الخط : إستمع للمقال أبت منظمة نساء العدالة والتنمية إلا أن تحاول إقناعنا بأن السيد عبد الإله بنكيران كان يدافع، من خلال وصفه الفتيات غير المتزوجات ب"بلارج"، عن "حق الفتاة في التعليم والعمل"، وأن كلامه أُخرج من سياقه، واجتزئ، وتأُوّل، وربما شُفّر أيضًا في بيان أصدرته البارحة أسمته "بيان الحقيقة". لكن المفارقة الساخرة – والمريرة في آن – أن بنكيران نفسه لم يتأخر في تفنيد هذا "الدفاع المتفاني"، حين خرج في تصريح جديد يؤكد فيه أنه لا يخاف من النسويات، ويصرّ على أن تصريحاته سليمة "مائة بالمائة"، وأن الفتيات اللواتي يخترن إكمال الدراسة قبل الزواج مخطئات، وأن النساء في الدول الغربية تراجعن أصلاً عن هذا النموذج. كأننا أمام مشهد سريالي: منظمة نسائية تحاول إعادة تدوير خطاب زعيمها ليبدو مقبولاً في زمن دسترة المساواة وتمكين النساء، في حين يُصرّ هذا الزعيم على تمزيق الغلاف وتقديم المنتج الأصلي كما هو: خطاب أبوي تقليدي، لا يرى في الفتاة سوى مشروع زواج مؤجل، يهدد بانقراض المجتمع ما لم يُسرّع في إخراج "شهادة الزواج" قبل "شهادة الماستر". في بيانه الطويل، حاول المكتب التنفيذي لمنظمة نساء "البيجيدي" أن يلعب دور الوسيط بين زعيم لا يُراجع نفسه، ونقاش عمومي لا يُسامح في الإهانة. ولكن يبدو أن "محاولة التلطيف" سقطت في الماء، لأن بنكيران لم يتبنّ هذا الخطاب التوفيقي، بل ضاعف الجرعة. فهو لا يرى في تصريحه أي إشكال. بل يعتبر أن العيب فينا نحن، "النسويات" و"المتحمسين للتمكين"، الذين أضعنا بوصلة الأسرة، ونُضيع المغرب معنا. أما من قالوا إن الرجل دعا إلى "توازن" بين التعليم والزواج، فقد منحهم بنكيران "صفعة فكرية"، حين صرح بشكل قاطع أن التعليم لا يجب أن يُقدَّم على الزواج، وأن من تفعل ذلك ترتكب خطأً. نعم، هكذا. بلا لف ولا دوران. وكأننا في حصة "التوجيه الأسري" في إذاعة سنة 1987. ولأن الرجل يحب الاستدلال بالمثال الغربي، فقد استحضر أوروبا وأمريكا كدليل على أن النساء هناك اكتشفن أن التمكين خرافة، وأن العودة إلى المطبخ هي الحل. لكن الحقيقة، كما تقول الأرقام والدراسات (وليس الأحاسيس)، هي أن النساء في الغرب يخترن اليوم بمزيد من الحرية، يدرسن، يعملن، يقرّرن، ويتزوجن أو لا يتزوجن، ولا أحد يسمِّيهن "بلارج". لكن بنكيران، الذي طالما عرف بخطابه الشعبوي، يحوّل الآن المعركة إلى صراع ضد "النسويات"، وكأنهن جيش مسلح يهدد سلامة الأسرة، وليس حركة اجتماعية تطالب بالمساواة والكرامة والاختيار الحر. الأمر المؤسف في كل هذا، هو أن منظمة نسائية اختارت أن تدافع عن زعيمها بدلاً من أن تدافع عن قيمها، وفضّلت حماية الخطاب الأبوي على فتح نقاش نقدي داخلي. بل إنها اختارت الهجوم على الجمعيات النسائية الأخرى، متهمة إياها بالانتقائية والمزايدة، في حين أن رد الفعل الطبيعي كان يجب أن يكون مراجعة الذات، أو على الأقل الصمت. لكن يبدو أن البيان خرج فقط ليقول: "نحن مع زعيمنا، حتى وإن قال إن ليس من حق الفتاة أن تدرس وأن تختار أن تتزوج، بل شرطها في الحياة أن تتزوج... وإلا فمرحبا بها في سرب بلارج". هل كان بنكيران بحاجة لكل هذا الدفاع؟ لا. لقد تولّى هو بنفسه مهمة التصعيد، وتأكيد أن كل من انتقده "ما فاهم والو"، وأن الفتاة إن لم تتزوج "راه فاتها التران". والسؤال اليوم ليس ماذا قال بنكيران، بل: ماذا تبقّى من الخطاب النسائي داخل حزب العدالة والتنمية، إذا كان كل ما قيل دفاعاً عن "حق الفتاة في التعليم" يُمحى بجملة واحدة من "الأمين العام"؟ أما نحن، فعلى الأقل نعرف الآن أن بنكيران لا يخاف النسويات... لكن ربما حان الوقت أن يخاف على صورته السياسية، وهي تنكمش في وجه جيل جديد من المغربيات، لا يصدقن أن مستقبلهن يُقاس بعدد الخطّاب. الوسوم إساءة الدستور المغرب المناصفة بلارج بنكيران عبد الإله نساء البيجيدي