الخط : إستمع للمقال نجاعة المؤسسة الأمنية في المغرب قصة نجاح وطني، أطلقها الملك منذ اليوم الأول الذي قرر فيه أن يتعرف المغاربة جميعهم على كبار المسؤولين عن جهاز المخابرات بالتعيين المعلن لكل من عبد اللطيف حموشي مديرا عاما لمديرية مراقبة التراب الوطني ومحمد ياسين المنصوري مديرا عاما للمديرية العامة للدراسات والمستندات. كانت رسالة الملك من وراء تسمية المسؤولين عن أجهزة المخابرات علنا هو إضفاء الشفافية على عمل هذه المؤسسات والقطع مع التجارب السابقة التي تنظر إلى أجهزة المخابرات بوصفها بنيات غير قابلة للتعرف وغرفا مظلمة تحاط بالسرية كما هو شأن كل المؤسسات الاستخباراتية في العالم. وفعلا بعد أكثر من عشرين سنة على هذا الاختيار الملكي نحو تعزيز شفافية المرفق الأمني والاستخباراتي بالمغرب، نجحت المؤسسة الأمنية في أن تكون جزءا من عمليات التحديث والإصلاح والتخليق بوصفها الخيط الناظم لكل التحولات التي جرت خلال سنوات حكم الملك محمد السادس. لقد كانت الغاية من هذا التحول في العلاقة مع المرفق الأمني الاستخباراتي، هو إعطاء إشارة واضحة من العهد الجديد مفادها أن المؤسسة الأمنية شأنها شأن باقي مؤسسات الدولة تشتغل في إطار القانون وسلامة العمليات ويسود بداخلها نظام صارم للمحاسبة يمنع التعسف في استعمال السلطة أو إساءة استخدامها وأن كل أعمالها تقع تحت رقابة الإبلاغ الإداري والقضائي. بعدها حدثت مراجعات قانونية تمنح لضباط المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني الضفة الضبطية وتم مدها بذراع قضائي لمكافحة الإرهاب يشتغل تحت إشراف القضاء ووفق للمساطر القانونية. دستوريا أيضا بدأ التفكير في الانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الأمني والاستخباراتي من خلال إحداث المجلس الأعلى للأمن بوصفه هيئة تشاورية وجهاز لمأسسة السياسات والقرارات والاستراتيجيات الأمنية. لم تكن زيارة ملك البلاد إلى مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني يوم الثلاثاء 24 أبريل سنة 2018 حدثا عابرا أو فقرة في برنامج أنشطة ملكيةوقد كانت تلك الصورة الجماعية داخل مقر المديرية تحمل دلالات رمزية قوية، ودون الخوض كثيرا في سياقاتها التاريخية ورمزيتها المكانية، يكفي القول إن النظرة الاستباقية للملك في تقدير أهمية الإصلاح وإحداث التحول داخل المؤسسة الأمنية بما يجعلها قادرة على مواجهة التهديدات الكلاسيكية والناشئة، لا يمكن أن تخطئ اختيار الشخص المناسب لإنجاز كل هذه التحديات حيث وجد الملك في شخص عبد اللطيف حموشي البروفايل المناسب، وبعد سنوات أصبح العالم كله يشهد بنجاعة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، وأصبح للمغرب نموذجه الأمني الخاص في تقدير المخاطر ومكافحة الإرهاب والتهديدات الناشئة عنها. أصبح للمؤسسة الأمنية شراكات مع كبريات أجهزة الاستخبارات الدولية، وموقع قدم في منتديات البحث عن الحلول الأمنية للإشكاليات المطروحة. لقد اختار المغرب نموذجه الأمني الخاص منذ البداية، فإذا كان الملك قد أطلق هذا النموذج من خلال أسلوب مغاير ينبني على وضوح السياساتوالمسؤوليات والأسماء، فإن تعزيز هذا النموذج تطلب البناء على هذا التراكم وتشكيل نهج أمني وطني قادر على مواجهة المخاطر والتحديات دون حاجة إلى تجريب النماذج المستوردة التي تشجع المجتمع على الصمود، ضمن ما يطلق عليه ب"بناء القدرة الوطنية المجتمعية على المواجهة"، أكثر مما تحفز على تعزيز الوظائف الكلاسيكية للأجهزة الأمنية بهذه الدول. فبينما تجرب دول أخرى تعزيز قدرة المجتمع على العودة بأسرع وقت إلى الأنماط العادية بعد وقوع الحوادث الأمنية، يحافظ النموذج الأمني المغربي على صرامته في مواجهة الأخطار، من خلال تبني مقاربات تقوم على منع وقوعها عبر إجهاض العديد من المشاريع الإرهابية مثلا. ومع كل التحولات التي عرفتها المؤسسة الأمنية كان الملك أول المدافعين عنها في مواجهة المشككين والعدميين، وهو الذي رأى أن مستقبل هذه المؤسستين في جمعهما تحت قيادة واحدة، وبين الفينة والأخرى كان يبعث برسائل مشفرة إلى كل الجهات الخارجية، مؤسسات ودول، التي تسعى للنيل من سمعة الأمن وقياداته. واليوم تواجه المؤسسة "صناع الاحتقان" وهم نسخة متحورة من العدمية تنهج أسلوب التشهير والابتزاز. لم تتعرض مؤسسة لحملة تشهير مثلما حدث مع المؤسسة الأمنية، لكن وبعد سنوات من التشهير المقيت تبين أن مواصلة العمل والهدوء ثم التجاهل، لمعرفة مسبقة بأهداف وأجندات حملات التشهير، عوامل أفشلت كل محاولات شيطنة المؤسسة الأمنية أمام الرأي العام.