ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باتريك هاني (الباحث السويسري في الحركة الإسلامية) ل"التجديد": الرهان على التصوف لمواجهة الحركة الإسلامية رهان فاشل
نشر في التجديد يوم 10 - 02 - 2010

بعد مرور خمس سنوات على صدور كتابهإسلام السوق الذي تناول فيه ظاهرة الدعاة الجدد والدور الذي يمكن أن تقوم به على تخوم الحركة الإسلامية، تلتقي التجديد بباتريك هاني، مؤلف هذا الكتاب، لتناقشه في الخلاصات التي انتهى إليه، واختبار التوقعات التي أعلن عنها، كما تناقش معه تحولات الموقف الغربي من الحركة الإسلامية، وتقييمه لتجربة اندماجها السياسي، وموقفه من التطورات التي تعرفها الحركة الإسلامية المغربية.
تواترت العديد من الدراسات التي تناولت قضية موقف الغرب من الإسلاميين وبشكل خاص قضية الاندماج السياسي للإسلاميين، وبدأت تبرز مواقف مؤيدة لهذه التجربة في حين ما زالت بعض المواقف تحتفظ بموقفها الكلاسيكي الذي لا يميز بين أطياف الحركة الإسلامية المعتدل منها والمتطرف، في نظركم كيف تقيمون اختلاف الموقف من الإسلاميين داخل الغرب، وما هي السمة العامة التي تؤطر موقفه منه؟
أنا أعتقد أنه لمناقشة هذا الموقف، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل رئيسة: فهناك من جهة بعض العوامل التي تشجع بعض الحكومات الغربية أو بعض الأحزاب والتيارات الغربية لاتخاذ موقف إيجابي من الحركات الإسلامية المعتدلة، وهناك في المقابل عوامل أخرى تعرقلها وتمنعها من تقييم موقفها الجاهز من الإسلاميين. وبخصوص الصعوبات التي تمنع حصول أية مراجعة في موقف بعض الحكومات أو الأحزاب الغربية من الإسلاميين، أنا أعتقد أن العنصر الحاسم والجوهري في هذا الأمر هو موقف الإسلاميين من إسرائيل. فلا يخفى أن بعض الحكومات الغربية تبني موقفها من الأحزاب والتيارات التي توجد في المنطقة بناء على موقف هذه التيارات من إسرائيل ومن الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة.
لكن هذا لا يمنع من بروز حسابات أخرى لا ترتهن بالضرورة لهذا الموقف، فهناك على سبيل المثال قضية الاستقرار، فهناك الآن قاعدة تعمل بها العديد من الحكومات الغربية، عنوانها استقرار بأنظمة ديكتاتورية أفضل من ديمقراطية قائمة على بنيان هش لكن هذه القاعدة بدأت تتوجه لها انتقادات عديدة، وبدأت تبرز داخل الغرب، عن طريق مراكز أبحاث ومستودعات تفكير وشخصيات عامة وبعض الحكومات أيضا، أصوات مختلفة تدعو أولا للحوار مع الإسلاميين ومع حركات الإسلام السياسي، ثم تدعو إلى دراسة إيجابيات تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين ومحاولة استثمارها وتوسيع هذه التجربة في الفضاء السياسي للدول العربية المختلفة.
ويمكن أن نورد في هذا السياق مثال: مستودع تفكير مجموعة الأزمات الدولية الذي يدعو منذ فترة طويلة إلى إشراك الإسلاميين في تجربة الانفتاح السياسي في البلدان العربية، كما يدعو إلى فتح جسور الحوار مع دول الممانعة (سوريا وإيران)، بحيث نشر هذا المستودع العديد من التقارير التي قامت بدراسة مقارنة لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، وهي كلها تنطلق من نفس الأطروحة التي تعتبر أن الديمقراطية تأتي من التجربة الديمقراطية نفسها وليس بالضرورة انطلاقا من إصلاح فكري وديني سابق. ويمكن أن نسوق كمثال في هذا الاتجاه بالنسبة إلى الحكومات، دول شمال أوربا، لاسيما سويسرا التي تتحرك من منطلق دبلوماسية السلام، والرغبة في لعب دور إيجابي في التخفيف من حدة النزاعات السياسية، وهي السياسة التي تتقاطع مع الخلاصات نفسها التي أعلنت عنها الكثير من الدراسات التي تدعو إلى فتح الفضاء السياسي في وجه الإسلاميين المعتدلين ودعم تجربة اندماجهم السياسي. ولا ننسى أن نذكر أيضا مساهمة العديد من الشخصيات الأكاديمية، أساتذة في الجامعات وباحثين ومتخصصين، بدؤوا يخرجون من الحياد النسبي الذي التزموه لمدة طويلة، وبدؤوا يتحركون كمثقفين وليس كأكاديميين فقط، وأذكر هنا بشكل خاص ليفي روا.
لكن على العموم، من الصعب أن نتحدث عن موقف غربي موحد من حركات الإسلام السياسي، فمثل هذا الموقف غير موجود، كما أن مثل هذا الفهم الذي يسوي بين جميع مكونات الغرب هو في حد ذاته غير صحيح.
لكن، دعني أقول، بأن السمة العامة التي تحكم موقف الغرب من الإسلاميين ترتبط بالمصالح التي يبني عليها الغرب سياساته، وكما لا يخفى فمصالح الغرب مع الاستقرار أكثر مما هي مع دعم التحول الديمقراطي في الوطن العربي والإسلامي. لكن هذا لا يمنع من الحديث عن بداية التحول داخل مكونات الغرب على الرغم من هذا الإطار العام الضابط الذي ما زال يسود في مقاربة الأمور في المنطقة بعد 11 شتنبر .2001
تقف العديد من الدراسات التي تتناول تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين على التحولات التي تقع في فكر وممارسة الحركات الإسلامية المندمجة في العملية السياسية، بل إن العديد من الدراسات تخلص إلى أن دعم هذه التجربة يشكل بوابة حقيقية ليس فقط لمنع الإسلاميين المعتدلين من التطرف ولكن لمحاصرة التطرف نفسه وتضييق حدود استقطابه. ألا ترى معي أن بعض الحكومات الغربية حين تتموقف ضد تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين تخدم التطرف وتعزز إمكانية توسعه على حساب الحركات الإسلامية المعتدلة؟
هذا بالضبط ما يجعل بعض التيارات في الغرب تدافع عن الاندماج السياسي للإسلاميين، لأنها تعتقد أن الإقصاء التام للإسلاميين المعتدلين يؤدي لا محالة إلى تنامي التيارات الراديكالية، وهنا لا بد أن نقف عند الدور المهم الذي تقدمه التجربة التركية تجربة حزب العدالة والتنمية فهذه التجربة، تجربة مفصلية بدون شك، لأنه لأول مرة نجد حركة إسلامية سارت بكل وضوح مع تقاليد الدولة التي وصلت إلى إدارتها واحترمت الأطروحة الجيوستراتيجية العامة (إعلان الغربة في الاندماج مع الاتحاد الأوربي، احترام الاتفاقيات والتعهدات الدولية بما في ذلك الاتفاقات الأمنية مع إسرائيل، احترام اللائكية التركية، تأييد ألأطروحة الليبرالية..) فهذه هي التجربة الوحيدة التي نمسكها بأيدينا لتقييم حكم الإسلاميين، وهي إيجابية على كل المستويات، ونجد المثال العاكس نسبيا لهذه التجربة، تجربة الإخوان المسلمين في مصر، فكرة التهميش النسبي والتدريجي للقوى الليبرالية فيها (مثال طرد عبد المنعم أبو الفتوح من مجلس الإرشاد الجماعة، إضعاف تيار العمل العام في الجماعة لفائدة تقوية التيار الدعوي، بعض المواقف السلبية التي أعلنت عنها القيادة مؤخرا..) لدينا الآن هذان النموذجان بين أيدينا، وهما يكشفان بكل وضوح أن التهميش والقمع يؤدي بالضرورة إلى الانغلاق كما في الحالة المصرية، بينما المشاركة والانفتاح والاندماج السياسي يؤدي إلى التقدم والتغيير على المستوى الحركي والفكري كما في الحالة التركية (العدالة والتنمية) ونموذج الجزائر (حركة حمس) ونموذج المغرب (العدالة والتنمية).
هل تتوقعون أن هذه التيارات والمراكز البحثية والشخصيات الأكاديمية في الغرب الذين يحملون رؤية إيجابية عن الحركة الإسلامية المعتدلة وينادون بدعم تجربة اندماجها في العملية السياسية، هل تتوقعون أن هذه الأصوات سيكون لها مستقبلا دور مؤثر على صناع القرار السياسي في الغرب؟
ليس بالضرورة، لأنه لا ينبغي أن نغفل عنصرا ثالثا في الحساب، وهو عنصر غربي غربي، ويتعلق الأمر بحركة اليمين المحافظ والمتشدد التي تعرف صعودا ملفتا في الغرب في السنوات القليلة الماضية، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال الدور المهم الذي لعبه هذا اليمين المتطرف في مسألة حظر المآذن في سويسرا، وهذا اليمين يبرز بشكل لافت في كل من هولندا وإيطاليا وغيرها من بلدان أوربا. ومعالجة مشكلات الشرق الأوسط يتم على حساب الحكومات أو رعاية الآراء التي تمثلها هذه الحرات اليمينية. وطبعا، لا يخفى أنها تحمل موقفا معارضا للحركات الإسلامية. ولا يخفى أيضا أن بعض الحكومات الغربية تحجم عن فتح حوارات مع الحركات الإسلامية خوفا من ردود فعل الرأي العام الذي تؤطره بنسبة كبيرة حركات اليمين المحافظ.
ولذلك، أنا لست متفائلا كثيرا بخصوص مستقبل تأثير الأصوات المختلفة التي تحمل رؤية إيجابية من الحركة الإسلامية على صناع القرار السياسي في الغرب. لكن دينامية هذه الأصوات موجودة، وحراكها يزداد، لكن على الحركات الإسلامية من جانبها أن تدرس الفضاء الأوربي بشكل دقيق ومفصل، وأن تبتعد عن التعميم، وأن تقتنع بوجود قوى داخل الغرب يمكن أن تستند عليها ويمكن أن تحاورها كما يمكن أن تستفيد منها.
وهذه الحوارات، على كل حال، تشكل فرصة لفتح قنوات لمحاولة التفاعل المتبادل ونقل صورة إيجابية من جانب هذه التيارات عن الحركات الإسلامية. وهذا بدون شك سيرفع كثير من سوء الفهم الذي رسخته التيارات اليمينية الغربية عنها.
هذا يعني أن هناك موجتان تشتغلان بنفس المنطق على الضفتين، موجة التطرف والغلو في الضفة الإسلامية وموجة اليمين المتطرف في الضفة الغربية، ألا ترى أن المواقف الغربية التي لا تميز بين الحركات الإسلامية المعتدلة وبين الحركات الراديكالية تدعم هاتين الموجتين، ويكون الضحية في النهاية هو الاعتدال في الضفتين معا؟
المشكلة أن هناك نوعا من الإصرار المتبادل بين الراديكاليين من كل الاتجاهات، فعلى سبيل المثال، لو أخذنا قضية حظر المآذن. فهذه القضية ينبغي أن تدرس بدقة، وينبغي أن تبنى ردود الأفعال اتجاهها بكل حذر، لأن الذي نلاحظه في سويسرا هو أن كل الأحزاب السياسية تقريبا باستثناء حزبين كانوا ضد هذا القرار، بل إن كل الكنائس كانت ضد هذا القرار هذا فضلا عن الجرائد والمثقفين الذين احلنوا موقفهم الرافض لهذا القرار، وحتى الحكومة السويسرية كانت ضد هذا القرار، السؤال إذن هو من الذي يعارض المآذن ومن يعارض الإسلام؟ بالتأكيد ليس الدولة وليست الحكومة.
فهل رد فعل الشعوب الإسلامية سيكون مقاطعة الحكومة السويسرية ومقاطعة منتوجات الشركات السويسرية التي أعلنت رفضها لهذا القرار ووقفت ضده خوفا من المقاطعة؟ فما هي الإجابة التي يمكن أن تواجه بها الشعوب والحركات الإسلامية هذا القرار أمام هذا المأزق؟ أنا أظن أن الحل الوحيد هو صوت الاعتدال، وصوت التوضيح والتفسير وليس صوت رد الفعل الحماسي، لأن هذا هو ما ينتظره اليمين المهيمن في سويسرا.
أنا أتذكر الآن المواقف التي تكررت عدة مرات من عدة شخصيات من حزب الشعب اليميني السويسري مقابل المخاوف من ردود الفعل الإسلامية. قالوا: لو وجدت ردود فعل إسلامية تستوجب أن نخاف منها، فهذا يعني أن المشكلة في الإسلام، وأنه لا بد من التخوف منه ومن خطورته على هوية المجتمع السويسري وأن هذا ما يبرر حظر المآذن وهذا ما يعكس الإصرار من قبل المتطرفين من الجانبين، ونجن للأسف الشديد نمضي إلى مزيد من الاحتقان الحضاري.
نحن في إطار عولمة، كل شيء فيها يتحرك، الأموال تتحرك، ووسائل المعرفة منتشرة، ووسائل التعبير متاحة للجميع، واندماج المسلمين في الغرب يتم بشكل جيد، ففي سويسرا مثلا لا توجد مشاكل اندماج للمسلمين في المجتمع السويسري. المشكلة في سويسرا هي في وجود حرب على رموز الإسلام وليس صراع مع فئة اجتماعية معينة هي المسلمين. الأمر أصبح حربا على الرموز في كل الاتجاهات (حجاب برقع، مآذن، رسوم كاريكاتورية...) نحن دخلنا في معركة رمزية بينما الشعوب تتقارب، والذي أخشى منه أن هذه الحروب الرمزية وهذه المعارك الرمزية تتجسد ملموسا في المجتمعات في إطار المزيد من الكراهية.
في التجربة الحركية في المغرب، وتحديدا تجربة حزب العدالة والتنمية، سجلت العديد من الدراسات تقدما كبيرا لهذا الفاعل الإسلامي ورصدت مؤشرات لهذا التقدم من ذلك التمايز بين الدعوي والسياسي والتوجه للسياسات العامة وتدبير الشأن العام، الديمقراطية الداخلية وتعايش الأجيال والنخب داخل الإطار السياسي، التحولات الفكرية، التكيف مع البيئة السياسية، البراغماتية والواقعية السياسية إلى غير ذلك، أنتم كمتابعين للحركة الإسلامية ما هو تقييمكم لهذه التجربة؟
أنا لا أعرف بالتفاصيل حيثيات التجربة المغربية، لكن يمكن أن أسجل بهذا الصدد ملحوظة عامة: أنا أظن أن تجربة المشاركة السياسية لها عدة تأثيرات: التأثير الأول هو المزيد من الاحترافية وهو الذي يظهر في شكل تزايد الاهتمام بالسياسات العامة. هذه الاحترافية تحدث تحولا فكريا في نظرية العمل السياسي الإسلامي لجهة الابتعاد من الشعارات العامة. من قبيل الإسلام هو الحل و الخلافة و إقامة الدولة الإسلامية وما شابه. هذا أولا، ثانيا: المشاركة السياسية تؤدي إلى نوع من الحاجة داخل التنظيم الإسلامي للتمييز بين ما هو فضاء الدعوة ودورها ووظيفتها، وبين ما هو دور العمل السياسي، بحيث يبدأ داخل التجربة الإسلامية يتكون وعي بضرورة الفصل أو التمييز بين السياسي والدعوي، وأظن أن هذا هو التحول المفصلي الذي تحدثه تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين لأن الحركة السياسية التي تنطلق فقط من منطلق الدعوة تخلق عناصر تخوف الأطراف الأخرى منها ولا تترك أي هامش للتفاوض معها لأنهلا تفاوض مع الله، بينما الحركة السياسية التي تتحرك من منطق اجتهادات سياسية معينة، تمتلك قدرة سياسية على التفاوض والتكيف والتقدم. وأظن أن تجربة المغرب تؤكد نسبيا ما ذكرت. وأعتقد أن ما حصل في التجربة الحركية الإسلامية تجربة العدالة والتنمية يعكس تقدما إيجابيا لا على مستوى التمييز بين الدعوي والسياسي ولا على مستوى الاحترافية والتوجه إلى السياسات العامة.
يلاحظ لدى العديد من الأنظمة العربية رهان على المكون الصوفي لمواجهة الحركة الإسلامية في نظركم إلى أي حد يمكن أن ينجح هذا الرهان، وهل تتوقع أن يملأ المكون الصوفي الفراغ الذي تملأه الحركة الإسلامية؟
أنا أظن أن الرهان على التصوف لمواجهة الحركة الإسلامية هو رهان فاشل، وأظن أن هذه هي آخر ورقة يمكن أن تستعملها الأنظمة في الساحة السياسية.
هناك من الباحثين المتخصصين في الحركة الإسلامية من تنبأ بنهاية حركات الإسلام السياسي، وهناك من توقع توسعها واكتساحها للفضاء العام، وهناك إمكانية بروز توجهات بإمكانها أن تغطي على الدور الذي تقوم به الحركات الإسلامية كما فعلتم في كتابكم إسلام السوق الذي تناولتم فيه بالدراسة ظاهرة الدعاة الجدد، في نظركم، وأنتم على مسافة كافية من الخلاصات التي انتهيتم لها في دراستكم، كيف تتوقعون مستقبل الحركات الإسلامية؟
أنا أزعم أننا في مرحلة مفصلية. في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي نلاحظ أن بعض أطروحات الإسلام السياسي لاسيما أطروحة الإخوان المسلمين التي ترفع شعار إدماج المنظومة الإسلامية داخل الدولة الوطنية، قد تم تجاوزها. ونلاحظ أيضا بروز توجهات جديدة مثل المكون الصوفي ومنها أيضا التوجه السلفي الذي أنظر إليه باعتباره نوعا من تجاوز تجربة الإخوان المسلمين، ومنها أيضا تجربة الدعاة الجدد وعلى رأسها عمرو خالد، والتي تعكس نوعا من تجاوز الإسلامي دون أن تكون هناك بالضرورة تراجع للصحوة الإسلامية. ونلاحظ أيضا تجاوز فكرة الإسلام كبديل حضاري. الصحوة الإسلامية كما نشأت في مبدئها كانت نسبيا مرتبطة بالبحث عن هوية عربية إسلامية مستقلة عن الغرب.
الذي نجده اليوم هو نوع من التفاعلات الجديدة بين الصحوة الإسلامية والأنماط الثقافية الغربية بحيث إن هناك أشكالا كثيرة من التدين الجديد لا تؤسس على أساس التمايز مع الغرب وإنما تتأسس على نوع من التطبيع الثقافي. وقد حاولت في كتابي إسلام السوق أن أعالج هذه المسألة بقدر من التفصيل في عدة بلدان عربية وإسلامية مثل مصر وإندونيسا وتركيا ومن المغرب والجاليات العربية والإسلامية في الغرب. والذي انتهيت إليه في هذا الكتاب هو أن هناك نوعا من التجاوز لأطروحة الإسلام السياسي دو ن أنى يعني ذلك إضعافا لتجربة الإسلام السياسي، ونوعا من المصالحة مع الأنماط الثقافية الغربية، ونوعا من التفاعلات مع أشكال من التدين برزت في الغرب نفسه نذكر على سبيل المثال الحركات الإنجيلية الأمريكية، والحركات الدينية الغربية التي تركز على الفرد أكثر مما تركز على المجتمع، أو على التدين الخفيف دون مصادمة ثقافة الاستهلاك.
بعد مضي سنوات على دراستكم هذه ألا ترون معي أن ظاهرة الدعاة الجدد تعيش تراجعا ولم يعد لها الإشعاع نفسه الذي كان لها على الأقل في العشر السنوات الأخيرة؟
هذا صحيح، وهي ملاحظة مهمة. أنا نشرت دراستيإسلام السوق سنة ,2005 وهي عبارة عن تجميع جملة من الدراسات التي كتبتها ما بين 1995 و ,2005 وركزت بشكل أساسي في التجربة المصرية على ما يحدث في تخوم الإخوان المسلمين، ووجدت أن هناك نوعا من التدين الجديد الذي لا يمكن أن نفهمه باعتباره مشروع سياسي يرتبط بالصراع مع الغرب أو الحداثة. الذي انتهيت غليه أن هناك أشكالا جديدة من التدين حاولت أن أدرسها من الزاوية الأنثروبولوجية، لكن في هذه الفترة اكتشفت أن التوجه السلفي بدأ يحتل الفضاء، واكتشفت أنه بدأ يتنامى على حساب الإخوان المسلمين وعلى حساب أطروحة الإسلام السياسي، وهذا هو التحول الذي سجلته بعد نشري لكتابي إسلام السوق.
في نهاية خلاصاتكم اليوم، هل المستقبل سيكون لتنامي الدعاة الجدد أم التوجه السلفي أم لحركات الإسلام السياسي المندمجة في العملية السياسية والتي تدفع في خط التمايز بين خط الدعوة وخط السياسة؟
أنا أعتقد أن هذه ثلاث اتجاهات موجودة، وليس بالضرورة أن يكسب أحد الاتجاهات على حساب الآخرين، كل واحد يمثل اتجاها معينا، ويمكن أن يملأ فضاء معينا، وليس بالضرورة أن يكون تنامي هذا الاتجاه يتم على أنقاض اتجاه آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.