الزلزولي يهدي بيتيس أول نهائي قاري    أمن تيكيوين يوقف مروجي مخدرات    تأجيل قضية محاكمة ناشطين بحراك فجيج    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    أوروبا تكشف بضائع أمريكا المعاقبة    المغرب يقود إفريقيا الأطلسية نحو نيويورك    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    اتحاد طنجة يضمن بقاءه في القسم الأول من البطولة الاحترافية    صدام إنجليزي في نهائي الدوري الأوروبي    فتح تحقيق في ممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    سعر الذهب يتأثر باتفاق تجاري جديد    تطوان تُسجّل حالتين لوضع حد للحياة في يوم واحد    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية    الصين وروسيا تجددان تحالفهما عبر إعلان مشترك شامل    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    خبراء: انضمام المغرب ل"بريكس" غير مستبعد    وزير الأوقاف المغربي يقيم مأدبة غداء تكريما لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة    إنزكان : الجمارك تحجز أزيد من 12 طنا من الأكياس البلاستيكية    في عيد ميلاده الثاني والعشرين: تهانينا الحارة للأمير مولاي الحسن    مجلس تزطوطين يستقبل مسؤولي التطهير السائل ويصادق على جدول أعمال دورة ماي    المستشارون يدعون إلى تعديل خريطة الاختصاصات بين المركز والجهات    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    ترامب يهنىء البابا: شرف كبير لأمريكا    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    بعد إسقاط باكستان لرافال الفرنسية.. واشنطن تراقب أداء الطائرات الصينية المستعملة في الحرب مع الهند    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    المحكمة تغرّم جماعة الدار البيضاء 5 ملايين بسبب هجوم كلاب ضالة على مواطنة    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    زيان قبل الحكم: قول الحق صعب.. والحق لم يترك لعمر صديق    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد السلام بلاجي:
لأول مرة نجد أنفسنا أمام منهجية تشاركية في صياغة الدستور منذ الحماية
نشر في التجديد يوم 28 - 07 - 2011

قال عبد السلام بلاجي إن المنهجية التي أعد بها دستور 2011 أكثر تقدما لحد الآن، مؤكدا أنه لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة. وأوضح بلاجي أن دستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، والميثاق الأساسي للمملكة أعده الملك لوحده، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدهما الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر. ويرى بلاجي في حواره مع «التجديد»، نقدمه في حلقات، حول التطور الدستوري الذي شهده المغرب في المائة سنة الماضية، أنه قبل هذا التاريخ وبالضبط في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم يؤكد بلاجي، موضحا بأنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912. وأبرز الأستاذ المتخصص في الفقه الدستوري، أن إصدار ظهير الحريات العامة يعتبر نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، تلاه في سنة 1962 والتي عرف معها المغرب أول نص دستوري عصري.
● هل يمكن إعطاءنا نظرة عامة عن طريقة التدبير التشريع والقانوني في المغرب قبل بناء الدولة بمقوماتها العصرية؟
●● لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة قبل الإسلام اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية، وهم من الشعوب القليلة التي احترمت نسخ الرسالات السماوية: فكلما نسخت رسالة سماوية اتبعوا الرسالة الناسخة وتركوا المنسوخة، وبنفس المنطق اعتنقوا الإسلام مع استمرار أقلية بقيت معتنقة لليهودية، أما نظام الحكم قبل الإسلام فكان نظاما ملكيا وهذا ما تعكسه اللهجة السوسية مثلا: فالمملكة هي تكلديت، والملك هو أكليد وهو نظام وراثي محكوم بعدد من الأعراف القبلية والاجتماعية.
ومع اعتناق المغاربة للإسلام، استمروا على النظام الملكي مع إضفاء الطابع الإسلامي عليه: حيث يتم تنصيب الملك وفقا لعقد بيعة يصوغه العلماء يلتزم فيه الملك بخدمة الأمة أو ما يسمى «النصيحة»، ويلتزم العلماء والأعيان نيابة عن الأمة «بالسمع والطاعة»، ويقوم العلماء مع الأعيان بدور «شورى الدولة» ويعزلون الملك في حال الخيانة أو الضعف أو ارتكاب أخطاء جسيمة، كما أن الملك في الغالب يجب أن يكون من سلالة أسرة تنتمي إلى بيت النبوة، أو على الأقل أسرة مجاهدة أو عالمة: فالأول يسمى شريفا، والثاني مرابطا أو «أكرام» بلغتهم. ونظام الحكم لا مركزي: حيث يكتفي أعيان القبائل والمناطق والجهات بإعلان الولاء للدولة من خلال مبايعة الملك وتزويد الخزينة المركزية للدولة بقسط من الجبايات، بينما يحكمون القبيلة أو المنطقة أو الجهة بمقتضى الشريعة الإسلامية والأعراف التي لا تخالفها.
● ماذا عن التطور الدستوري الذي شهده المغرب منذ الحماية إلى الآن؟
●● استمر الحكم السياسي في الغالب ملتزما بهذه الأعراف «الدستورية» التي ذكرنا سلفا إلى ما قبل الحماية، حيث إنه في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم، ويكفي أنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912، حيث قسم المغرب إلى سبعة أجزاء وهي: الصحراء الشرقية وألحقت بالجزائر، ومنطقة الشمال (أو المنطقة الخليفية)، ومنطقة الجنوب الأدنى، ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وألحقت بإسبانيا، والمنطقة الوسطى ومنطقة شنقيط وألحقت بفرنسا، ثم المنطقة الدولية بطنجة. ولم يعد اسم المغرب في هذه الفترة يطلق إلا على المنطقة الوسطى المحتل من طرف فرنسا، وقد ظل طيلة فترة الحماية محكوما من طرف مقيم عام يتحكم في التقنين العام والحياة المدنية والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والوضع السياسي، بينما يمارس السلطان السلطة الدينية بمقتضى ظهائر ملكية.
وبعد استقلال المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوب الأدنى –باستثناء إيفني- كان هناك فراغ دستوري، لكن تم الاستنجاد بأعراف ما قبل الحماية وتطعيمها بأعراف جديدة: حيث تم تأسيس مجلس استشاري معين، وإصدار ظهير الحريات العامة الذي نعتبره نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، وفي سنة 1962 عرف المغرب أول نص دستوري عصري متمثلا في دستور 1962 الذي أعده أستاذ القانون الدستوري «موريس دو فيرجيه» بعدما أفشلت اللجنة التأسيسية المعينة من طرف الملك الحسن الثاني برئاسة الأستاذ الفقيه علال الفاسي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن عرف المغرب ستة دساتير آخرها الدستور الحالي: دستور يوليوز 2011. بالإضافة إلى مشروع دستور 1908. وقد ظلت الوثائق الدستورية بمجملها قاصرة عن مشروع دستور 1908، بينما ظلت النصوص الدستورية الأخرى –لسنوات 1970، و1972، 1992، و1996 قاصرة عن دستور 1962، وربما حاول معالجة الخلل لكنه رغم كل إيجابياته لم يستطع أن يتجاوز – على العموم- سقف دساتير ملكيات أوروبا في القرن التاسع عشر.
● تقييمكم للتطور على مستوى المنهجية؟
●● على مستوى المنهجية التي تم إعداد الدساتير المغربية بها تعتبر منهجية إعداد دستور 2011 أكثرها تقدما لحد الآن، فدستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدها الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر، ولجنة صياغة الدستور مكونة من أساتذة جامعيين مشهود لهم بالرسوخ رغم غلبة توجهات إيديولوجية معينة –يسارية بالخصوص- عليها، ثم لجنة تتبع مكونة من الأمناء العامين للأحزاب والنقابات المهنية، كما تقدمت الأحزاب والنقابات وبعض الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني بمذكراتها وتصوراتها للجنة الصياغة، وقد تجاوز عدد المذكرات المقدمة 180 مذكرة، كما شاركت أحزاب ومنظمات وفئات شبابية وشخصيات وطنية بآرائها من خارج اللجنة وأسلوب تقديم المذكرات، بآرائها واقتراحاتها، وكانت هناك آراء أخرى تنادي بلجنة تأسيسية منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وترفض اللجنة المعينة وما سمته بالدستور الممنوح أو حتى «دستور العبيد». وبعد صياغة اللجنة المكلفة لنص المسودة الأولى للدستور، سلمت للأحزاب السياسية -رغم أنها لم تسلم للجميع، كما لم يتح لمن سلمت لهم وقت كاف للاطلاع والتمعن- مما مكن بعض هذه الأحزاب من تقديم استدراكاتها وتعديلاتها على المسودة ولا سيما في المقتضيات المتعلقة بهوية ولغات الدولة.
وعلى العموم ورغم كل المؤاخذات المعبر عنها، يمكن القول من ناحية منهج إعداد الدستور المغربي بأننا لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة، كما يمكننا القول بأن إقرار هذه المنهجية التشاركية يعود الفضل فيه لضغوط الشارع والأحزاب ولا سيما حركة شباب 20 فبراير وضغط تحركات الشعوب العربية، التي لولاها لما كان هناك تعديل ولا تشارك، بل بالعكس كان المغرب قبل ثمانية أشهر يسير نحو نفق سياسي ودستوري مظلم بعد أن أوهم المفسدون و الاستبداديون الدولة بنجاعة خيار ما سمي «بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مع تبني نموذج الواجهة الديمقراطية إسوة بالنظامين المقبورين في كل من تونس ومصر، وكان من قدر الله أن سقط هذان النموذجان السيئان وتنبهت الدولة وعلى رأسها الملك إلى أنه لا بديل ولا نجاة ولا تنمية إلا مع تبني خيار المشاركة والحرية، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل لا بد من الكرامة والحرية والديمقراطية والمشاركة.
عبد السلام بلاجي:
لأول مرة نجد أنفسنا أمام منهجية تشاركية في صياغة الدستور منذ الحماية
قال عبد السلام بلاجي إن المنهجية التي أعد بها دستور 2011 أكثر تقدما لحد الآن، مؤكدا أنه لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة. وأوضح بلاجي أن دستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، والميثاق الأساسي للمملكة أعده الملك لوحده، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدهما الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر. ويرى بلاجي في حواره مع «التجديد»، نقدمه في حلقات، حول التطور الدستوري الذي شهده المغرب في المائة سنة الماضية، أنه قبل هذا التاريخ وبالضبط في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم يؤكد بلاجي، موضحا بأنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912. وأبرز الأستاذ المتخصص في الفقه الدستوري، أن إصدار ظهير الحريات العامة يعتبر نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، تلاه في سنة 1962 والتي عرف معها المغرب أول نص دستوري عصري.
● هل يمكن إعطاءنا نظرة عامة عن طريقة التدبير التشريع والقانوني في المغرب قبل بناء الدولة بمقوماتها العصرية؟
●● لا بد من الإشارة إلى أن المغاربة قبل الإسلام اعتنقوا اليهودية ثم المسيحية، وهم من الشعوب القليلة التي احترمت نسخ الرسالات السماوية: فكلما نسخت رسالة سماوية اتبعوا الرسالة الناسخة وتركوا المنسوخة، وبنفس المنطق اعتنقوا الإسلام مع استمرار أقلية بقيت معتنقة لليهودية، أما نظام الحكم قبل الإسلام فكان نظاما ملكيا وهذا ما تعكسه اللهجة السوسية مثلا: فالمملكة هي تكلديت، والملك هو أكليد وهو نظام وراثي محكوم بعدد من الأعراف القبلية والاجتماعية.
ومع اعتناق المغاربة للإسلام، استمروا على النظام الملكي مع إضفاء الطابع الإسلامي عليه: حيث يتم تنصيب الملك وفقا لعقد بيعة يصوغه العلماء يلتزم فيه الملك بخدمة الأمة أو ما يسمى «النصيحة»، ويلتزم العلماء والأعيان نيابة عن الأمة «بالسمع والطاعة»، ويقوم العلماء مع الأعيان بدور «شورى الدولة» ويعزلون الملك في حال الخيانة أو الضعف أو ارتكاب أخطاء جسيمة، كما أن الملك في الغالب يجب أن يكون من سلالة أسرة تنتمي إلى بيت النبوة، أو على الأقل أسرة مجاهدة أو عالمة: فالأول يسمى شريفا، والثاني مرابطا أو «أكرام» بلغتهم. ونظام الحكم لا مركزي: حيث يكتفي أعيان القبائل والمناطق والجهات بإعلان الولاء للدولة من خلال مبايعة الملك وتزويد الخزينة المركزية للدولة بقسط من الجبايات، بينما يحكمون القبيلة أو المنطقة أو الجهة بمقتضى الشريعة الإسلامية والأعراف التي لا تخالفها.
● ماذا عن التطور الدستوري الذي شهده المغرب منذ الحماية إلى الآن؟
●● استمر الحكم السياسي في الغالب ملتزما بهذه الأعراف «الدستورية» التي ذكرنا سلفا إلى ما قبل الحماية، حيث إنه في سنة 1908 صاغ مجموعة من العلماء -على رأسهم الشيخ عبد الكري مراد- وثيقة دستورية عرفت بمشروع دستور 1908، وهو مشروع دستوري جد متقدم، ويكفي أنه لا يقبل الأميين في مجلس الشورى ويقنن محاسبة الملك وعزله، وهو ما لم تصل إليه الدساتير العربية إلى اليوم، لكنه لم يعرف التطبيق إذ سرعان ما خضع المغرب للحماية سنة 1912، حيث قسم المغرب إلى سبعة أجزاء وهي: الصحراء الشرقية وألحقت بالجزائر، ومنطقة الشمال (أو المنطقة الخليفية)، ومنطقة الجنوب الأدنى، ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وألحقت بإسبانيا، والمنطقة الوسطى ومنطقة شنقيط وألحقت بفرنسا، ثم المنطقة الدولية بطنجة. ولم يعد اسم المغرب في هذه الفترة يطلق إلا على المنطقة الوسطى المحتل من طرف فرنسا، وقد ظل طيلة فترة الحماية محكوما من طرف مقيم عام يتحكم في التقنين العام والحياة المدنية والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والوضع السياسي، بينما يمارس السلطان السلطة الدينية بمقتضى ظهائر ملكية.
وبعد استقلال المنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوب الأدنى –باستثناء إيفني- كان هناك فراغ دستوري، لكن تم الاستنجاد بأعراف ما قبل الحماية وتطعيمها بأعراف جديدة: حيث تم تأسيس مجلس استشاري معين، وإصدار ظهير الحريات العامة الذي نعتبره نصا دستوريا متقدما بمقاييس الوقت، وفي سنة 1962 عرف المغرب أول نص دستوري عصري متمثلا في دستور 1962 الذي أعده أستاذ القانون الدستوري «موريس دو فيرجيه» بعدما أفشلت اللجنة التأسيسية المعينة من طرف الملك الحسن الثاني برئاسة الأستاذ الفقيه علال الفاسي، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن عرف المغرب ستة دساتير آخرها الدستور الحالي: دستور يوليوز 2011. بالإضافة إلى مشروع دستور 1908. وقد ظلت الوثائق الدستورية بمجملها قاصرة عن مشروع دستور 1908، بينما ظلت النصوص الدستورية الأخرى –لسنوات 1970، و1972، 1992، و1996 قاصرة عن دستور 1962، وربما حاول معالجة الخلل لكنه رغم كل إيجابياته لم يستطع أن يتجاوز – على العموم- سقف دساتير ملكيات أوروبا في القرن التاسع عشر.
● تقييمكم للتطور على مستوى المنهجية؟
●● على مستوى المنهجية التي تم إعداد الدساتير المغربية بها تعتبر منهجية إعداد دستور 2011 أكثرها تقدما لحد الآن، فدستور 1908 أعده العلماء أو النخبة لوحدها، ودستور 1962 أعده فقيه فرنسي بإشراف الملك، ودستوري 1970، و1972، أعدها الملك لوحده، ودستوري 1992، و1996 أعدهما الملك بتوافق مع الأحزاب السياسية ولا سيما أحزاب الكتلة، أما دستور 2011 فقد تمخض عن نقاش وطني عام دام قرابة الستة أشهر، ولجنة صياغة الدستور مكونة من أساتذة جامعيين مشهود لهم بالرسوخ رغم غلبة توجهات إيديولوجية معينة –يسارية بالخصوص- عليها، ثم لجنة تتبع مكونة من الأمناء العامين للأحزاب والنقابات المهنية، كما تقدمت الأحزاب والنقابات وبعض الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني بمذكراتها وتصوراتها للجنة الصياغة، وقد تجاوز عدد المذكرات المقدمة 180 مذكرة، كما شاركت أحزاب ومنظمات وفئات شبابية وشخصيات وطنية بآرائها من خارج اللجنة وأسلوب تقديم المذكرات، بآرائها واقتراحاتها، وكانت هناك آراء أخرى تنادي بلجنة تأسيسية منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وترفض اللجنة المعينة وما سمته بالدستور الممنوح أو حتى «دستور العبيد». وبعد صياغة اللجنة المكلفة لنص المسودة الأولى للدستور، سلمت للأحزاب السياسية -رغم أنها لم تسلم للجميع، كما لم يتح لمن سلمت لهم وقت كاف للاطلاع والتمعن- مما مكن بعض هذه الأحزاب من تقديم استدراكاتها وتعديلاتها على المسودة ولا سيما في المقتضيات المتعلقة بهوية ولغات الدولة.
وعلى العموم ورغم كل المؤاخذات المعبر عنها، يمكن القول من ناحية منهج إعداد الدستور المغربي بأننا لأول مرة نجد أنفسنا أما منهجية تشاركية موسعة، كما يمكننا القول بأن إقرار هذه المنهجية التشاركية يعود الفضل فيه لضغوط الشارع والأحزاب ولا سيما حركة شباب 20 فبراير وضغط تحركات الشعوب العربية، التي لولاها لما كان هناك تعديل ولا تشارك، بل بالعكس كان المغرب قبل ثمانية أشهر يسير نحو نفق سياسي ودستوري مظلم بعد أن أوهم المفسدون و الاستبداديون الدولة بنجاعة خيار ما سمي «بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مع تبني نموذج الواجهة الديمقراطية إسوة بالنظامين المقبورين في كل من تونس ومصر، وكان من قدر الله أن سقط هذان النموذجان السيئان وتنبهت الدولة وعلى رأسها الملك إلى أنه لا بديل ولا نجاة ولا تنمية إلا مع تبني خيار المشاركة والحرية، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل لا بد من الكرامة والحرية والديمقراطية والمشاركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.