، جديرة أن توحي إلي سؤالا مهما، وهو:لماذا لا يدوم هذان الأخوان على اتصال وثيق في بلدة واحدة، وبيت واحد، لا يفترقان، كما يفترق الوالد وصغيره؟ فالعلم الذي تذيعه بين الناس، أنا أحق بالاستفادة منه، والأدب الذي امتزج بدمك منذ كنت صبيا، أنا أولى بأخذه عنك، وقد اتفقت الأذواق، واتحدت الميول، ولولاهما لمَا عرفتني ولا عرفتك، ولا كان سبب لاتصالنا من عهد بعيد...إلخ. 52ـ 9ـ5531 هـ قبسات مما كتبه محمد المختار السوسي عن محمد بن العباس القباج في الفصل غير المنشور في الجزء الثاني من كتاب الإلغيات، ننقل بعضه بتصرف وباختصار ...الساعة الآن الثالثة، الوقت الذي ألفت فيه تناول السحور في كل يوم، منذ اليوم الأول من هذا الشهر المبارك، الذي قوض عنا خيامه، وأبقى لنا ما أبقى من ذكريات عن أوقاته المنظمة...منذ صلاتي للمغرب أمس، وأنا أسرح عيوني في المؤلف الذي فرغت من قسم منه منذ سنتين وسميته نضائد الديباج في المراسلات بين المختار والقباج، فقرأت مرات خطبة الكتاب.. ..كنت وقفت ما شاء الله حول هذه الكلمة من الخطبة (مقدمة المخطوط) أتلوها مرة بعد مرة جهرا..ثم بعد ذلك صرت أتتبع ما احتوى عليه المؤلف في رسائل أحس بها تبعث من أعماق فؤادي ذكريات ملتهبة، لا تنشب أن يستحيل بخارها ماء يترفرف بين جفني..هذه صبيحة عيد الفطر لسنة 1359 هـ، وها أنذا في هذه الغرفة الهادئة، وهذا ولدي عبد الله قد استيقظ أيضا من منامه..فجلس إزائي فيجدني في تفكير عميق لا يظفر معه مني بجواب، فيقول:ما لك يا أبت هل يضر بك رأسك؟ فلم أملك أن جذبته إلى حجري..فقلت: له آه لو عرفت ما يضر بأبيك؟.. إذن لأمكن بإفضائي إليك أن أجد روحا ما مما أنا فيه كما يجد مغموم يفضي إلى أحد أودائه بما يساوره من غم يتأجج في قلبه الممرض، آه يا بني إنك بت في مضجعك خير بيات، ووالداك يحوطانك من الجانبين بكل رقة وحنو، ولكن والدك بات ليلة لا يعلم إلا الله ما قاسى فيها من تململ فوق فراشه، فقد انطبق جفناه أول الليل، فرأى نفسه كأنه مع أخيه القباج على ضفة أبي رقراق وهو يقول: ألا تزال تذكر يا مختار ما مر بنا معا سنة 1347 هـ في هذه المدينة..فكنت تقعد عندي قرب كل زوال بعد انقضاء دروسك في الجامع الكبير، كما كنت ترد علي أيضا في كل عشي، فنقوم معا حين تصطبح الجدران البيضاء بذهب الأصيل فنتوجه أولا إلى باب لعلو..ثم نتوجه منحدرين إلى حيث نقف، تلاعبنا أمواج البحر برشاشها.. ..ثم استيقظت فوجدتني في فراشي، فأين ضفة أبي رقراق؟ وأين الأخ محمد بن العباس القباج؟ وأين ذلك الحديث العذب اللذيذ الذي كنت فيه منذ لحظة؟ فواها لك أيها الدهر واها، فلا تعرف شفقة على مثلي ولا تكون لمن كوتهم جذوات الغربة من الراثين، ولكن هذه عادتك التي طبعت عليها، ومن يتطلب من الأشياء غير ما طبعت عليه فإنه يتطلب جذوة نار من الماء البارد. أما بعد فهذا آذان الصبح يعلنه مؤذن الزاوية فلأُؤَد أولا حق ربي، ثم أؤوب إلى حق قلبي، وهل أداء تحية صباح العيد من مثلي إلى مثل الأديب القباج إلا من أعظم حقوق قلبي، ومن ألف أن يضيع الحقوق فإنه في شرع الوفاء زمر المروءة مجبول من ماء مهين. ...تقبل الله الصلاة كما يتقبل مني ومنك يا ابن العباس ذلك الإخاء المتين الذي وصل ما بين سوسي تجاوز داره نحو الصحراء الكبرى وبين رباطي تطل داره خارج باب العلو على سيف البحر الأطلنطيكي، فامتزجت بساطة البداوة ببراعة الحضارة، ثم تكونت منها ألفة دائمة...هذا صباح عيد يبكر فيه كل إنسان إلى صاحبه ليهنئه بالعيد، فمن أولى بأن أبكر إليه لأهنئه بهذا العيد المبارك منك يا ابن العباس؟ يا من عرفته وصاحبته فعرفت منه كيف يكون الرجال للرجال، وصاحبت منه من له نطفة لاتزال في قرارتها تزداد لأودائه صفاء إلى صفاء. هنيئا لك يا ابن العباس هنيئا في هذا الصباح الطلق بعيدين: عيد الإسلام العام الذي يتعانق فيه كل مسلم وأخوه، وعيد حظوتك بمثل هذا الإخاء الذي تفوز به دائما...على أنه لو لم يكن لك إلا هذا البدوي الوحيد لكفاك... وأنا ـ لا فخر ـ لك يا ابن العباس ذلك الواحد الذي يباركك مبادرا بهذه التهنئة، فهب يكفيك ذلك سعادة تطير بها في أجواز الحبور؟ ...إننا معشر أهل هذه الزاوية الجنوبية من هذا القطر، أحسب أننا نحرص كثيرا على ود أي إنسان اتصلنا به، لا يكاد امرؤ يخالطنا حتى يستولي على ألبابنا، ثم لا ننساه أبد الآبدين، فاعتبر في ذلك أيها الأخ، وربما كان في ذلك ما يلفت البصر، على أن ذلك إن استبنت له ليس كله حقا من الجميع. فاعتبر هذا حكما خاصا على نفسي فقط... فسر في طريقك أيها الأخ، واعلم أن هنا من لايزال لك على أية حالة كنت، فرب أخ لم تلده لك أمك، وصاحبك من كان لك كيفما كنت، ولا أتطلب منك إلا أن تصون لي من قلبك تلك المكانة التي كانت لي بالفرض والتعصيب، تحافظ عليها حتى نلتقي ثانيا إن شاء الله... ـ مد إلي يدك لأصافحك من بعيد وأهنئك من أعماق فؤادي بهذا العيد، وهنئ به نيابة عني شقيق الروح المعروف... نقلناه باختصار وبتصرف من المصدر المذكور ـ الناشرـ üüüüüüüüüüüüü وقد كان هذا الأخ بعث لي في هذا المنفى بالرسالة الآتية: ما غيرَ البعد ودا كنت تعرفه ولا تبدلت من ذكراك إنسانا ولا ذكرت خليلا كنت آلفه إلا جعلتك فوق الكل عنوانا أخي وعزيزي الكريم، الأستاذ الكبير، العلامة النفاعة النحرير، سيدي محمد المختار، رعى الله أخوتك، وحرس مهجتك، وسلامه عليك ورحمته. هذا أخوك في ساعة متأخرة من ليلة احلولك ظلامُها، واشتد قارص بردها، وقد آوى كل إلى مضجعه مستسلما إلى سكون سائد ونوم عميق، فلم يشعر من إعياء المطالعة إلا وهو يطوي الكتاب طيا ويرمي به إلى بعيد، ليتناول القلم بدافع نفسي غريب، وشوق ملح شديد، لتجديد عهد قديم، وود صميم بعد غيبة طالت سنين، وقطيعة استحكمت ظروفها النكدات، وأيامها المشؤومات، ولقد ذكرتك الآن، لا على أني نسيتك ساعة، أو غفلت عن مواصلتك بالذكريات لحظة، فإن لك في شغاف القلب حبا مطبوعا بطابع لم يتعرف إليه الناس في حياتهم..وأشهد الله أنني عاشرت صنوفا من الأصدقاء..فما وجدت لأكثرهم من عهد..أما المختار الذي عرفتني به الظروف المحمودة، فيتجلى أمام الناس مظهرا من مظاهر ائتلاف الروح، فقد جمعتني به الأقدار لأستفيد من شخصيته الكريمة، ويكون لها أثرها في رفع مستواي، فقد كنت ولا أزال أجده المثل الأعلى للإنسان الكامل في أخلاقه الزكية، وسجاياه الرضية، وعموم صفاته المستفردة، ألهج بتمجيده فخورا، وأعتز به الاعتزاز المتناهي، فكم أسدى إلي من نصح غال، وكم بذل من جهد في توجيهي توجيها طيبا لا يتطرقه غرض ولا يفسده رياء، وهي منة أقدرها له، ونعمة أقربها...فله الفضل أولا وآخرا في حياتي الأدبية الحاضرة والمستقبلية التي يغمرني دائما بفيض إعجابه بها، ويشجعني على تقويتها والسير بها إلى حيث الرفعة والسمو... إلخ 8 ـ 2 ـ 1364 هـ ـ الشطر الأول منها بتصرف ـ üüüüüüüüüüüüü الشطر الأول من الجواب شقيق الفؤاد، الصديق الصدوق والأخ الكريم، سيدي محمد بن العباس القباج، وعليك السلام ورحمة الله. في ليلة عيد المولد توصلت برسالتك التي حركت من أعماق الفؤاد تلك الذكريات التي قضيناها معا في سقاية ابن المكي 1347 هـ، حين كنا نسهر إلى أن لا يبقى إلا هزيع من الليل، ثم لا نستيقظ حتى نجد ما كانت والدتك المرحومة تهيئه لنا مما حلا وطاب، ثم نستأنف العمل النهار كله كذلك، حتى تلفح بك فكر أخيك ويراعه، حتى إنه لولا تلك الاجتماعات لما كان من يراعه لا قطمير ولا نقير، أفتريد أن تقلب الحقائق التي سطرتُها في صفحات تاريخ حياتي في غير ما مكان، فتزعم المعاكسة؟ أفلا تنصف حتى لأخيك المختار، فلولاك ما خط بيراع، ولا ضم جملة إلى جملة بالنثر العصري، ومتى كان يوم حليمة سرا؟...إلخ ـ محمد المختار ـ نماذج من الرسائل المختارية التي حصلنا عليها ننقلها هنا بتصرف وباختصار الحمد لله وحده مهلا عليك أيها الأخ محمد القباج مهلا، امش رويدا وقل ما يقبل، واطمع في ما يُطمع فيه، فالعنقاء أكبر من أن تصاد، وبيض الأنوق أعلى من أن تمسه يد، والنجم أشسع وأبعد من أن تمتد إليه كف لامس، (أم حَضَرتُك من المعتو...) ـ هكذا ـ ... أنا المختار ويدي هي هذه التي تكتب، ولاأزال في الوجود، ونفَسي لايزال يجري في مَعطِسي ولا أزال أرزق، فإن كنت قدرت لنفسك أن تتقول علي ما لم أقل، أو أن تُنحِلني ما لم أفه به، أم تنيط بي ما لم أفعل، فاصبر حتى تشيل نعامتي، ويبرد شبحي، وأغادر هذا الوجود، وأجاور سكان الأجداث، فعليك حينئذ بكل ما زوَّرتْه لك نفسك، وساقتك إليه طياتك، أما وأنا من الأحياء، ودماء العرب الأباة لاتزال تترقرق في شراييني فلا وربك، أو تزلزل الأرض زلزالها، وتخرج الأرض أثقالها، بغضبة مضرية ترتعد بها النجوم السيارة وتَتْحاتُّ بنسفاتها شوامخ الجبال الرواسي (هل أنت من السامعين). ها أنذا كما دخلت بيتي راجعا من القرويين، وقد التقيت بالعابد فأطلعني على ما كدت أصيره ـ لولا رؤية العين ـ رابع المستحيلات، وأعده مزورا ـ لو لم أعرف خطك ـ عن يدك التي كنت أتوصل منها بما يحييني ويطربني ويبهجني (إذ الناس ناس والزمان زمان)... (وجاء في آخرها) ..هذا وإني أخال بعد ذلك كله أن العذر يكاد يكون بينا ولو لم أبين، ويكون مقبولا لو لم أكرِّر، ولكن رأيت في رسالتك إلى العابد (بكل أسف) ما أتى على كل تلك الظنون الجميلة، التي علقت بأخوتك، ونيطت بودادك، فإلى الله المشتكى، وحسبي الله ونعم الوكيل. مسامحة أيها الأخ، دعني أتعلم فيك كيف أخاصم من عدا على حقوق ودادي، وكيف أقارع الحجة بالحجة، حتى أنال من الخونة (وحاشك أن تكون منهم حاشاك) ما أبرّد به غلة فؤادي... وأما أنت فمن خير الأوِدّاء وأفضل الأصحاب، لو لم ترد مني أن أوالي إليك الرسائل، وأنت لم ترد ذلك من نفسك لأخيك... أخوك محمد المختار 2 ـ 7 ـ 1346 هـ نقلناها بتصرف من الأصل الذي تحت أيدينا، وقد كتبها مؤلفها إذ ذاك وهو لايزال طالبا بالقرويين ـ الناشر ـ üüüüüüüüüüüüü الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه الأديب الكبير الذي تتهاداه الرتب تساميا، وتتجاذبه المعالي عن يمين ويمين، وكلتا يديها يمين، الأخ سيدي محمد بن العباس القباج. إيه: أتاب الزمان من ازوراره عن الأدباء في القرن العشرين، بعدما رأى منه الملك الضليل ما رأى من جانب عسيب، وما رأى منه بشار الذي غادره تيسا أعمى في سفينة، وما رأى منه ابن المعتز الذي لم لم يزوده من ذيل مبايعته إلا سحابة نهار، ثم أدرجه في الليلة المقبلة في ما أدرجه، وما رأى منه الذي تعرفه البيداء، ثم طوته البيداء طيا لم يُبق ولم يَذر، وما رأي عمارة اليمنى، الذي احتجب منه عبد الرحيم، فاحتجبت عنه السلامة من صولة بطل الحروب الصليبية، وما رأى منه ابن عمار وابن عطية وكثيرون من الأدباء، الذين كانوا نصب أعين أزمانهم، حتى لم يونسوا منه نورا، ولا لامسوا منه حبورا. قبل أن أهنئك بمركزك الجديد أنهي إليك أنني تلقيت قبل كثيرين ممن لايزالون. هذا ما وجدناه من هذه الرسالة بخط ناشئها، نقلناها من الأصل وهي غير مؤرخة ولا ندري هل أتم تحريرها أم لا ـ الناشر ـ üüüüüüüüüüüüü أخي العزيز محمد بن العباس القباج: هذه أيام العواشر، وهذا عيد الميلاد النبوي قد أطل، وهذا الذي يتهادى به الإخوان، ويحضر لكل خليله بطرفة تسر، ومنحة تقر العين، وأخوك المغتر الذي لا مال له ولا خيل، ولا تليد ولا طريف، يتقدم إليك بما لعله يقوم لديك مقام الهدايا الثمينة لدى الأمراء، وينزل منزلة الآثار القديمة لدى أرباب المتاع، فهل أنت ممن يتقبل هديته ويتنزل لتناولها؟... (وجاء في آخرها): ...ولأودعك يا أخي وداعا جميلا، ولأشكر روحك التي آنستني منذ ساعتين حتى كأنك بجسمك معي، وطربوشك المحمر منزوع عن رأسك، ومحطوط إزائي، مد يدك فها يدي ممدودة لتصافحها، إلى اللقاء، إلى اللقاء، مساء سعيدا. نقلنا مقدمتها وخاتمتها من دفتر ضم قصائد وأبياتا أغلبها للمختار السوسي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.