استيقظت حوالي منتصف الليل ولم أعد إلى النوم، كان حلما مرعبا، بل كان كابوسا، لقد هربت من مجتمع الناس لأختلي بنفسي بحثا عن ذاتي التي سرقوها مني لسنين عديدة، لكن صور البشاعة والقبح التي حفظتها ذاكرتي تلاحقني، وتشعرني إني لم أحقق غايتي التي من أجلها أنا هنا. صور الجنود المدججين بالأسلحة وهم يقتحمون منازل الأبرياء العزل، يقتلون ويسرقون، يغتصبون الأطفال والنساء أمام أعين الآباء والأبناء والأزواج، يتلذذون بإيذاء الناس، ويبتسمون ويضحكون وهم في حالة من النشوة القصوى لرؤية ضحاياهم يسترحمونهم ويتوسلونهم ويستعطفونه، لكن المجرمين يبالغون في تعذيبهم وإذلالهم. صور الطائرات التي تقصف بعشوائية ودون أن تراعي حرمة بيت أو مكان عبادة، أو ملجأ، أو مدرسة..لتتحول الأجساد التي كانت مفعمة بالحياة، والقلوب التي كانت مليئة بالأحلام إلى أشلاء تتطاير في كل مكان وكأن البشر مجرد أشياء لا قيمة لها، لاشيء غير راوائح البراز والبول والدم والعفن. صور قبائل الجياع والمشردين الذين لا يملكون من متع الدنيا إلا أجساما نحيلة ونحيفة تتغذى على نفسها قبل أن تنتهي نهايتها المأساوية. أناس فقدوا صورتهم الآدمية ليتحولون إلى كائنات غريبة المطهر والشكل لا تمد إلى بني البشر بصلة: فهذه أمّ بهيكل عظمي تمد ثديا عبارة عن جلدة متدلية ومرتخية لشبح طفل مشوه الخلقة بفعل الجوع والجفاف، وما عاد يقوى على البكاء، متعانقان يمضيان نحو الموت، والأغنياء الذين امتلأت جيوبهم وبطونهم يراقبون المشهد بكل قسوة قلب وكأن هؤلاء ليسوا منهم. آلاف الأطفال والرجال والنساء يكدّون ويتعبون من أجل لقمة عيش، يعملون ليل نهار لذا أناس جشعون، لا يرون فيهم إلا عبيدا، يعاملونهم بقسوة، وشدة بعد أن نزعوا أراضيهم وأفقروهم مستغلين أميتهم وجهلهم. وهذه صورة الطفلة ذات العشر سنوات والتي كانت في غرفتها تستعد ليوم دراسي غدا، وتحلم بالحب والأمل تُقتحم غرفتها من قبل جنود حاقدين على طفولتهم ويتناوبون على اغتصابها دون رحمة وينهون مسرحيتهم البشعة بقتلها وقتل كافة أفراد أسرتها...والرجل الشيخ الحمال يجر عربته كالحمار وهو المثقل بسنوات العمر الطويلة والبضائع ، ولا من يرحم أو يعطف، الناس يمرون ويعبرون ولا أحد تأخذه شفقة فيمد الساعد لتقيم العون، والطفل الذي يقتل بين أحضان أبيه في شارع عام وعلى مرأى البشر والحجر من قبل تافه حقود.. إني لأقف عاجزا عن إيجاد المبررات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والفلسفية والدينية.. التي تبرر اغتصاب طفل، أو إبادة جماعة عرقية أو دينية، أو قصف أسرة آمنة، إلا إذا كان من يقوم بهذا العمل القذر شخصا كان أو حكومة شيطانا بائسا، أو مدمنا على الشر ومتعة القتل، أو رهن غرائزه العدوانية، أو يعاني خللا نفسيا،أو يعقر المخدرات، أو تعرض في طفولته للمهانة والانحراف فتشكلت لديه روح قذرة وحقيرة وخبيثة، وهذا ما تدل عليه الوقائع التي عايشتها.. صور مفزعة وقاسية حلمت بها هذا المساء، أعادتني على حين فجأة إلى ذلك العالم الذي لم يعد يربطني به غير ذاكرة أجاهد لتنظيفها وإعادة تأهيلها من جديد أملا في خلق ذات جديدة تتغذى من هذا الفضاء الذي لا يمدني إلا بصور الجمال والصفاء حتى أستطيع أن أستمر بهدوء المصطفى فرحات [email protected]