خلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عالم شخصيات طبعت تاريخ المغرب المعاصر في مجالات متعددة، الفن والرياضة والفكر والسياسة والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال. "برلمان.كوم" وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم نبذة عن تلك الشخصيات مسلطا الضوء على حياتها وأهم أعمالها، والأحداث التي أدخلتها سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع. في هذه الحلقة، سنقدم نبذة عن حياة الكاتبة والباحثة في علم الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي، التي وظفت أبحاثها الفكرية والاجتماعية لخدمة قضية تحرير المرأة. وتعرضت بذلك للمحظورات الاجتماعية والدينية معتبرة إياها عائقا أمام إثبات المرأة لذاتها وتحررها من هيمنة المجتمع. مسار دراسي بدأ في فاس وانتهى بأمريكا ترعرعت فاطمة المرنيسي في أوساط عائلية واجتماعية بورجوازية محافظة بمدينة فاس التي ولدت فيها سنة 1940، وكانت عائلتها مقربة من الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار الفرنسي. دخلت المرنيسي المدرسة الحرة-الخارجة على نمط التعليم الفرنسي- التابعة للحركة الوطنية. وكانت بذاك من القليلات اللاتي حظين بحق التعليم في عهد الاحتلال الفرنسي. لتلتحق بالرباط حيث واصلت تعليمها، قبل أن تنتقل إلى فرنسا ثم إلى أمريكا لاستكمال تكوينها العلمي. سيدة اهتمت بالإسلام والمرأة والجنس والمساواة عاصرت لمرنيسي في طفولتها ظاهرة “الحريم” في بيوت الطبقة الغنية، المشاهد التي عايشتها كانت منطلق فكرها، وجعلتها تفطن مبكرا إلى كون تناول المشاكل الاجتماعية اليومية للنساء يتعذر دون قراءة تفكيكية نقدية للخلفيات الثقافية التي تؤسس لكل مظاهر معاناة المرأة، ومن هنا ضرورة الاشتغال على جبهتي الواقع والتراث. انتقدت المرسني الإيديولوجيا الدينية التاريخية وخطاباتها، وهكذا صدرت عام 1983 “الجنس، الإيديولوجيا، الإسلام”، وفي سنة 1986 “الحريم السياسي: الرسول والنساء”، وفي عام 1998 “هل أنتم محصنون ضد الحريم؟”. كل هذه الكتب وغيرها في السنوات الأخيرة، انتظمت في مشروع واضح راهن على تفكيك ونقد الخطاطات الذكورية في المجتمع المغربي والمجتمعات العربية. وتوجت ذلك عام 2010 بكتاب “الإسلام والديمقراطية” كون الموضوع من أشد الإشكاليات المعاصرة راهنية في علاقة المسلمين بأنفسهم وبالعالم. وفق تعبير الباحث في علم الاجتماع يونس الوكيلي. وبنت المرنيسي كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب” على أن مفهوم الحريم لا يصلح فحسب لقراءة التراث الإسلامي فقط، بل أيضا يفيد في قراءة تراث الفكر الغربي حول النساء. “إن دونية المرأة إرث مشترك بين الشرق والغرب”، وهكذا نجدها لم تخضع للقراءة الاستشراقية التبسيطية التي طالما ألصقت بالعرب والمسلمين كل سوء حول المرأة والجنس. جوائز السيدة الأكثر تأثيرا بالنسبة للغارديان حاضرت المرنيسي في جامعات ومنتديات فكرية عربية وغربية، ونالت جوائز كبرى، وكانت من النساء المئة الأكثر تأثيراً في العالم وفق تصنيف صحيفة الغارديان لسنة 2011. عملت المرنيسي باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، وعضوا في مجلس جامعة الأممالمتحدة. وأسست مبادرة جمعوية من أجل حقوق المرأة تحت اسم “قوافل مدنية”، كما ساهمت في إطلاق تجمع “نساء، أسر، أطفال”. حصلت فاطمة المرنيسي في 2003 على جائزة أمير أستورياس للأدب (أرفع الجوائز الأدبية بإسبانيا) مناصفة مع سوزان سونتاغ. وفي 2004 حصلت على جائزة “إراسموس” الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة “الدين والحداثة”. مؤلفاتها ووفاتها بالرباط كتبت فاطمة المرنيسي العديد من الكتب باللغة الفرنسية ترجمت عنها إلى لغات عديدة من بينها العربية والإنجليزية، من أهمها: “نساء على أجنحة الحلم”، و”الحريم السياسي”، و”الجنس كهندسة اجتماعية”، و”هل أنتم محصنون ضد الحريم”، و”الجنس والأيديولوجيا والإسلام”، و”ما وراء الحجاب”، و”الإسلام والديمقراطية”، و”شهرزاد ترحل الى الغرب”، و”أحلام الحريم”. توفيت المرنيسي عام 2015 عن سن ناهزت 75 ربيعا بالرباط بعد معاناة طويلة مع المرض.