لم يكن أكثر المحللين السياسيين تشاؤماً يتوقع انفجار المواجهة الصاروخية بين إسرائيل وإيران بهذا الشكل المفاجئ، خصوصاً في ظل استمرار المحادثات بين طهران وواشنطن حول الملف النووي الإيراني، والتي كانت في مراحل متقدمة، حيث كان يتم خلال تلك الفترة بحث وتقييم مخرجات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جولتها الخامسة، والتي خلصت إلى اتهام إيران بانتهاك التزاماتها الدولية فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم. في تلك الأثناء، أعلنت طهران عن نيتها استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة في منشأة "فوردو" بأخرى أكثر تطوراً، مع الشروع في إنشاء منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم، في خطوة بدت بمثابة تصعيد استباقي قبيل الجولة السادسة من المفاوضات مع الولاياتالمتحدة. إلا أن العالم استيقظ فجأة على وقع هجوم صاروخي نوعي نفذه الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي الإيرانية، أسفر عن مقتل عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين، في عملية عكست تفوقاً استخباراتياً إسرائيلياً لافتاً مكّنها من تحقيق ضربة مباغتة حاسمة. ورغم نجاح إسرائيل في توجيه هذه الضربة الأولى، إلا أن رد الفعل الإيراني جاء سريعاً ومفاجئاً من حيث الحجم والجرأة؛ إذ لم تمضِ سوى 24 ساعة حتى ردت طهران بهجوم صاروخي واسع النطاق، استخدمت فيه طائرات مسيّرة اخترقت الأجواء الإسرائيلية، محدثة خسائر مادية وبشرية جسيمة على مدى الأيام الثلاثة اللاحقة. وبالنظر إلى مجريات الأحداث، يمكن استخلاص مجموعة من المؤشرات المهمة، يأتي في مقدمتها حجم الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي داخل العمق الإيراني، والدقة في استهداف شخصيات علمية وعسكرية رفيعة المستوى، فضلاً عن قدرة إسرائيل على تجنيد عملاء داخل إيران. في المقابل، أثبتت طهران قدرتها على الرد بقوة غير متوقعة، والوصول إلى أهداف حيوية داخل إسرائيل، رغم الظروف الصعبة التي تعيشها بعد سلسلة من الضربات التي استهدفت حلفاءها في المنطقة؛ بدءاً من اغتيال إسماعيل هنية، مروراً بانهيار النظام السوري، وتراجع قوة حزب الله في لبنان، وصولاً إلى استهداف جماعة الحوثي في اليمن من قِبل الولاياتالمتحدة. في جانب آخر، يرى بعض المحللين أن الهدف الحقيقي من الضربة الإسرائيلية كان يتمثل في تعطيل مسار المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا، ومنع التوصل إلى اتفاق قد يعزز من نفوذ طهران الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل توتر العلاقات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يضغط لإفشال أي تسوية سلمية للملف النووي الإيراني. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن الضربة الإسرائيلية سبقت الجولة السادسة من المحادثات النووية، وأتت بالتزامن مع المهلة التي منحها ترامب لطهران للاستعداد لهذه الجولة، ما أدى عملياً إلى نسف مسار الحوار قبل استئنافه. من جهة أخرى، برزت مواقف دبلوماسية لافتة لعدد من دول الخليج التي أبدت إدانتها للهجوم الإسرائيلي. ففي بيان صادر عن مجلس التعاون الخليجي، اعتُبرت هذه الضربات انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول واعتداءً شنيعاً. كما أصدرت وزارات خارجية عدة دول بيانات إدانة مماثلة، أبرزها بيان وزارة خارجية المملكة العربية السعودية التي كانت تعتبر العدو الاستراتيجي والطائفي والمذهبي الأول لإيران إلا أنها عبرت عن استنكارها لما تعرضت له من هجوم وطالبت مجلس الامن بتحمل مسؤولياته والقيام بما يلزم لإيقافه وهو الحذو الذي حذته دول الكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين. من المؤكد أن مشهد الشرق الأوسط بعد هذا التصعيد العسكري لن يكون كما كان قبله. فموازين القوى تتحرك بسرعة، ولا تبدو ملامح انتصار حاسم لأي من الطرفين في الأفق، حتى في حال توقف المواجهات العسكرية. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً الآن: كيف يمكن وقف هذا التصعيد بعد أن بلغت المواجهة مرحلة استعراض العضلات وتثبيت الكبرياء السيادي لدى كلا الجانبين؟