مع حلول ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي من كل سنة، يثور مجددا الحديث عن الحكم الشرعي الفقهي بخصوص هذا الاحتفال، وتتجه قطاعات من الرأي العام ومن شيوخ بعض التيارات الدينية إلى اعتبار الاحتفال به “بدعة” دينية، و”تشبها بغير المسلمين”، بحسب التعابير الرائجة، ويتداول نشاء التواصل الاجتماعي ومرتادوا الأماكن العامة معطيات من قبيل أن للمسلمين عيدين فقط، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، والمولد النبوي ذكرى فقط. “برلمان.كوم” سعى إلى الكشف عن بعض جوانب هذه القضية التي تثير جدلا بين الفقهاء، وقام بمحاورة محمد عبد الوهاب رفيقي، المعروف ب”أبو حفص”، الباحث في الدراسات الإسلامية، والمهتم بقضايا الإصلاح الديني وتحديث منظومة الفقه الإسلامي. ما هو حكم الشرع في الاحتفال بعيد المولد النبوي؟ قضية الاحتفال بعيد المولد النبوي من القضايا التي أثارت جدلا كبيرا وواسعا في العقود الأخيرة، والسبب الذي يعود إليه إثارة هذا الجدل في نظري هو دخول السلفية الوهابية على الخط. قبل دخول السلفية الوهابية كانت المجتمعات الإسلامية سواء في المشرق أو في المغرب تحتفل بهذه المناسبة بسلاسة وبدون أي إشكالات تذكر، وكانت هذه الاحتفالات تعم كل مناطق البلاد الإسلامية، ويشرف عليها العلماء الفقهاء، وأيضا السلطة السياسية التي تتخذ من هذه المناسبة موعدا للاحتفال وإقامة الشعائر الدينية. إلى أن دخلت السلفية الوهابية على الخط وشذت عن جماهير المسلمين في ادعائها بأن الاحتفال بعيد المولد النبوي هو بدعة، وبأن النبي لم يفعله وبأن الصحابة لم يفعلوه، ومع انتشار أفكار هذا التيار في العقود السابقة ثار هذا الجدل في المجتمعات الإسلامية من جديد بين مقتنع بالمشروعية وبين قائل بالبدعية، لكن مذهب هؤلاء الوهابيين قائم على ان هذا الأمر لم يفعله النبي عليه السلام ولا صحابته الكرام، وهذه حجة ضعيفة جدا، بحكم أنه ليس كل شيء نفعله هو مما كان في عهد النبي ولا في عهد الصحابة، بل هناك ما يعرف في الأدبيات الفقهية بالبدعة الحسنة، وهي الأمر المحدث الذي لم يكن في عهد النبي ولكن فيه مصلحة وفيه منفعة كجمع القران مثلا وإقامة الدروس، وغيرها من الأمور التي أحدثت بعد النبي في الدين، وأصبحت من شعائر الدين وهي محدثة ولم يكن فيها أي ضرر بل كانت فيها مصلحة ومنفعة فقد توافق الناس عليها ولم ينكرها احد قبل بروز هذه الظواهر السلفية. لذلك أقول بأن الاحتفال بالمولد النبوي لا شك أنها عادة حسنة ومشروعة يتذكر فيها المسلمون مآثر نبيهم يعودون إلى سيرته يستغلونها فرصة للبهجة والفرح والسرور وتبادل الهدايا وزيارة الأقارب وكل هذا محمود مما لا يمكن ان ينكره إنسان إلا ان يكون شاذا من أتباع هذه الفرق الوهابية. لماذا في نظرك يحتفل المغاربة بهذا العيد؟ المغاربة يحتلون بذكرى المولد النبوي لعمق الارتباط بين المجتمع وبين النبي عليه الصلاة والسلام، منذ ان دخل الإسلام إلى هذه المنطقة، وطبعا اتخاذ المغاربة للمذهب المالكي كاختيار، هو أيضا مما ساعد على هذا الأمر، لأن المذهب المالكي من أوسع المذاهب في هذا الباب؛ باب البدع الحسنة. ولذلك توافق العلماء والفقهاء على مر العصور في هذه البلاد على الاحتفال بهذه المناسبة، ولذلك لازالت السلطة السياسية تحتفل بهذا اليوم وتقيم له شعائر خاصة حتى اصبح إرثا تاريخيا متراكما، يعبر فيه المغاربة عن حبهم لنبيهم. كما أنه مناسبة للفرح ولنشر البهجة والسرور بين العائلة والأصدقاء والأقارب، وأصبح إضافة إلى كونه مناسبة ذات بعد ديني أصبح مناسبة ثقافية وعادة اجتماعية تحتفل بها المنازل والمساجد ودور الذكر. ماهي دلالات استحضار ذكرى مولد النبي وبأي معنى يكون الاحتفال به مفيدا؟ الاحتفال يكون مفيدا باستحضار واقع المسلمين بعد ما يقارب خمسة عشر قرنا على موت نبيهم، ومن هنا تأتي أهمية طرح السؤال: لو كان النبي حيا اليوم حيا وشاهدا على واقع اليوم، هل كان يرضى ما عليه المجتمعات الإسلامية؟. بالنسبة لهذه الذكرى ينبغي أن تأخذ بعدا أكبر من قضية احتفال أو عادة اجتماعية أو نشر الفرح والسرور، إلى استحضار الواقع الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية؛ واقع التخلف، واقع الانحدار، واقع الانحطاط المرير. مقارنة بالواقع الذي عاشه النبي عليه الصلاة والسلام حيث خرج في أمة جاهلية جد متخلفة وجد بدائية، فنقلها إلى منطق الدولة، إلى منطق الحضارة إلى منطق المدنية، إلى أن تكونت إمبراطورية إسلامية كبرى حكمت المشرق والمغرب، وساهمت في مسيرة الحضارة العالمية والحضارة الكونية، هذه هي الدلالة المهمة التي يجب ان نستحضرها وان نقف عندها بهذه المناسبة الكريمة.