صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب “محمد عابد الجابري..مواءمة التراث والحداثة”، وهو كتاب يتجه إلى تقديم قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري، الفكري، ولمجمل نتاجه الذي سعى من خلاله إلى إرساء مسلمات ومواقف أسهمت في بلورة منظومات ثقافية هدفت إلى تغيير المجتمع العربي وتطويره. ويتسم المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري، كما يوضح كمال عبد اللطيف في مقدمة الكتاب، الذي ضم أبحاثاً لستة مؤلفين عرب، باقتناعه بالوظيفة التاريخية للفكر والمفكر. وهذا ما سمح له برسم حدود معينة لمساره الثقافي والسياسي ولإنتاج أفكار يعول على قدرتها في إحداث تغيير في المجتمع. فعكف على الاهتمام بإشكالات التحول السياسي الوطني في المغرب وإشكالات مشروع النهوض القومي العربي في أبعاده الثقافية والسياسية، جاهداً إلى إعادة بناء مشروع نهضوي عربي قادر على استيعاب متغيرات التاريخ ومكاسبه. ويعيد عبد اللطيف أهداف الجابري في انكبابه على إعلاء مشروعه «نقد العقل العربي»، إلى غاية تحرير الثقافة العربية من الموروثات الفكرية التقليدية وإشكالات الحاضر العربي في أبعادها ومستوياتها المختلفة. فكتب في هذا الشأن مصنفات أربعة، عصبها الأساسي يتمحور حول مواقفه من التراث، اقترح من خلالها قيماً نقدية لثقافتنا العربية وآليات محددة لتجاوز مظاهر الارتباك الثقافي في فكرنا العربي. تُحيط بحوث هذا الكتاب بمشروع محمد عابد الجابري الفكري فيتناول كمال عبد اللطيف وحسن بحراوي في الفصل الأول، جوانب من سيرة الجابري الذاتية والفكرية، يستطيع القارئ معها أن يلم بأطوار تنشئته التعليمية في مغرب أربعينيات القرن الماضي، وببعض أوجه المجتمع المغربي خلال أعوام الاحتلال الفرنسي. يتعدى الباحثان في هذا الفصل البحث في تنشئة الجابري المدرسية والجامعية، ويقفان على أبرز مراحل تلك الفترة، لينتقلان بعد ذلك إلى كتاباته الأولى، التي رسمت ملامحه الفكرية المبكرة، لتبدأ بعدها مغامراته الثقافية فيعكف على قراءة التراث العربي واستنطاق مخزونه. ويتناول نور الدين آفية في الفصل الثاني، مواقف الجابري من النهضة العربية وإشكاليتها، والتي أبرز معالمها تبدت في كتابه «نحن والتراث» مؤسساً معها لمشروعه الفكري. وهذا ما يظهر في كتاباته التي انطلقت من نقد الاجتهادات الفكرية العربية التي ميزت الفكر العربي الحديث والمعاصر. ثم يُقارب محمد مزوز في الفصل الثالث مشروع الجابري النقدي، استناداً إلى قراءات نقدية جادة يقف من خلالها على كيفيات تركيب الجابري للملامح الكبرى لتكوين العقل العربي، وللأنظمة الفكرية التي صنعت تجليات الثقافة العربية في العصور الوسطى، حيث يرى هذا الأخير أن ظاهرة استقالة العقل في الثقافة العربية الإسلامية، والتي ما زالت مستمرة إلى اليوم، تتمثل في غياب أسباب التحديث.. وفي مقدمها البحث العلمي، وإخفاق استمرار التجربة الفلسفية في الشرق والغرب الإسلاميين. ويرى عزوز في بحثه أن الجابري انحاز إلى تطوير التراث الثقافي العربي الإسلامي، تماشياً مع روح الحداثة، إيماناً منه أن تراثنا الفكري الاجتهادي قابل للتحديث والتجديد. ويقترب محمد العمري في الفصل الرابع من مجالات البلاغة والبيان في أعمال الجابري. ويحيط سعيد شبار في الفصل الخامس من الكتاب بمجمل فكر الجابري ومشروعه النهضوي. فصول الكتاب الخمسة تلم بمساحة واسعة من نتاج الجابري، وترسم ماهية حضور هذه القامة الفكرية في ثقافتنا العربية المعاصرة، كاشفة عن مواقفه من التراث العربي ومن قضايا التقدم والنهضة، وعن إيمانه العميق بالوظيفة التاريخية للمثقف والباحث، وما أثارته من سجالات وأسئلة. المصدر: البيان