الخط : إستمع للمقال في أعقاب الهجمات المشتركة الأخيرة من قبل إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية ضد إيران دعت بعض الأصوات في العالم الإسلامي بما في ذلك في المغرب إلى تضامن مبدئي مع الجمهورية الإسلامية. و تكمن الحجة المركزية لهته الدعوة في جملة واحدة: «إنه بلد مسلم». صحيح أن الدعوة إلى الأمة حمّالة لقوة خطابية مؤثرة لا شك فيها. ومع ذلك فإن هذه الدعوة تُخفي واقعًا تاريخيًا ومعاصرًا أكثر تعقيدًا. الأديان بعيدًا عن كونها عوامل موحدة منهجية غالبًا ما تكون مسرحًا أو ذريعة لانقسامات عميقة وحروب دموية وتحالفات ظرفية تحكمها المصالح أكثر من الإيمان. الدين يوحد ويفرق من رسائل الأديان دورها في التوحيد الأخلاقي والاجتماعي والثقافي بكل يُسرٍ وسهولة. ومن ناقلة القول أنها تُنظم المجتمعات وتؤسس التضامن وتعطي روحا وهدفا ومعنى للعمل الجماعي. لكن قدرتها على تجاوز المصالح السياسية أو الجيوستراتيجية تظل محدودة. تاريخ البشرية مليء بالصراعات التي كان فيها الدين عامل تقسيم وأحيانًا داخل نفس الطائفة. في الفضاء المسيحي مزقت الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت أوروبا لقرون. ورغم أنها كانت مسيحية إلى حد كبير شهدت أوروبا القرن العشرين حربين عالميتين. لم يمنع الدين الهمجية على الإطلاق ولا حتى التحالفات غير الطبيعية. التاريخ شاهد على سلسلة طويلة من الصراعات الدينية ولكن أيضًا والأهم من ذلك من الحروب بين أتباع نفس الديانة. في العالم الإسلامي أدت الانقسامات بين السنة والشيعة إلى عداوة دائمة وغالبًا ما تكون دموية. وفي وقتنا الراهن لا يزال الانقسام الحاد سائدا في الشرق الأوسط: سوريا اليمن لبنانالعراق... في كل مكان تؤسس الخصومة بين المحور الإيراني وأعدائه السنة تحالفات تغلب على الشعور بالانتماء المشترك إلى الإسلام. لكن بعيدًا عن هذا الانقسام العقائدي نلاحظ وجود العديد من الصراعات بين الدول الإسلامية. نتذكر أن العراق بقيادة صدام حسين غزا الكويت في عام 1990 مما أدى إلى اندلاع حرب الخليج الأولى والتي انحازت خلالها عدة دول مسلمة إلى جانب القوى الغربية. قبل ذلك كانت حرب إيرانوالعراق (19801988) واحدة من أكثر الصراعات دموية في القرن العشرين داخل العالم الإسلامي حيث واجه نظامان يدعيان الإسلام أحدهما شيعي والآخر سني-وطني بعضهما بعض في صراع لا يرحم. لعبت العداوة الطائفية دورًا لكن التحديات الجيوسياسية والحدودية والإقليمية تجاوزتها بشكل كبير. يمكن أيضًا الإشارة إلى التدخل العسكري لمصر تحت قيادة ناصر في اليمن (1962-1967) دعمًا للثورة الجمهورية ضد القوات الملكية المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية. هذاالصراع العربي- العربي يوضح مرة أخرى أن الانقسامات الأيديولوجية والتنافس على القيادة غالبًا ما طغت على أي فكرة للأخوة الدينية. منذ عام 2015 تدخلت عدة دول مسلمة عسكريًا ضد المتمردين الحوثيين الزيديين في اليمن وهم حركة شيعية مدعومة من إيران. وأخيرًا قام مسلمون مواطنو نفس البلد بقتل بعضهم البعض بشراسة في حروب أهلية كما حدث في الجزائر (1991–2002). تذكرنا هذه الأمثلة إن كان الأمر يحتاج إلى دليل بأن المجتمع الديني لا يكفي لإلغاء منطق القوة والطموحات الوطنية أو الاستياء التاريخي. الأمة أفق أخلاقي مفهوم الأمة الذي يفترض تضامنًا عابر للأوطان بين المسلمين ينتمي أكثر إلى المثالية اللاهوتية منه إلى الواقع السياسي. منذ القرون الأولى للإسلام تكاثرت الانقسامات: نزاعات على الخلافة وتمايزات عقائدية وتنافس على السلطة. لا الخلافة الأموية ولا الإمبراطورية العباسية ولا الإمبراطورية العثمانية استطاعت تحقيق وحدة دائمة للعالم الإسلامي. في كل عصر خاضت الدول الإسلامية حروبها الخاصة وأبرمت تحالفاتها الخاصة أحيانًا مع قوى غير مسلمة ضد دول إسلامية أخرى. في العصر الحديث لم تتمكن لا جامعة الدول العربية ولا منظمة التعاون الإسلامي من تجسيد تلك الأمة العربية الإسلامية المنشودة. هاتان المؤسستان تعانيان من الانقسامات الداخلية والشلل في اتخاذ القرارات والعجز السياسي في مواجهة الأزمات الكبرى (فلسطينسورياالعراق ليبيا) غالبًا ما حلت التصريحات محل العمل. المنظمتين تعانيان من انقسامات عميقة بسبب التوجهات الجيوسياسية المتباينة والتنافس على النفوذ بين القوى الإقليمية وغياب رؤية مشتركة حول القضايا الكبرى في العالم الإسلامي. مثال العلاقة بين الجزائر والمغرب يوضح بحد ذاته فشل التضامن المفترض « الطبيعي » بين الدول ذات الدين الواحد. البلدان جاران أمازيغ عرب وأفريقيان يشتركان في لغة رسمية ودين أغلبية وثقافة مشتركة وتاريخ من النضال ضد الاستعمار وروابط إنسانية لا يمكن إنكارها. لا شيء من كل ذلك منع العداء الجزائري المستمر والممنهج. منذ عقود تخوض الجزائر حربًا ضد المغرب بواسطة ميليشيا البوليساريو. لو كان الدين على وجه الخصوص يمتلك أي قوة توحيدية في حد ذاته لما وصلت العلاقات بين البلدين إلى هذا المستوى من التدهور. الأمة ليست سوى أفق أخلاقي وتوظيفها في مهرجانات خطابية لا يمكن أن يحل محل تحليل قائم على الحقائق. حلول سيئة إن العلاقات الدولية تخضع لمنطق القوة والمصالح بغض النظر عن الدين ولقد شهدت الاتفاقيات الإبراهيمية قيام عدة دول مسلمة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ليس لأنها تخلت عن القضية الفلسطينية ولكن لأنها اعتبرت أن مصالحها الاقتصادية والأمنية تتطلب ذلك. فيما يتعلق بإيران لا يمكن للدين وحده أن يشكل حجة قاطعة أو أساسًا كافيًا للتضامن. العديد من الدول الإسلامية تتردد في دعم إيران لأنها تشك في نواياها أو تعتبرها قوة مزعزعة للاستقرار أو لأنها ابرمت تحالفات أخرى. مسألة التضامن مع إيران لا تُطرح في المغرب بشكل مجرد مما يوضح كل التعقيد الدبلوماسي والحساسية الداخلية. إذا لم تكن الحجة الدينية كافية لتأسيس تحالف فإنها لا تمنع الأزمات خاصة عندما تتراكم التناقضات. العلاقات بين الرباط ونظام الملالي لها تاريخ سيئ: منذ السنوات الأولى للثورة الإسلامية تم تكفير آية الله الخميني رمزياً من قبل الملك الراحل الحسن الثاني وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين عدة انقطاعات. يتهم المغرب إيران بدعمها العسكري للبوليساريو وكذلك بتلقين وتدريب قادتها في لبنان بالتعاون مع حزب الله. تُتهم طهران أيضًا بمحاولة نشر التشيع في المملكة وهي متمسكة بإسلامها السني المالكي مما يُعتبر اعتداءً مباشرًا على استقرارها الديني. في الحرب بين إيران وإسرائيل المغرب ليس لديه سوى حلول سيئة ولا يمكنه حتى اختيار أقل الأضرار. هي مواجهة بين السيئ والأسوأ حيث يتعين على المغرب إما دعم خصم معروف أو يجد نفسه ضمنيًا إلى جانب إسرائيل القوة التي لم تضر بمصالح المغرب أبدًا ولكنها مرفوضة من قبل شريحة واسعة من الرأي العام المغربي الذي يدعم القضية الفلسطينية. هذا المأزق يفسر بلا شك الصمت الحذر للحكومة التي لم تشارك في التصريحات العربية الإسلامية الداعمة لإيران. مرة أخرى تتفوق حقيقة التحالفات والمصالح الوطنية على الدعوات إلى الوحدة الإسلامية. التضامن المطلق و المبدئي القائم على الدين هو وهم دبلوماسي لأنه لا يستقيم مع تناقضات العلاقات الدولية. وعليه فإن الدعوة إلى التضامن مع إيران فقط لأنها «دولة مسلمة» يُعتبر نهجا ساذجا وعاطفيا لا مكان له في تحليل منطقي وواقعي للعلاقات الدولية. الوسوم الدين والتضامن ايران علي عاشور