كلّما خرج المعطي منجب للدفاع عن نفسه إعلاميا إلا ويجد نفسه منهمكا في إذكاء وتأجيج الشبهات حوله قانونيا وقضائيا، وكلّما بسط الرجل دفوعاته التي يعتبرها أدلة نفي إلا وتتحول إلى قرائنإثبات دامغة تُطوّق ذمته المالية. ففي آخر خرجات المعطي منجب الإعلامية، انبرى يتحدث عن أملاكه العقارية وممتلكاته العينية، محاولا حصر النقاش فقط في التصاريح بالاشتباه التي قد تكون قدّمتها المحافظات العقارية. والحال أن بلاغ وكيل الملك بالرباط المختص نوعيا في مكافحة جرائم غسل الأموال تحدث عن تصاريح بالاشتباه تتعلق بتحويلات بنكية ومالية وأوعية عقارية لا تتناسب ومداخيله الاعتيادية. ومن هذا المنطلق، كان حريا بالمعطي منجب، مادام أنه اختار البحث عن البراءة الإعلامية في المنصات التواصلية، أن يكشف عن حقيقة الأرصدة والتحويلات المالية التي تم ضخها في حساباته البنكية، وحسابات عدد من أقاربه، سواء تلك المتأتية من عمله أو من أنشطته المدّرة للربح في مركز ابن رشد. فالأصل هو تبرير العائدات المالية المتوصل بها من الخارج، وبعد ذلك تحديد مآلات صرفها في مجال العقار والاستغلال الفلاحي لإنتاج مادة الشعير، كما اعترف بذلك الرجل صراحة. لكن الملاحظ، أن المعطي منجب استنكف عن الحديث عن حساباته البنكية، وتحويلاته النقدية سواء الدافقة في حسابه الشخصي أو في حسابات أفراد عائلته، وآثر أسلوب "مرور الكرام" عند حديثه عن "التحويلات بطعم السلفيات" المقدمة لشقيقته، وكأنه يحاول استباق مسطرة التدقيق وافتحاص المعاملات البنكية المنجزة فيما بينهما. لذلك، فقد تعمد الحديث عن "سلفيات" قدمها لشقيقته لاقتناء عمارة سكنية بثلاثة رسوم عقارية، لسد الذريعة عمن يثبتون لاحقا بأنها تحويلات ربما تمت خارج إطار القانون. والمثير للاستغراب أيضا في كلام المعطي منجب، أنه كلما تحدث عن سنتين اشتغلها في أمريكا إلا ويردفها بالكلام عن الملايين من الدولارات، وكأنه يحاول جاهدا تقمص دور المستفيد من "الحلم الأمريكي" في سنتين فقط. فهل يمكن لشخص قضى سنتين في أمريكا أن يدرك عقارات سكنية وفلاحية عديدة؟ وهل كان المعطي منجب يُدرّس عن بعد أو Par délocalisation حتى يستفيد من أجرته خالصة بدونخصم تكاليف السكن والإقامة باهظة الثمن في واشنطن ونيويورك وبوسطن وغيرها؟ فالذي يدّرس في أمريكا يستفيد من أجرتها مثلما يتحمل أيضا تكاليفها المعيشية الغالية. والمدخرات المتحصلة ما بين العائدات والمصاريف تبقى دائما في حدود المعقول، وليس كما يقدمها المعطي منجب بكثير من السطحية واللؤم السردي. أيضا، حرص المعطي منجب على التلاعب بمشاعر المتتبع لتصريحاته الإعلامية الأخيرة، من خلال مراهنته على سلطة الصورة ورمزية الحكي، وكان يُربِّي الكذب مثلما يربي العاطل الأمل، كما قال محمود درويش يوما. فقد اختار المعطي منجب أن يدلي بتصريحه الإعلامي في غرفة متواضعة جدا، في خلفيتها طلاء قديم تآكل بفعل الرطوبة، وأن يفترش صالون "الشعب" المكون من "الموبّرة" العتيقة. وحتى عندما كان يشير بسبّابته لممتلكاته العقارية، كانت كاميرا المصور تركز أساسا على رطوبة البيت الشاطئي، وعلى الرتاج الحديدي لشقة أكدال، وعلى الأرض الفلاحية العارية التي ليس فيها سنابل الشعير ولا حبات الجعة المستقبلية. إنها سلطة الصورة التي يراهن عليها المعطي منجب لدغدغة مشاعر المتلقي، وليقول للناس بأنني فقير والله هو الغني. أيضا راهن المعطي منجب على "سرديات مقصودة لتمرير رسائل ملغومة للرأي العام"، وذلك عندما حاول جاهدا تبخيس قيمة ممتلكاته العقارية ليضمن انسجامها مع مداخيله المالية الاعتيادية. فالرجل كان يتحدث عن حي أكدال الراقي بالرباط وكأنه دوار الحاجة أو دوار الكرعة أو سهب الواد بسلا، وكان يتحدث أيضا عن منزله الشاطئي بالهرهورة وكأنه مجرد سكن اقتصادي في حي الرحمة بالدار البيضاء. إنها لغة" التطبيع الوجداني" لضمان التماهي والقبول اللاإرادي بأننا أمام مجرد ممتلكات عقارية زهيدة وفي متناول الجميع. والحال أن الطبقة الوسطى بالمغرب، التي يوجد ضمنها المعطي منجب، لا تحلم إلا بامتلاك "قبر الحياة" المدفوع على أقساط في الحياة وبعد الممات. أما امتلاك ثلاثة عقارات سكنية وأرض فلاحية لإنتاج الشعير كما يزعم الرجل، فتلكم "أضغاث أحلام" تساور عموم الكادحين من الموظفين صغيرهم وكبيرهم. ومن تجليات اللؤم السردي عند المعطي منجبأيضا، أنه تحدث عن الرسوم العقارية المجزأة وكأنها معدومة القيمة، والحال أن كل رسم عقاري يحمل قيمته المادية فيه. كما أنه قدّم ضواحي ابن سليمان وكأنها بادية مُقفرة ليس فيها "سوى الشيح والريح". ولمن يعرف الجغرافية الفلاحية والمسح الطبوغرافي جيدا، يدرك بأن الوعاء العقاري الفلاحي بضواحي ابن سليمان هو من أغلى الأوعية العقارية بالمغرب، ويمكن لأي شخص أن يراجع ثمن الهكتار الواحد في هذه المنطقة، ليعرف مدى مثانة الذمة المالية للمعطي منجب. وختاما، لابد من الاعتراف بأن المعطي منجب حاول تطبيق "تقنيات الصحافة الاستقصائية" في خرجته الإعلامية الأخيرة، لكنه "زاد فيه شي شوية" لدرجة أنه سقط فيما يشبه" آليات التوجيه المعنوي الذي كانت تعتمده الأحزاب البعثية والشيوعية سابقا"، إذ حاول تقديم ثلاثة ممتلكات عقارية و"إقطاعية فلاحية لإنتاج الشعير" وكأنها مجرد "وسخ الدنيا" التي يمكن لأي أستاذ جامعي أن يقتنيها، شريطة قضاء سنتين من العمل في أمريكا، أما إذا قضى كل عمره في أمريكا، فيمكنه وقتئذ أن يشتري ابن سليمان وضواحيها بما فيها "البسابس وعين سفيرجلة وعين القصب والزيايدة وجمعة فضالات وسيدي بطاش" وصولا إلى الرماني وقبائل زعير شمالا.