الخط : إستمع للمقال تناسلت التعليقات الساخرة على البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الجزائرية، عقب القصف الذي تعرضت له قاعدة «العديد» الأمريكية في قطر، حيث أن البيان كان درسا في .. الغرابة السياسية في العلاقات بين الدول! فقد سجل الجميع أن خارجية النظام الجزائري أعربت عن «بالغ قلقها إزاء مستوى التصعيد المتفاقم الذي بلغته الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الانتهاكات لسيادة دولة قطر وحرمة ترابها». وزاد البيان أنه أدان «هذه الانتهاكات الصارخة وغير المقبولة، كما تشدد على تضامنها ووقوفها إلى جانب دولة قطر». غير أن الذي استرعى انتباه المعلقين وأصحاب القرار هو أن الهجوم تم تسجيله ضد .. مجهول! ذلك لأن نظام العسكر تفادى ذكر البلاد التي قامت بالهجوم وهي هنا إيران، وتفادى تسمية الدولة التي قامت بانتهاك سيادة دولة قطر، وتجاهل ذكر البلاد التي قال إنها قامت بانتهاك حرمة التراب القطري.. وهو بحق بلاغ شديد الغرابة. ويكشف في الوقت ذاته عن الدوخة الكبرى التي تعيشها دولة العسكر الشرقية. ومقارنة مع كل الدول العربية الأخرى، تفردت الجزائر بهذا الموقف الغريب، بسبب فقدان البوصلة في التعاطي مع تطورات الشرق الأوسط، لاسيما وأن الحليف الذي بنت عليه كل توقعاتها في المنطقة يتعرض لعملية تجريف أستراتيجية كبيرة. بالعودة إلى التعامل الذي طبع نظام العسكر، نسجل بأنه ظل من بين الأنظمة العربية القلية جدا التي ظلت على علاقة وتواصل مع نظام الملالي في طهران، وفي هذا السياق، كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قد زار الجزائر في خضم المواجهات العسكرية بين طهران وتل أبيب. وحاولت الدولة الشرقية أن تسوق لهذه الزيارة، على أساس أنها موقف بطولي، في وقت كانت الكثير من المواقع الخبرية العالمية تركز على ما يمكن أن يصيب النظام العسكري من الشظايا السياسية والعسكرية المتطايرة جراء الحرب على إيران، وعلاقة نظام العسكر بنظام الملالي ومشاركة ضباطه في تدربيت الحرس الثوري. وقد زادت عزلة الجزائر في الوسط العربي، عما كانت عليه، مع الموقف المشترك لدول الخليج في مجلس التعاون الخليجي، وارتفاع مواقف الإدانة لما قامت به إيران.. وبالرغم من كل ما يمكن أن يسجل عن قطر، فقد كان الهجوم عليها من طرف إيران امتحانا عسيرا لدولة الجزائر لم تنجح في تجاوزه. هكذا أضاعت الدولة العسكرية الشرق العربي، كما سبق لها أن أضاعت غربه. الجزائر، وكما أظهرت ذلك الزيارة التي سبق أن قام بها وزير خارجية إيران إلى الجزائر في أبريل الماضي، واستقبل خلالها من طرف الرئيس تبون نفسه كانت تعول على إيران لتعزيز حضورها في إفريقيا، وهو الأمل الذي صار عليها أن تنتظر كثيرا لمغازلته! فإيران التي تعتبر نظام العسكر شريكا محوريا لها في القارة الأفريقية تعيش انحسارا صعبا للغاية لم يسبق أن عاشته حتى في عز الحرب الطويلة الأمد مع العراق، أو بعد حروب الخليج المتتالية، وقد ارتكبت خطأ فادحا في حق المغرب، جعلها تسْتعدي بلدا عاقلا يحترم سيادة الدول ولا يجنح للحروب، مقابل صداقة متذبدبة مع نظام يعيش نفس العزلة حاليا. وعليه ومن غريب الأجندة السياسية لكلا النظامين المغلقين، أن إيران تواجه عزلة إقليمية وضغوطا في الوسط العربي والإقليمي والدولي، وتخضع لعملية تقليم واسعة بفقدان حلفائها ومجالات تحركها العسكري والسياسي في سوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وفي الوقت ذاته تعيش الجزائر وضعا مماثلا في فقدان مجالها الحيوي في الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء بعد التشجن والقطيعة مع العديد من دول المنطقة منها النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي أعلنتها دولة خصما لها. علاوة على عزلتها في الفضاء الأورو متوسطي بسبب الخلافات مع إسبانيا وفرنسا تباعدت الفجوة بينها وبين حليفها التقليدي روسيا، بسبب العديد من الملفات، لا سميا منها تعاون روسيا مع الدول الساحل الأفريقي وسعي الجزائر إلى مغازلة أمريكا، من أجل استبدال عرَّابها الدولي.... فظهر أن النظام الغريق شرقا يتشبث بنظام غريق مثله.. غربا! الوسوم إيرانالجزائر فرنسا