كثيرا ما أسلنا ولا نزال المداد بغزارة ونحن ننتقد الدولة ومختلف أجهزتها وفروعها وأنظمتها ونعتبرها المسؤول الأول، والحصري في بعض الأحيان، عن تخلفنا ووضعيتنا المزرية وكافة أشكال الفساد والريع ووو التي يعاني منها الشعب المغربي ... غير أن قليلا من التفكير والتأمل والموضوعية و تفكيك طرائق التفكير و أنماط السلوك اليومية لدى هذا " الشعب المقهور" ، والذي نضعه ، دوما، مقابل "الدولة /المخزن المستبد(ة) والفاسد(ة)..." يجعلنا نطرح أسئلة تحتاج إلى أجوبة مقنعة ،وربما تكون(الأجوبة) الجواب الشافي والمنطقي عن جزء، على الأقل، من أزمة القساد بكافة تجلياتها وتمظهراتها، التي نعيشها وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة... وسأكتفي ، في هذه المقالة المتواضعة، بطرح سؤال واحد: هل المجتمع/الشعب دوما وأبدا ملائكي مقهورو الدولة/المخزن دوما وأبدا شيطان متجبر فاسد؟ في البداية، لا بد من توضيح أمر مهم حتى لا يزايد علي أحد فيه، هو اتفاقنا،جميعا، على أن الدولة تتحمل جزء من المسؤولية في التخلف الذي يعيشه المجتمع المغربي منذ قرون، غير أن المختلف فيه، من وجهة نظري المتواضعة، هو مسؤولية هذا المجتمع وهذا الشعب في الوضعية المتخلفة التي يعيشها. فغالبا ما نتجنب أو نتحاشى انتقاد أو كشف مكامن الخلل في هذا "الشعب المقدس" ونركز مدافع هجومنا على مصطلحات فضفاضة أحينا تعني في ظاهرها الجميع ولا تعني في عمقها جهة محددة كالدولة و المخزن و النظام وغيرها. إن التخلف الذي أعنيه هنا يشمل الحالة التي يعيشها المجتمع المغربي، في جزء كبير منه، في مختلف أبعادها بدءا من طرق التفكير والمرجعيات الفكرية والفلسفية لهذا التفكير مرورا بالسلوكات اليومية الناتجة عن تلك المرجعيات وانتهاء بالإنتاج المادي والمعنوي لها، وبمعنى آخر كل تلك العمليات الذهنية والسلوكية المفرزة للحالة المادية والسوسيوثقافية للمجتمع المغربي المعاصر. لإبراز مسؤولية ومساهمة المجتمع/الشعب، دون تعميم طبعا، في صناعة تخلفه ، يكفي طرح السؤال التالي: ماذا لو كان المجتمع المغربي، في أغلبيته الساحقة متحضرا، ديموقراطيا وصالحا... والدولة متخلفة، فاسدة مستبدة...؟ هل سنكون في الوضع المتخلف الذي نعيشه الآن؟ الجواب ، في نظري، هو لا. فأينما وليت وجهك تجد رائحة الغش والفساد، بل أصبحنا نشك في الجميع وفي كل شئ بدءا من الأمور البسيطة اليومية ومع أشخاص بسطاء يشبهوننا. فمجرد شراء لتر زيت زيتون صافية أو ربع لتر عسل"حر" يجعلك تفكر ألف مرة من أين وممن لأن ظاهرة " تزويرها" وخلطها بمواد أخرى أصبحت سائدة من طرف "أولاد الشعب الأطهار" و قس على ذلك باقي المواد. ومن مظاهر التخلف في التفكير والسلوك الذي نساهم في صنعه، نحن معشر "الشعب المسكين"، عدم احترامنا لبعضنا البعض وازدرائنا لبعضنا البعض واعتبار كل واحد منا للآخر منافسه وسبب تعاسته و "ذئبا" يجب أن " يتعشى به قبل أن يفطر،هو،به". فمعظمنا يعتقد بفكرة " الآخر هو الجحيم"، وبالتالي "يجوز" خداعه وغشه و استغلاله والكذب عليه حتى "نفوز" عليه وإلا سينتصر هو علينا، فلا خيار بينهما. ويتضح هذا في أبسط الأمور كتقديم "النصح والمشورة" حيث هناك فئة متخصصة في "النصائح" الهدامة المخرِّبة عن سبق الإصرار والترصد. إذ لا يهنأ لهم بال حتى يفلس من لديه بعض المال أو يتورط البرئ . إن من يرمي القمامة والأزبال في كل مكان يصنع التخلف ... إن من يقصد مكانا مزدحما بالناس وينفث فيهم دخان سيجارته يصنع التخلف... إن من يختار الأماكن العامة للعراك مع أهله واستعمال القاموس النابي الفاحش يصنع التخلف... إن التلميذ الذي يغش والأستاذ الذي يراقبه دون أن ينه عن المنكر يصنعان التخلف... إن المدرس والموظف اللذان يحترفان الإدلاء بالشواهد الطبية للتنصل من الواجب يصنعان التخلف... إن التاجر الذي يغش في سلعته والكساب الذي ينفخ نعجته...إنما يصنعان التخلف... إن الفقيه( الطالب) الذي يتخلى عن واجب النصح والتبليغ و يهتم فقط ببطنه إنما يزرع التخلف... إن التلميذ(ة)/الطالب(ة) الذي/اللتي ي/ت همل الدراسة والتحصيل العلمي وي/ت هتم بالبارصا والريال و"خلود" أكثر من الصلاة ، إنما يعيشون التخلف..... ما أكثر المساهمين في صناعة التخلف ! و من عموم وبسطاء الناس الذين يطلق عليهم " المجتمع" أو " الشعب" المفردة المرعبة خاصة إذا أضيف إليها " الشعب يريد" ، دون أن نفكر أو نتأمل بأن هذا الشعب ، في معظمه وليس كله، يمارس يوميا سلوكات تتنافى مع ما " يريد". ولعل الشعار الذي يجب أن يكون هو " الشعب يريد أن يتغير(هو بنفسه) إلى ما يريد...فالكل يريد الديمقراطية وقلَّ من يمارسها في منزله أو تنظيمه فهذا النقابي جالس على رأس نقابته منذ تأسيسها وذاك رئيس حزب طليعي "ديمقراطي" لم يتزحوح عن كرسيه منذ سنوات طوال عجاف....و آخر شيخ ينادي بتغيير النظام كله دون أن يفكر بأنه يترأس تنظيمه منذ عقود ولا ينوي أن يترك الزعامة إلا بالموت وربما يورثها لأحد افراد عائلته ...و ينتقد أتباعه "الطقوس المخزنية" دون أن يدروا أنهم يمارسون طقوسا ربما أكثر تطرفا... إن نقد أي جهة أخرى خارج الذات رياضة نتقنها جميعا، غير أن توجيه أصابع النقد وربما الإتهام لذواتنا و "شعبنا" ووضع تفكيرنا الجمعي وسلوكنا المجتمعي تحت المجهر فتلك مهمة صعبة ...غير أنه لا مناص من القيام بذلك لأن الكثير من العلل ومظاهر التخلف التي نعيشها نحن، شئنا أم أبينا ، طرف فيها ويجب تغيير ما بأنفسنا كي يغير الله ما بنا. يجب أن نكون(نحن) التغيير الذي ننشده، كما قال الزعيم غاندي.