مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    الاتحاد العربي لكرة اليد يعلن انسحاب الجزائر من البطولة العربية للشباب المقامة بالمغرب    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    نتائج قوية ل"اتصالات المغرب" نهاية مارس.. إيرادات ب9 مليار درهم و77 مليون زبون    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    رصد في ضواحي طنجة.. "القط الأنمر" مهدد بالانقراض ويوجد فقط في حدائق الحيوانات    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلعيد العكاف الموسيقار الذي ارتقى بالموسيقى الأمازيغية إلى العالمية- الحلقة 6-

بلعيد الاكاف أو كما يسمى “فنيا” بلعيد العكاف، مؤلف وعالم موسيقى خريج المعهد العالي “تشايكوفسكي” بالاتحاد السوفياتي سابقا، ازداد بحي يعقوب المنصور بالرباط عام 1952 وسط عائلة متشبعة بموسيقى أحواش، حيث كان والده الذي ينحدر من سوس “رايس”،
خاض مسارا طويلا في الموسيقى العصرية والغربية خلال مرحلة شبابه، قبل أن يقتحم غمار التأليف الموسيقى، ويخوض تجربة جديد في الموسيقى الأمازيغية العصرية رفقة مجموعة “أوسمان”، التي كانت أول مجموعة للموسيقى الأمازيغية العصرية في تاريخ المغرب.
مساره غني بالمشاركات الدولية والمهام التي تقلدها على الصعيد الوطني، حيث بصم على مسار إبداعي متميز بالإضافة إلى مسار طويل في دروب الحياة طبعته حكايات كثيرة نسجها عبر سفرياته ببلدان مختلفة وعلاقاته مع مجموعة من الشخصيات السياسية والفنية والثقافية.
في هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” فتح “كتاب حياة” الفنان الأمازيغي والموسيقار العكاف، الذي أسس وساهم في تأسيس مجموعة من الفرق، التي اهتمت بالموسيقى بصفة عامة وبعضها الذي كان مختصا في الموسيقى الأمازيغية، كما شغل عددا من المهام في القطاع الثقافي وله مجموعة من المؤلفات باللغة العربية والأمازيغية والفرنسية.
في هذه الحلقة يواصل العكاف حفر الذاكرة التاريخية واستخراج الطرائف والقصص التي ما تزال تحفظها، كما يواصل حكيه عن مجموعة “أوسمان” التي كان من بين مؤسسيها خلال فترة السبعينيات.
200 درهم لتحفيز الأطفال والتلاميذ على تعلم الموسيقى
بعدما، انتقلت إلى مدينة “جرادة” لتدريس مادة (القيثارة)، إلى جانب زميلاي محمد شيدا (البيانو)، ومحمد الجنيوي (العود)، واجهنا مقاومة شديدة، كما ذكرت في الحلقة السابقة، من قبل ساكنة المدينة، الذين رفضوا تعليم أبنائهم الموسيقى.
وذات يوم، وبينما أنا أتجول بالمدينة، صادفت أفواجا من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة، ومنهم من يقضي يومه في اللعب واللهو واصطياد الطيور، والبعض الآخر يلهو في الأزقة طوال النهار أو يقضي وقته في لعب “البليار” بالمقاهي، فيما البعض يبحث عن مصدر رزق بشتى الوسائل ليساعد أسرته، وعندما سألت عينة منهم عن عائلاتهم لأعرف وضعيتهم الاجتماعية، أدركت أنهم ينتمون إلى الفئة الأكبر فقرا وهشاشة، فكنت كلما صادفت أحدا منهم في الشارع إلا وأرشدته للتسجيل بقسم الموسيقى، وأوضحت له بأنها مهنة يمكن أن تضمن له مستقبلا وعيشا كريما، لكنني لم أنجح في إقناع الكثير منهم، إلا البعض القليل.
أمام هذا الواقع، تبادرت إلى ذهني فكرة تخصيص منحة شهرية لكل تلميذ سجل لمتابعة الدروس الموسيقية، فاقترحت ذلك على السيد المدير العام لشركة “مفاحم المغرب”، الذي تفهم الأمر ووافق عليه، ثم خصص منحة شهرية تقدر ب 200 درهم لكل واحد من التلاميذ المسجلين لدينا، وهو مبلغ مهم آنذاك، وهكذا بدأ التلاميذ والأطفال في التوافد للتسجيل بدروس الموسيقى، واستطعنا بفضل تلك الفكرة أن ننجح في استقطاب عدد أكبر من الأطفال، ومنهم من كان يتابع دراسته بالتعليم الابتدائي أو الثانوي، ومنهم من لم يسبق أن ولج المدرسة بتاتا.
هذا الإقبال الكثيف، سيجعلنا ندرس أفواجا من التلاميذ، كما أنه بحكم الفراغ، كنا نخصص ساعات إضافية لصقل موهبة التلاميذ، فاكتشفنا فيما بعد أن هؤلاء التلاميذ كانوا موهوبين حقا، ولا ينقصهم سوى التوجيه والدعم، مما جعلنا نتحفز أكثر ونتفانا في عملنا ونفتح أبواب أقسامنا في وجه التلاميذ طيلة اليوم.
بعد ذلك بمدة، فتح أول مركز ثقافي أبوابه بكنيسة مهجورة كانت مغلقة على الدوام، وبالتالي شكل لنا جميعا أساتذة وتلاميذ متنفسا جديدا للتعلم، فزادت الأفواج، وظهرت مواهب عديدة، ثم بعد ذلك بسنتين سينضاف لنا أساتذة آخرون كأستاذ العود، منتصر عزالدين، أستاذ الكمان محمد بوهرو، وأستاذ “الكلارينيت” الحاج الركراكي. وكانت مهمتنا من قبل هي التدريس ساعتين فقط في اليوم (الساعات الرسمية دون احتساب الإضافية)، حيث كنا ندرس بين الساعة السادسة والثامنة مساء، لكن مع توفر المقر الجديد، المستقل الذي يضم قاعات متعددة ومكتبة وحجرات للقيام بالتداريب والتمارين الموسيقية، والاستماع الفردي للموسيقى لفائدة التلاميذ، أصبحنا نقوم بمهمة التدريس عن قناعة وطواعية طيلة اليوم، حيث يختار كل أستاذ عدد الساعات التي يرغب في تدريسها إضافة إلى الساعتين المقررتين رسميا، وذلك دون مقابل، وقد ساعدنا في ذلك مدير المركز الثقافي السيد نجيب فوقرا، الذي كان متفهما لأهدافنا.
وفي غضون سنوات قليلة، استطعت أن أؤسس أول “أركسترا” من التلاميذ، وكان ذلك عام 1979، حيث كانت تضم آلات الكمان والعود والقيثارة، و”التشيلو” و”الكلارينيت”، ومجموعة صوتية، وكانت “الأركسترا” تتكون فقط من تلامذة المركب الثقافي، وكان برنامجنا الموسيقي متنوع، حيث كان يتضمن الموسيقى الكلاسيكية والعربية والموشحات الأندلسية، إضافة إلى معزوفات موسيقية من ألحاني، وستقدم فيما بعد هذه “الأركسترا”، عروضا موسيقية بكل من الرباط والدارالبيضاء، ووجدة وعلى الصعيد المحلي أي بمدينة “جرادة”، كما تم تصوير جزء من برنامجه للتلفزيون الوطني.
وكانت الحفلات التي ننظمها بالمدينة، تنال إعجاب الجمهور الذي كان يحضر بكثافة مما زاد من شعبية المركز الثقافي، كما أن “الأركسترا” قام بتصوير معزوفات من الروائع العالمية للتلفزيون، مما زاد من شهره، الشيء الذي جعل عشرات التلاميذ الجدد يلتحقون بدروس الموسيقى، وتغيرت نظرة الآباء والساكنة لنا، فبعدما كانوا يقاوموننا ويمنعونا أبناءهم من دروس الموسيقى، أصبحوا يشجعونهم، وهكذا تمكن هؤلاء الأطفال من صقل مواهبهم بفضل الدراسة والممارسة حتى أصبحوا عازفين ماهرين في أجواق ذات صيت وذكر طيب.
لقد كان للعمل الذي قمنا به بهذه المدينة الصغيرة التي تقع شرق المملكة، صدى كبير على المستوى الوطني، حيث كما ذكرت كنا نقدم عروضا بعدد من المدن، مما سيفتح لفائدة التلاميذ عروضا وفرصا مهمة غيرت مسارهم الفني والشخصي، وسأتحدث عن ذلك بالتفصيل في الحلقة القادمة، حيث سأحكي عن مسار العشرات من هؤلاء التلاميذ الذين سيصبحون فنانين في “أركستراهات” كبيرة، كما ستكون الموسيقى بوابة توظيفهم، لنحقق بذلك رهاننا الذي عملنا على تحقيقه وهو جعل الأطفال من الفئة الشعبية والطبقة الاجتماعية الهشة يتعلمون الموسيقى لتصبح مهنة لهم وتساعدهم على تطوير مسارهم الشخصي والفني..
إعداد: محمد توفيق أمزيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.