أربعة أفراد من أسرة واحدة يفقدون حياتهم بسبب تسرب غاز في تورّوكس الإسبانية    الحكمة الدوليةالمغربية بشرى كروب تُعلن اعتزالها    رسالة صادمة من بشرى كربوب: اعتزال بسبب "ممارسات" داخل المديرية التقنية للتحكيم    أمنيون أفارقة يثمنون القيادة الملكية    بين لجنة الأخلاقيات وصفقة دواء الوزارة... إلى أين يمضي الوطن؟    منتخبات تحسم التواجد في كأس العرب    الملك محمد السادس يبدي استعداد المغرب للانخراط في جهود إحياء عملية السلام بعد وقف إطلاق النار في غزة        حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة    قبل قرعة مونديال 2026 .. الفيفا يصنف المغرب في الوعاء الثاني    اليوسفية تحتفي بالمواهب الشابة في أول مهرجان للهواة السينمائي        لفتيت يتباحث مع وزير الداخلية الفرنسي    الجزائر تخسر "تحريف قرار الصحراء"    مع نهاية نونبر .. الحكومة ترفع مبالغ الدعم المباشر للمستفيدين    الدواء .. هو السبب الأول لصداع الدولة والمواطن ؟    الاستجابة العالمية ضد الإيدز تواجه "أكبر انتكاسة منذ عقود" وفقا للأمم المتحدة    الوكيل العام للملك بالرباط يوضح الوضع القانوني لمحمد زيان    روسيا تتحدى فيفا بمقترح تنظيم مونديال رديف    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    أخنوش : الحكومة حرصت منذ تنصيبها على الاستثمار في مبادئ القرب    وضعية التحملات ومداخيل الخزينة.. عجز في الميزانية بقيمة 60,3 مليار درهم عند متم أكتوبر 2025    إحداث 81 ألف و 180 مقاولة في 9 أشهر بالمغرب    وزارة المالية: حوالي 208.8 مليار درهم.. مداخيل جبائية عند متم أكتوبر 2025    وفاة الفنانة بيونة إحدى رموز السينما في الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    العالم يقتل نساءه بصمت: 50 ألف ضحية سقطن على أيدي أقاربهن في 2024 وفق تقرير أممي صادم    مهرجان "أزاما آرت" يعود في دورته الثالثة بأزمور تحت شعار الثقافة والفن    أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه صلابة تشيلسي في اختبار كلاسيكي وسيتي يتحدى ليفركوزن    العدول يرفضون مشروع القانون المنظم للمهنة ويطالبون بسحبه    مسرح رياض السلطان يجمع النمساوية سيبا كايان والسوري عروة صالح في عرض يدمج الموسيقى الالكترونية بالروحانية الصوفية    ليلةُ الاستقلالِ والمَسيرةِ فى تونس... حين التقت الضفتان على نغمة واحدة    مشروع قانون المسطرة المدنية وإعادة تنظيم "ISIC" على طاولة مجلس الحكومة    لقجع يعبر عن استيائه من تحكيم مباراة المغرب والبرازيل ويؤكد الحاجة لتحسين الأداء التحكيمي    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية السورينام بمناسبة العيد الوطني لبلادها    "بي دي إس": سفينة جديدة ترسو بميناء طنجة محملة بشحنة متجهة إلى إسرائيل    الأمم المتحدة تتهم إسرائيل بارتكاب "مجزرة مساكن" في غزة وتربط الهدم بجريمة الإبادة الجماعية    أفغانستان تتوعد بالرد على باكستان    ميزة جديدة لتحديد الموقع على منصة "إكس" تثير جدلا في العالم    عمدة نيويورك ممداني يُظهر عشقه لأرسنال ويستحضر الشماخ في حوار بودكاست    في اليوم ال46 للهدنة... قتيل فلسطيني وقصف متواصل وخطة ترامب للسلام تتعثر    مجلس المستشارين.. نادية فتاح: مشروع قانون المالية يؤكد أولوية البعد الاجتماعي والمجالي ويرسخ دينامية الإصلاح        كيوسك الثلاثاء | وزارة الصحة تلزم مديريها بنشر لوائح الأطباء المكلفين بالحراسة لضمان استمرارية الخدمات    صنّاع الأفلام القطريون والمقيمون في قطر يؤكدون على أهمية دعم مؤسسة الدوحة للأفلام والمجتمع الإبداعي في بناء صناعة سينمائية مستدامة    ستيفن سودربرغ في مهرجان الدوحة السينمائي: سرد القصص الجيدة قائم في تكويننا وصفة مشتركة بيننا    الاتحاد الوجدي يسقط "الماط" ويمنح جاره المولودية فرصة خطف الصدارة    قافلة الدعم للمقاولات تحطّ بالمضيق... آليات جديدة لتعزيز الاستثمار وخلق فرص الشغل    إيران تعلن تنفيذ الإعدام بحق مغتصب    آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    دراسة: التدخين من وقت لآخر يسبب أضرارا خطيرة للقلب    دراسة علمية تشير لإمكانية إعادة البصر لمصابي كسل العين    مملكة القصب " بمهرجان الدوحة السينمائي في أول عرض له بشمال إفريقيا والشرق الأوسط    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الأميركية الروسية.. معادلة جديدة- بقلم منير شفيق
منير شفيق
نشر في التجديد يوم 17 - 04 - 2012

جاءت رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى فلاديمير بوتين لتهنئته بالرئاسة، بمثابة سحب فتيل التوتر الخطر الذي ساد العلاقة بين الدولتين الأميركية والروسية. وذلك عندما اتهمت أميركا بوتين وحزبه بتزوير انتخابات الدوما (البرلمان الروسي) الأخير. وراحت تحرّض الشارع الروسي للانتفاض وصنع «ربيع» روسي يطيح ببوتين وحزبه. وكان ذلك إيذاناً بمعركة كسر عظم. لأن التوجّه الأميركي لإسقاط بوتين في الانتخابات الرئاسية، أو وضعها في دائرة التزوير. ومن ثم عدم الاعتراف بشرعيته، سيدفع التناقض بين الدولتين إلى حدود قصوى.
كثيرون لم يلحظوا أن التشكيك الأميركي في انتخابات الدوما والتهيئة للتشكيك في الانتخابات الرئاسية يمسّ الوجود الروسي الراهن من حيث أتى بما يتعدّى حتى أي مساس بمصالح روسيا الأخرى، حتى لو كانت تلك المتعلقة بفناء دارها أو تهديدها بالدرع الصاروخية، أو علاقاتها بسوريا وغيرها. ولهذا جاء الفيتو الروسي في مجلس الأمن جازماً غير قابل للمساومة، كما كان الحال مثلاً في الموضوع الليبي، أو حتى في عدد من القرارات التي مرّرت ضد إيران. فالتناقض حين انتقل للمساس ببوتين وحزبه ووجودهما، ومن ثم السعي لاستعادة الحالة التي كانت عليها روسيا في عهد يلتسين أصبح الهدف المركزي في السياسة الروسية يتطلب مواجهة أميركا والرد عليها بكل الحزم المطلوب. جاءت السياسة الأميركية المذكورة في فترة تزامنت مع إعلان إدارة أوباما انتقال الأولوية في الإستراتيجية إلى المحيط الهادي، بما يعني التوجّه لمحاصرة الصين واحتوائها. وهذا الذي يُفسّر الاندفاع الصيني لتدعيم الفيتو الروسي بمجلس الأمن بفيتو ما كانت الصين بحاجة إليه لولا هذا التحدّي الأميركي. ومن ثم ضرورة الردّ عليه بحزم لم يقبل المساومة في حينه. ومن هنا جاء الفيتو المزدوج، وإن كان موضوعه المباشر متعلقاً بسوريا، ليخرج إلى العلن محوريْن متواجهيْن في المجال الدولي الأميركي الأوروبي من جهة والروسي الصيني من جهة ثانية. وبدا الأمر جِدّاً ما لم تتراجع أميركا عن التحريض ضدّ بوتين والتهيئة لعدم الاعتراف بشرعية انتخابه رئيساً حين يأتي موعد الانتخابات.
تأخرّ أوباما بضعة أيام قبل أن يُهنئ بوتين بنجاحه القوي في الانتخابات الرئاسية. ولكن هذا التأخير حين انتهى بإرسال برقية التهنئة، والدعوة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الروسية الأميركية أزيل السبب المباشر الأخطر الذي وتّر تلك العلاقات خلال بضعة الأشهر الماضية.
ثم تكلّل التراجع الأميركي بترضية أخرى من خلال الالتقاء مع روسيا في الدور الذي أنيط بكوفي أنان مبعوثاً دولياً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية وقد عُبِّر عنه بمبادرة أنان ودعم مجلس الأمن له. وبهذا تراجع خطوة إلى الخلف ما بدا انقساماً للعالم إلى محوريْ أميركا أوروبا من جهة وروسيا الصين من جهة ثانية ولكن يمكن القول إن الجمر تحت الرماد إلى أن تنتهي الانتخابات الرئاسية الأميركية وتحسم بعدها الخيارات الإستراتيجية الأميركية إزاء كل من روسيا والصين. بل إن إعلان إدارة أوباما عن انتقال الأولوية في الإستراتيجية الأميركية إلى المحيط الهادي لم يدعم بانضمام الحزب الجمهوري إليه حتى يحظى على إجماع أميركا، ويصبح الإستراتيجية التي لا تتغيّر بتغيّر الرئيس أو بفوز أحد الحزبين الجمهوري أوالديمقراطي على الآخر. وذلك كما كان الحال طوال مرحلة الحرب الباردة. يمكن أن يلحظ عند هذا الحد أن أميركا في عهد إدارة أوباما قد ورثت الإخفاقات الأميركية السياسية على مستوى عالمي ولا سيما على مستوى ما أسمته زوراً بالشرق الأوسط، فضلاً عن وراثة الأزمة المالية التي أطاحت، عملياً، بأعمدة قامت عليها العولمة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. الأمر الذي أفقدها القدرة على التحرك ضمن إستراتيجية محددة المعالم، أو سياسات تحمل درجة من التماسك والاستمرارية. ولا مبالغة إذا قيل إن السياسة الأميركية خلال الثلاث سنوات الماضية اتسّمت بالارتباك والتردّد والتقلب وفقدان التماسك. وكان آخر الدلائل على هذه السمة تغيُّر الموقف من هجوم كاسح لإسقاط بوتين بعد انتخابات الدوما الأخيرة إلى تراجع ملحوظ حول السياسة باتجاه الاعتراف غير المنقوص أو الغامض بعودته رئيساً لروسيا، بل ومدّ يد التعاون، والتلويح بتقديم تنازلات ترضية بدأت ببعثة كوفي أنان، وهمست بإمكان الدخول في مفاوضات جديدة حول إستراتيجية الدرع الصاروخية. البعض قد يفسّر ذلك بسبب انشغال إدارة أوباما بمرحلة الانتخابات الرئاسية. ولكن ذلك صاحَبَ إدارة أوباما طوال الوقت إذا ما دُقق جيداً في السياسات الأميركية بالنسبة إلى أغلب القضايا الرئيسة التي تعرّضت لها. هذه المعادلة الجديدة التي حدثت بعد التراجع الأميركي عن المعركة التي فتحتها ضدّ بوتين وحزبه إثر انتخابات الدوما أدخلت العالم في مرحلة انتقالية بالنسبة إلى العلاقات الأميركية الروسية. فهذا التراجع لا يكفي للخروج برؤية لما ستؤول إليه العلاقات خلال السنة الراهنة وإلى انتهاء المعركة الانتخابية الرئاسية الأميركية. فالتوتر الذي كان سائداً حتى برقية أوباما بتهنئة بوتين قد هدأ ولم يعد في المستوى الذي حتّم الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن. ولكن في الوقت نفسه لا يكفي للقول إن المساومة أصبحت في متناول اليد، أو شبه حتمية بالنسبة إلى المواجهة التي اتخذت مسرحها في الأزمة السورية. فالأمر هنا متوقف على المدى الذي يمكن لإدارة أوباما أن تذهب إليه في الاعتراف بالدور الروسي الشريك في إدارة شؤون العالم، كما بالنسبة إلى موضوع الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ. وهذان موضوعان مترابطان ويقعان في المرتبة الإستراتيجية الثانية لروسيا بعد المعركة التي فُتحت ضد بوتين وحزبه. لأن الأخيرة كانت تمسّ الوجود السوري من حيث الأساس أو من حيث أتى. ولكن مع إغلاق ملف الانتخابات البرلمانية والرئاسية الروسية سيقفز فوراً موضوع الدور الروسي في تقرير مصائر الوضع الدولي. فروسيا اليوم استعادت الطموح الذي فرضه الاتحاد السوفياتي في مرحلة الحرب الباردة. ولهذا ثمة من وجدوا شبهاً بين الفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن من حيث تحدّيه الصارخ لأميركا وأوروبا من جهة والإنذار السوفياتي الذي أصدره بولغانين في أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقد اعتُبِر في حينه أن الاتحاد السوفياتي قفز ليصبح لاعباً دولياً موازياً لأميركا. طبعاً يمكن لمن يريد أن يجد فروقاً بين الحالتين المقارنتين. ولكن مع كل وجاهة تلك الفروق عند الغوص في التفاصيل فإن ما رمز إليه الفيتو الروسي في مجلس الأمن ورفض كل عروض المساومة عليه يجب أن يُفهم باعتباره دوراً جديداً لروسيا غير ما كان عليه الحال خلال عشر السنوات الماضية، ودعك من مرحلة يلتسين الهزيلة المسخ. صحيح أن ما يسعى بوتين إليه من مساومة أميركا عليه ليس بالسهل أو المقبول بالنسبة إليها. ولكن ما آلت إليه من ضعف على المستوى الدولي والاقتصادي من جهة وتركيزها على مواجهة الصين باعتبارها الدولة الكبرى الأخطر عليها وعلى السيادة الغربية عموماً من جهة ثانية، يجعلان أميركا أكثر هشاشة أمام مطمح بوتين بانتزاع شراكة ندّية معها. والسؤال هل يمكن للإستراتيجية الأميركية بالرغم من الاعتباريْن المذكوريْن أن تعمل على تحييد روسيا في الأقل في حالة استمرار ما أعلنته إدارة أوباما من نقل أولوية الإستراتيجية إلى المحيط الهادي لمواجهة الصين، أم ستنتهج تجربة أخرى في العلاقة ما بين، كل من الصين وروسيا؟ الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تنتظر صيف العام 2013 بعد أن تستقر الإدارة الأميركية حتى لو انتخب أوباما مرّة أخرى، ولم يفز الجمهوريون بها. وبالمناسبة ثمة مشكلة خطرة داخل أميركا نفسها تتمثل في عدم تشكل إجماع وطني على الإستراتيجية الأميركية الحالية والقادمة. الأمر الذي يشكل نقطة ضعف لا تقلّ أهمية عما تعانيه من ضعف دولي واقتصادي متعدّد الأوجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.