الخط : إستمع للمقال لسنا في حاجة الى القول بأن المغرب نجح في إنشاء مؤسسات دستورية وامنية قوية وصلبة، كما لسنا في حاجة إلى ذكر ان هذه النجاح خلق له مشاكل مع أعدائه من مختلف الجهات، وجعله هدفا للكثير من معاول الهدم التي تشوش على مساره وتعمل بأناة وطول نفس وباسلوب ممنهج حسب ما تقتضيه القواعد الجديدة للعصيان والمغامرة ضد شرعية المؤسسات. وهكذا نتابع بتركيز أنه كلما تقاربت وتكاثفت خطوط التمييز بين الدوائر السياسية والمصالح الاقتصادية والسلطات المضادة، التقى صراع الطموحات مع كوكبة من المنفيين طواعية الذين يتعمدون اطلاق هجومات ضد البِناء السِّيادي للمملكة. بل إن البعض منهم أطلق العنان لخياله ولجرأته كي يبدأ في التخمين في ما بعد المرحلة التي نعيش فيها حاليا، وبالتالي بدأ البحث بشكل اعتباطي ومرتبك، عن موقع يرضي مطامعه الانانية في هذا الانتقال الافتراضي. ولقد لاحظنا أن أولى اشارات الانذار، والتي ما زال البعض يعتبرها فعلا معزولا، تجلت في الهجوم المعلوماتي (السبيراني) الذي تعرض له الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي كان من نتائجه أن صار أزيد من مليوني ملف سري، يحمل هويات اصحابه ومسارهم المهني او الوضعية العائلية الخاصة بالمنخرطين فيه، بين ايادي غير معروفة. وقد تهيَّأ للسلطات المعنية منذ الوهلة الاولى ان الامر يتعلق بهجوم سيبيراني اجرامي مصدره عدو خارجي، غير أن التحليل الدقيق للمنظومات الداخلية ولمنطق القرصنة الذي تعرضت لها والاجال الذي تمت فيها وكذا التداعيات الاعلامية ووسائل انتشارها ، كلها عناصر أبانت عن وجود فرضيات اخرى أكثر إثارة للقلق والانزعاج دون استبعاد فرضية التعاون مع جهات خارجية. ذلك ان الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي لا يمكن اختزاله في مجرد صندوق ! اذ انه إحدى الرافعات المادية للحماية العمومية والعلاقة الملموسة بين الدولة وشغيلتها. ثم إن استهداف هاته الموسسة ذكرتنا، رمزيا، بأن الهجمات التقنية ظاهريا يمكن ان تخفي في الواقع هجمات سياسية موجهة لخدمة المصالح الشخصية ! إضافة إلى كل هذا، فقد انتشرت قبل وبعد هذا الاختراق، حملة هجومية نادرة العنف ضد وجوه اساسية من وجوه الدولة المغربية، ومن هاته الوجوه عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للامن الوطني ومديرية حماية التراب الوطني (الديستي) ، باعتباره يشرف على مؤسسة ذات حساسية كبرى في ضمان أمن الوطن، بل إن هذا الرجل يتعرض لحملة وضيعة وبلا هوادة بالرغم من أنه هناك مؤسسات أمنية اخرى لها نفس الحساسية وعلى رأسها مسؤولون نكن لهم كامل الاحترام والتقدير، ولذا فإن هذه الضربات المتتالية لا يمكن تفسيرها كضريبة النجاح لوحدها بل يمكن التفكير في كون تلك الجهات وإن كانت تنفذ أجندتها في الخارج فإنها تتلقى توجيهاتها من الداخل، وهذا هو اللعب بالنار بعينه .. والحالة هذه، فعبد اللطيف الحموشي، اصبح يُجسِّد نموذجا فريدا و نادرا في ما يتعلق بالتراتبية العقلانية الخاصة بالدولة، حيث المشروعية لا تتعارض أبدا مع النجاعة العملية والميدانية. و يشهد الواقع أن المؤسسة الأمنية عرفت تحت سلطته اعادة تأسيس عميق جدا لعهد جديد يتميز بالارتقاء بمهنية العاملين فيها، وتطوير سلسلة القيادة، وتحديث وعصرنة الاستعلامات التقنية، والانفتاح في وجه التعاون الدولي بدون ذوبان السيادة الوطنية.. والحموشي فوق هذا وذاك لا يدبر القطاعين أو يديرهما بالكلام ( بالهَضْرة كما يقال بالدارجة ) بل... بأسلوبه الخاص، وفيه تصدق مقولة :«الاسلوب هو الرجل !».. وبالتالي فقد نجح بقوة في ضمان توازن أساسي في المهام والوظائف .. والواضح أن نجاح هذا الرجل في مسؤولياته الأمنية في ظل سياق اقليمي يتميز بعدم الاستقرار ، هو أصدق تعبير من كل خطاب ، بحيث تترجم فعلا الثقة الثابتة لجلالة الملك محد السادس في شخصه، كما تعكس الانخراط الصامت للمؤسسة التي ترى فيه رجل المهمات العليا والراقية. ولعل من البديهي أن نستنتج بأن وراء الهجمات المنسقة التي تستهدف الأجهزة الأمنية في بلدنا، يتراءى باستمرار ويتكرر بانتظام عدد من الأسماء، مثل حلقات من منظومة احتجاج من خارج التراب الوطني! أسماء أشخاص ما هم في الحقيقة سوى أدوات: كان أولهم ادريس فرحان قبل الزج به في السجون الايطالية، ثم علي المرابط المرابط في اسبانيا، و يليه في الأخير، هشام جيراندو الهارب الى كندا وبالتالي فكلهم مستقرون في الخارج ، ويشاركون في مخطط التشهير بالمغرب منطلقين من منصات بلغات اجنبية أو روابط اعلامية فضائية مرددين خطابا مناهضا لجهاز الدولة. واذا كان من الثابت أن علي لمرابط يخضع ويمتثل لأجندة جزائرية تُعلن عن نفسها، فإن ادريس فرحان، قبل اعتقاله في ايطاليا وهشام جيراندو ، وبالرغم من ارتباطهما بالجزائر، يتم توظيفهما في إطار عمليات تصفيات حساب مغربية مغربية! وهذا التخمين يطرح فرضية أن هناك جهة ما من الداخل، تريد الإجهاز على عبد اللطيف الحموشي وتعريضه للنِّقمة الشعبية عبر شيطنته وتحميله مسؤولية جرائم وهمية. والحال أن للشارع رأيه الخاص في الرجل ، ذلك أن الذي صالح المواطنين مع شرطتهم، يلقى الثناء وكل عبارات التقدير من طرف المغاربة في الشبكات التواصل الاجتماعي ويطلب نظراؤه الغربيون والافارقة والعرب التعاون معه. ولسنا في حاجة الى القول بأن التوافد الكبير والتفاعل الايجابي والرائع للمواطنين مع الأبواب المفتوحة التي ينظمها الأمن الوطني كل سنة، ما هي الا علامة على الاحترام والتقدير الذي يكنه المغاربة لشرطتهم! فعدد زوار أيام الأبواب المفتوحة التي نظمتها إدارة الأمن الوطني مؤخراً بمدينة الجديدة، تجاوز المليونين والنصف لاول مرة، بكل ما يحمله هذا الرقم من رمزية إضافة إلى ما يقرب من الفين مؤسسة تعليمية زار تلاميذها الأبواب المفتوحة، وما يوازي هذا الرقم من هيئات المجتمع المدني. وبالتالي فإذا اقتصرنا على أرقام السنوات الثلاث الاخيرة فقط، سنجد أن المغاربة يتسابقون اكثر فأكثر لحضور هاته التظاهرة، وهذا ما يخيَّب آمال صُنَّاع حملات التشهير التي طالت منذ شهور عديدة شخص الحموشي، علما انه أفلح ونجح باقتدار في ترجمة المفهوم الجديد للسلطة الذي اطلقه جلالة الملك محمد السادس عند اعتلائه العرش، ترجمةً عمليةً ملموسة. الوسوم أجهزة الأمن المغربية أمن المغرب الأمن الحموشي المغرب الملك محمد السادس