الخط : إستمع للمقال من ذا الذي تجرأ اليوم، بعد أكثر من عقد من الزمن، على نبش قبر عبد الله باها لتدنيس ذكراه؟ من هذا الذي لا يردعه لا حياء ولا شرف عن المتاجرة بموت رجل قضى قضاءً وقدرا؟ ومن هذا الذي، بدل أن يحترم حرمة الأموات، ارتضى أن يستثمر في جراح قديمة، ويبيعها وقودا لحملات التحريض والكذب؟ أيادٍ قذرة حركت الخيوط من وراء الستار، وأوكلت مهمة التنفيذ إلى من احترفوا السقوط الأخلاقي والإفلاس المهني. شخص يعرف دهاليز حزب العدالة والتنمية من الداخل، خبر أسرار أروقته، وارتبط لسنوات بدفاعه عن رموزه الملاحقين بقضايا أخلاقية، قبل أن ينقلب عليهم حينما أُغلق باب المصالح. شخص لفظه حزبه بعدما أثقلت كاهله الديون والفضائح، ففرّ إلى كندا لاجئا تحت مظلة الإفلات من العقاب، وحمل معه جعبته الممتلئة بالأحقاد لتصفية حساباته مع كل شيء: مع الحزب، مع الدولة، ومع الوطن. ذلك الشخص ليس سوى عبد المولى المروري، المحامي السابق، الهارب من العدالة المغربية، المتورط في قضايا نصب واحتيال وشيكات بدون رصيد، والمطارد بملايين الدراهم من الديون تجاه الضمان الاجتماعي والضرائب ومواطنين عاديين.ولم يكتف علي المرابط بنقل الأكاذيب عنه، بل حاول التمويه على حقيقته بادعاء كاذب أن مصدره كان جزءًا مما يسميه "الدولة العميقة"، في محاولة يائسة لإضفاء مصداقية وهمية على أكاذيب مكشوفة. بعد أن فشل المروري في تحمل أبسط مسؤولياته القانونية، ها هو اليوم يهرب إلى الخارج، ويتحول إلى مصدر أكاذيب، يبيعها لمن وجدوا في حقدهم المزمن ضد المغرب سوقًا رائجة لاستثمار الإفك. عبد المولى المروري هو من زود المرتزق علي المرابط بهذه القصص المختلقة حول وفاة عبد الله باها. والمرابط، بدوره، لم يتردد لحظة في التقاط هذه البضاعة الفاسدة، وتقديمها على قناته بكل ما أوتي من دجل وتحريض. هكذا تتكامل حلقات الخيانة: مصدر ساقط، ناقل ساقط، وغرض دنيء واحد: ضرب المغرب ومؤسساته حتى عبر جثث موتاه. ولأن الكذب لا يكتمل إلا برش المزيد من البهارات، سارع المرابط إلى تكرار روايات بائدة حول وفاة عبد الله باها، مستندا إلى شخص ساقط قانونيا وأخلاقيا، ليطعن في حيثيات الوفاة الثابتة منذ سنة 2014. وهنا وجب التذكير بأن وفاة عبد الله باها لم تكن يوما لغزا ولا جريمة مدبرة، بل حادثا عرضيا موثقا بالتحقيقات القضائية والتقنية. فقد أثبتت تحريات الدرك الملكي، المدعومة بالتشريح الطبي، والمعاينات الميدانية، وإفادات سائق القطار وحارس المعبر، أن الوفاة كانت نتيجة اصطدام مباشر بقطار متحرك أثناء عبوره السكة الحديدية، دون أن تكون هناك أي شبهة جنائية أو مؤامرة. ما يزيد في انكشاف مؤامرة هؤلاء، هو محاولتهم الساذجة اتهام "المخزن" بنشر فرضية الانتحار. والحقيقة أن أول من طرح علنا فرضية الانتحار لم يكن جهازا رسميا ولا موقعا إعلاميا يُنعت أنه تابع للدولة، بل كان الصحافي خالد الجامعي. ففي حديث مطول أدلى به لموقع هسبريس بتاريخ 8 دجنبر 2014، أي بعد يوم واحد فقط من الحادث، صرح الجامعي بأنه "لا يعتقد أن وفاة عبد الله باها مدبرة"، مستبعدا وجود مؤامرة، ومؤكدا أن "المخزن أذكى من أن يقدم هدية مجانية للعدالة والتنمية بجعل أحد قيادييه شهيدا". وأوضح الجامعي أن باها لم يكن يشكل أي تهديد حقيقي لمن قد يفكر في تصفيته. لكنه بالمقابل، لم يستبعد أن يكون ما وقع "حادثا عرضيا أو حتى انتحار". بهذا الطرح المبكر، يكون خالد الجامعي هو أول من أثار فرضية الانتحار، ليس بدافع التحقيق أو اليقين، بل كمجرد تساؤل تحليلي بعيد عن أي سند واقعي، في لحظة كانت فيها كل الاحتمالات مفتوحة بحكم الصدمة. ومن الخبث أيضا أن يعمد هؤلاء إلى نبش شائعات تمس سمعة الرجل. حيث تم تسريب إشاعات حول الميولات الجنسية للفقيد، وهي إشاعات لم تصدر عن أجهزة الدولة ولا عن الإعلام الذي يقال أنه محسوب عليها، بل جاءت من أوساط قريبة من عبد الله باها نفسه، لأغراض مريبة بقيت في طي الكتمان ولأسباب يعرفها أصحابها أكثر من غيرهم. تلك الأوساط التي حامت حولها شبهات تصفية حسابات داخلية أو خدمة لأجندات شخصية بطرق خبيثة، حاولت استغلال سيرة رجل ميت في ترويج قصص حقيرة لا أساس لها من الصحة. وهكذا، سقطت ورقة التوت عنهم جميعا، إذ لا المخزن ولا مؤسساته كانوا وراء هذه الإشاعة، بل القرب والنذالة ممن كانوا بالأمس يظهرون الود ويتآمرون في الخفاء. والمثير للغثيان أن من بادر إلى نبش ملف وفاة عبد الله باها اليوم هم فقط الخونة والطوابرية المقيمون في الخارج، الذين لا يعرفون للكرامة وزنا ولا لحرمة الأموات احتراما. لم تبادر الدولة المغربية، ولا أية جهة يقال أنها محسوبة على المخزن، إلى إعادة فتح هذا الملف، لا تصريحا ولا تلميحا، بل احترمت مؤسسات المغرب الرسمية حرمة الرجل، واعتبرت أن موته كان قضاءً وقدرا. بينما هؤلاء، ممن امتهنوا الخيانة والابتزاز، لم يتورعوا عن تحويل موت رجل شريف إلى مادة دنيئة للمتاجرة والتحريض، دون أن يرف لهم جفن أو يخالجهم إحساس بالعار. أي مستوى من الانحطاط بلغته هذه الطوابير المأجورة؟ حتى الموتى لم يسلموا من حقارتهم. إن الذين يعتدون على حرمة عبد الله باها اليوم، لا يسيئون إلى الدولة ولا إلى حزب بعينه فقط، بل يسيئون إلى قيم الرجولة والإنسانية التي لفظوها منذ زمن بعيد، وإذا كان هناك من حقائق محتملة رويت أو ستروى، فإن من يحاولون اليوم بشكل خسيس النبش في القبور هم من يتحملون المسؤولية، لاسيما إذا كانوا هم أول من يقفون وراء الروايات المسيئة للفقيد. الوسوم المغرب بوغطاط المغربي عبد الله باها عبد الإله بنكيران علي لمرابط