الخط : إستمع للمقال لا يمكن قراءة البيان الصادر عن منظمة نساء العدالة والتنمية، دفاعًا عن تصريحات السيد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بمعزل عن التحولات العميقة التي يعرفها النقاش العمومي حول حقوق النساء، ولا عن السياق السياسي الذي يواجه فيه هذا الحزب تراجعات متتالية في شعبيته وقوته التأطيرية. البيان، رغم محاولته الظهور في ثوب "التوضيح"، لا يخلو من استبطان أزمة خطاب وتناقض في المواقف، بل يكشف عن ارتباك داخل الحزب ذاته بين خطاب التمكين وخطاب الوصاية، بين الادعاء بالدفاع عن حقوق النساء وبين اعتماد سردية تعيد إنتاج الأدوار التقليدية القائمة على تقييد خيارات النساء وربط قيمتهن بالزواج والخصوبة. منظمة نساء العدالة والتنمية تعتبر تصريحات السيد بنكيران "أُخرجت من سياقها"، لكنها لا توضح بصدق كيف يمكن لأي حديث يُعرّف الفتاة غير المتزوجة ب"البلارج" أن يكون "تعبيرًا عن القلق الوطني المشروع"، أو أن يُصنف ضمن "مرافعة من أجل تماسك الأسرة". هذا تحوير واضح لفحوى التصريح الأصلي، وليس لما قيل عنه. من يقرأ الخطاب بتمعّن، يلمس بوضوح أن بنكيران لم يُدعُ إلى التوازن بين التمكين الأسري والتحصيل العلمي، بل إلى إيثار الزواج كخلاص للفتيات، وهو ما يعكس رؤية اختزالية للمرأة تحصر حريتها في الزواج، وليس في خياراتها المتعددة التي يضمنها لها الدستور المغربي والتزامات المملكة الدولية. البيان ينطلق من مرافعة مطوّلة عن معاناة النساء القرويات وحرمانهن من الماء والتطبيب، وهي قضايا لا يختلف حولها أحد، لكنها هنا تُستعمل كأداة لصرف النظر عن سؤال جوهري: كيف يمكن لمسؤول سياسي كبير أن يطلق خطابًا مهينًا بحق النساء، ثم يُطلب من الجميع تجاوزه تحت ذريعة "القضايا الأهم"؟ إنه فقط منطق التبرير والإلهاء كما عودنا حزب العدالة و التنمية وقد ذكرني هذا بهجوم بنكيران على وزير العدل عبد اللطيف وهبي في دفاعه عن الحقوق والحريات قائلا "الخبز أولا" ، حيث يتم الآن، في نفس النسق، توظيف معاناة حقيقية – لا ينكرها عاقل – لتبرير إساءة لفظية وفكرية تستبطن تراجعا عن مكتسبات نضالية راكمتها أجيال من النساء المغربيات، ومن كافة الحساسيات السياسية. وفي تناقض صارخ آخر، تدّعي المنظمة في بيانها أنها تدافع عن "الحق في التعليم والعمل والمشاركة"، لكنها تعجز عن تقديم موقف صريح من تصريح يُضعف هذه الحقوق عبر خطاب ضمني مفاده أن هذه المسارات قد تُقابل بالعنوسة والوحدة، وأن خلاص المرأة لا يتحقق إلا بالزواج. فما الفرق إذن بين خطاب بنكيران وخطاب "الجهات الرجعية" التي اعتادت هذه المنظمة مهاجمتها سابقًا؟ بل، من الأجدر أن تُساءل المنظمة نفسها عن هذا التحول في مواقفها، وعن هذا الصمت المريب أمام الانزياحات الخطابية لقياداتها، بعدما كانت تُعرف بنبرتها الحادة ضد "الوصاية على النساء". ثم يُنهي البيان مرافعاته بحديثه عن "خطاب الهوية" و"المصلحة العامة"، في محاولة لإعطاء الشرعية الدينية والوطنية لتصريحات تتنافى مع روح الدستور، وتُخالف مقتضيات النموذج التنموي الجديد الذي دعا إلى تحرر النساء من الصور النمطية. فهل أصبح خطاب الهوية غطاء للنكوص؟ وهل يُعقل أن تكون الوطنية مرادفًا لتزويج الفتيات في سن مبكر وإقناعهن أن مستقبلهن معقود على رجل؟ الأخطر، أن هذا المنطق ينطوي على استخفاف بإرادة النساء، وعلى تحقير ضمني لمسارات الاختيار الفردي، وكأن من لا تتزوج قد أخلّت بواجب وطني أو ديني. البيان يدعو إلى "نقاش حقيقي حول الأسرة"، لكن كل نقاش جاد يبدأ أولًا من الاعتراف بالانزلاقات، لا بتمجيدها. فحين يتحول الخطأ إلى وجهة نظر، يصبح الحوار عبثيًا، وتتحول السياسة إلى تمرين في التبرير لا في البناء. ما يحتاجه المغرب اليوم ليس فقط الدفاع عن الأسرة، بل التأسيس لعدالة اجتماعية ومجالية حقيقية، تُعطي النساء حقهن الكامل في التعليم والعمل والاختيار الحر، دون تخويف أو وصاية أو ابتزاز عاطفي تحت غطاء الدين. وفي الأخير أقول، لا يُمكن لحزب أو منظمة أن يُطالب بتقدير تنوع الرؤى وهو لا يقدّر خيارات النساء. ولا يمكنه المطالبة باحترام الخطاب الديني وهو يستعمله كأداة ترهيب اجتماعي. المجتمع المغربي يعيش اليوم لحظة وعي جماعي بأهمية تحصين المكتسبات النسائية وتوسيع دائرة الحقوق والحريات. ولن يكون بإمكان أي خطاب، مهما تزيّن بالعبارات، أن يُقنع المغاربة أن طريق التمكين يمرّ عبر نعت النساء المغربيات مهما كانت إختياراتهن في الحياة ب"بلارج". الوسوم إهانة النساء بلارج حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران