الخط : إستمع للمقال في مشهد سياسي لا يخلو من الدلالات العميقة، اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يمد السجاد الأحمر لقادة دول تشهد علاقاتها مع الجزائر توتراً أو قطيعة، بينما تم تغييب الجزائر، الحليفة التقليدية لروسيا حتى وقت قريب، عن احتفالات "يوم النصر" في موسكو، هذا الغياب لم يكن مجرد فراغ بروتوكولي، بل نقطة تحول في علاقة ظلت لعقود توصف بالاستراتيجية. ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو إبراهيم تراوري، وقبله المشير خليفة حفتر، يحظيان باستقبال رسمي من بوتين، غابت الجزائر عن المشهد كلياً، وهي التي كانت، حتى وقت قريب، تُعدّ من أقرب حلفاء موسكو في شمال إفريقيا والعالم العربي، لكن تغير الاصطفافات والحسابات، باتا يعيدان رسم خريطة العلاقات الروسية في القارة، ويقودان إلى استنتاج واضح مفاده أن الجزائر لم تعد ضمن الدائرة الأولى من أولويات الكرملين. هذا الاستبعاد لا يأتي في فراغ، فالجزائر تخوض خلافات معلنة مع حفتر على الحدود مع ليبيا، أما مع دول الساحل، وعلى رأسها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، فتبدو العلاقات في أسوأ حالاتها منذ عقود، حيث أقدمت هاته الدول على قطع علاقاتها واستدعاء سفرائها لدى الجزائر، احتجاجا على إسقاطها طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي، معتبرين أن "هذا العمل اعتداء على كامل منطقة هاته الدول"، ومعبرين عن "إدانتهم الشديدة لإسقاط طائرة مالية مسيرة من قبل الجزائر"، مؤكدين أن "القضاء على الإرهاب يمثل صراعا وجوديا" بالنسبة لهم. وهنا تبدو روسيا، التي كانت شريكاً صامتاً للجزائر، وقد غيرت لهجتها ولائحة أصدقائها، فبوتين لم يكتف بعدم دعوة الرئيس تبون، بل اختار أن يحتفي بمن يمثلون اليوم الاتجاه المضاد للسياسات الجزائرية في المنطقة، وهي رسالة سياسية بلغة باردة وكأن بوتين يقول للنظام العسكري الحاكم في الجزائر، "موسكو لا تنتظر أحداً، ومن يتأخر في تأييد مصالحها قد يجد نفسه خارج المشهد". ومن جهتها الجزائر، تحاول في الآونة الأخيرة خاصة بعد عودة ترامب للبيت الأبيض وتأكيده على مغربية الصحراء، مراجعة تحالفاتها عبر التقرب من واشنطن، حيث ظهرت بوادر الانفتاح عليها، عبر اهتمام متزايد بالأنظمة الدفاعية الأمريكية، بالإضافة إلى توسيع هامش التعاون الأمني مع شركاء جدد في غرب إفريقيا، لكن هذا التحول لم يمر دون أن تدفع الجزائر الثمن ودون خسائر، وأحدها خسارة الدور التقليدي في التنسيق مع روسيا بشأن الملفات الساخنة. إن استقبال بوتين لخصوم الجزائر في لحظة رمزية ك"عيد النصر"، بينما يغيب الرئيس تبون، يعكس أن التحالفات القديمة لم تعد صامدة أمام الواقع الجديد، حيث المصالح تطغى على الذكريات، والبراغماتية تُعيد صياغة الخرائط. يبقى السؤال مطروحاً، هل ستتجه الجزائر نحو قطيعة حقيقية مع موسكو؟ أم أن ما يجري هو مجرد اختبار حدود النفوذ في مرحلة انتقالية دولية وإقليمية؟ الأكيد أن تحركات بوتين الأخيرة لن تمر مرور الكرام في قصر المرادية، حيث ستُقرأ كما هي وأنها "رسالة روسية صريحة بأن الجزائر لم تعد شريكاً استثنائياً في مناطق شمال إفريقيا والساحل والصحراء". الوسوم أمريكاالجزائر المغرب بوركينا فاسو دول الساحل روسيا فرنسا