بحضور عبد النباوي والداكي.. طنجة تحتضن ندوة دولية حول مكافحة جرائم غسل الأموال    ماركا الإسبانية: أيوب الكعبي الميزة الرئيسية لنتائج أولمبياكوس الجيدة    القضاء يصدر حكمه في حق طبيب التجميل "الحسن التازي" وشبكته    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    تشييع جثمان النويضي .. سياسيون وحقوقيون يعددون مناقب الراحل (فيديو)    لقجع: لو تدخلت في تعيين الحكام لفاز المغرب ب"الكان" والعلاقة القوية بين مصر والمغرب معروفة للجميع    لجنة من الفيفا تحل بملعب سانية الرمل بتطوان.. هل يعرف أشغال توسعة؟    الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان من 08 إلى 12 ماي الجاري بأكادير    تفاعل أمني مع شريط فيديو متداول يوقف شابا متورطا في سرقة سيارة    من مكناس.. وزير الصحة يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية على مستوى الجهة    مطالبات في لبنان بحجب تطبيق تيك توك إثر استخدامه من عصابة متورطة بشبهات جرائم جنسية    بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    مركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بالدار البيضاء.. انطلاقة الملتقى الربيعي للتأهيل والإبداع لفائدة النزلاء الأحداث    انطلاق المقابلات الشفوية للمترشحين للمشاركة في إحصاء 2024    الأمثال العامية بتطوان... (589)    حموشي تباحث مع السفير المفوض فوق العادة للسعودية المعتمد بالمغرب بخصوص تطوير التعاون الأمني بين البلدين    السيولة البنكية.. تراجع العجز ليصل إلى 144,7 مليار درهم    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    السجن يستقبل مستشار وزير العدل السابق    العصبة الوطنية تعلن عن برنامج مباريات ربع نهائي كأس العرش    لأسباب لوجستيكية .. تأجيل اجتماع اللجنة التحضيرية للتضامن مع الشعب القبايلي    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    "التلغراف" البريطانية تكشف تفاصيل النفق السككي بين المغرب واسبانيا    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مجلة "الصقيلة" في عددها الرابع والعشرين تحاور القاص والإعلامي عبد العالي بركات وتستحضر الشاعر الراحل محمد الجيدي    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"جذور الشيكوريا" ترياق شعري
نشر في بيان اليوم يوم 23 - 09 - 2021

تصافحنا ونحن نخوض في غمار المنجز الشعري للشاعر المغربي عبد الله ورياش، مجموعة من العتبات التي تقتضي الوقوف عندها مليا بغاية استكناه دلالتها، وأبعادها، لأن دورها يندمج ويتساوق مع كلية العمل، وليست مجرد تأثيثا وديكورا فحسب، "جذور الشيكوريا"، يأتي العنوان من خارج النصوص، فلا نص يشير حرفيا إلى هذه الجذور لتلك النبتة (الهندباء) بجذورها الحارة المستعملة كتغذية ودواء منذ عهد الفراعنة وغيرها من الحضارات، نبتة تنتمي إلى تلك النباتات الموصوفة علاجيا، فهذه الجذور تنتقل من تربتها وحقلها الزراعي إلى دائرة الحقل الشعري، مادام الشعر كبوح ورؤية للوجود والعالم يأتي كترياق يجدد صلتنا بالحياة.
الغلاف من إنجاز الشاعر والفنان التشكيلي: عزيز أزغاي في إطار يحتل صدر الكتاب الصادر عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال سنة 2017، سديم أسود بسدول خيوط تبدو مغلقة في الخواء، وأرضية تبدو بمنظر قاتم يكاد لا يبين، مع علامة [X] تترك علامات استفهامية مستفزة، والكتاب من القطع المصغر نسبيا في حدود ما يصطلح عليه كتاب الجيب 113 صفحة.
الإهداء يبقى آسرا وحميميا "إلى الذين أحبهم، لهم أهدي حقول قلبي"، بحيث لا يقتصر الإهداء على شخص معين ولكنه منفتح على إطلاق المحبة.
تتوجه العتبات بمقولة تمتح من البعد الصوفي وتعلقاته مع الأفق الشعري: "أستمع إلى صوت الناي كيف تبث آلام الحنين، يقول: "مذ قطعت من الغاب وأنا أحن إلى أصلي".
أركز على مضمرين: مضمر الذات الشاعرة التي تتوسل هذه المقولة لكي تمرر عبرها خطاب المعاناة والألم والاختراقات الداخلية، وفي نفس الوقت فآنات الناي ألم وغناء، والموسيقى والاشتغال على ما هو مموسق وارد في جوهر المتن.
نصوص يمكن اعتبارها طويلة نسبيا:
_ همس الرمال.
_ هزيم الروح.
_ دالية الضوء.
_ وصية (نص مهدى إلى الشاعر المرحوم محمد الطوبي). وباقي النصوص تأتي على شكل نصوص قصيرة جدا أو متوسطة على شكل متتاليات:
_ أنفاس.
_ قطيع أحلام.
_ فوانيس النوارس.
_ مهد الجنون.
_ مرعى النحل.
_ كبسولات.
من السمات التي ينهض عليها الكون الشعري لعبد الله ورياش مكون المفارقة، والمفارقة كمصطلح شائك، يكتنفه الغموض، وأسلوب المفارقة يشحذ بالسخرية وبالبنيات المضادة، وشاعرنا يوظف مبضعة (المفارقة) المتصيد للأورام الذوات والمجتمع على حد سواء، بلغة نقدية صريحة عارية لا تهادن ولا تساكن، ففي نص "بضاعة فاسدة" من متتالية (قطيع أحلام) نقرأ:
"(نحن" بقايا أحلام
مصابة بالخرف
نمشط شعر الخلافات
نربي لحية المتطرف فينا
نختفي، في عمق شيء ما
يسمى الأنا
أنا من سلالة هذه الشحرة
أختلس من التأويل شبيها
لتكفير المرآة) ص41
الإنسان ياغالي في تدمير نفسه وتدمير العالم المحيط به، ويظل الحنين الدائم للأرض وللأم، وهل يمكن تقديم اعتذار للأم:
عذرا أمي
كيف أزرع في تربة قلبي
ورودا
يسقيها ينابيع الابتسامة
العالم
لا يتحدث عن السلام
إلا ك "نقطة نظام"
للعبور إلى حروب قادمة؟! ص 43
والمفارقة تبلغ ذروتها لما يصبح علو المقامات الرفيعة على حساب جثت وأرواح من ينشدون للأرض للأسف، لمن ينتمون إلى قاع المجتمع، حيث يستصرخ السؤال:
" سؤال فقط
من سيملئ صدور الجيرلانات
بالياسمين والأوسم
إذا لم نمت نحن. "
فموت البسطاء يقابله تكريم وتعظيم الجزاء، مقاومة ضاجة بالمتناقضات، والمنحى المفارق يستخدمه الشاعر تهكما وسخرية في أكثر من موقع وقصيدة.
يتخذ الشاعر مكون المرأة مساحة واسعة، التي تظل برزخا بين" الشك واليقين" دون أن يتخلى أبدا عن تلك المفارقات الدالة:
"من بداية التكوين
والأرض تدور بحثا عن اليقين
فامنحيني _حبيبتي_ مزيدا من الشك
كي أنهار في أصفاء جنونك" ص 26
ثم أي تمزق ومفارقة هاته..!
"لأني أحبك
أهوى أن تذهب عني
وأفني عمري في انتظارك " ص 27
وفي ثنائية" البعد والقرب" نجد في الصفحة 28:
"أنا وأنت
على خلاف العشاق
نموت حين نبتعد
ونموت حين نلتقي
فمتى نحيا؟! "
" تلزمني امرأة صماء
أحدثها عن الحب
فتراه في عيني" ص 49
"تلزمني قبلة
إن استراحت على شفتي
صارت لي أجنحة نحلة" ص 53
في مهد الجنون تتوالى القصائد القصيرة، يتصدرها النداء (يا امرأة):
"يا امرأة
لا تغلقي حلقي
التقطيني من زغاريد المطر
سميني من جديد
فمنذ آويت أعماقي
وأنا أبحث عن جزيرة دافئة" ص 65
القصيدة عند عبد الله ورياش تنهض على رؤياها وأساليبها الجمالية وإيقاعاتها الداخلية ، فمن خلال المفاتيح الموسيقية دو / ري / مي / فا / صو / لا / سي / تتكون متتاليات" أنفاس" التي تنتهي بنتيجة صادمة تتلخص في أن العواطف والأحاسيس حينما تصبح معلبة وبرمجة تسمى جامدة.
"سي: سيدتي
حين توصلت برسالتك
عبر (SMS)
تحمل إلي قبلة من الأعماق
أدركت أن زمن العشق
انتهى" ص 21
جل العناوين في الأضمومة الشعرية، لا تخلو من مفارقات:
_ همس الرمال.
_ افتراضات رخيصة.
_ هزيم الروح.
_ قطيع أحلام.
_ مهد الجنون.
_ دالية الضوء.
ففي متتالية" فوارس النوارس"، فكيف للنوارس وهي طيور مائية أن تركن إلى فانوس ضوء، ولازمة" تلزمني" تثرى وتتوالى بحثا عن امرأة، وأغنية، وفكرة، وشمس، وقبلة، وذاكرة، وصداقة، وحب، وحذاء لمسالك الطرق الوعرة.
جذور الشعر بحرارة الشيكوريا تكون ترياقا لا يتأتى كل ذلك إلا بحياة وشمس مشرقة:
" تلزمني شمس
لا يشتقها حبل الأفق
طبقا لأحكام الظلام" ص 52.
تبقى الذات الشاعرة شاخصة للعالم ناظرة إليه ببوح الشعر، بدون أن يغيب ضمير الأنا في أكثر من موضع:
"ما غرك
حتى تكون العاشق
وأكون أنا الغريق" ص 34
"تلزمني حذاء
من جلد
أنا ذاهب للقاء (عرقرب)
ولخطواتي واسع الذنوب" ص 59
"يا امرأة
من المهد
وأنا ذلك الطفل المفتون المدهش" ص 64
"فمنذ آويت أعماقي
وأنا أبحث عن جزيرة دافئة" ص 65
"انا الآن أودع الميناء
ضاحكا من روحي" ص 66
"أنا لست مزهرية ورد
على نافدة أحد" ص 71
" أنا فقط أمشي خلف أفكاري
حتى تنضج في زوايا الأبعاد" ص 72
"أنا الآن، أرى العالم،
يمشي مستقيما
على خطوط مائلة" ص 77
" كل شيء وارد
وأنا لا أعاند" ص 79
"أنا (…)
سموني ما شئتم
لا شأن لي بضحايا المرايا" ص 85
" انا في انتظار عاشقة
ستأتي بعد قليل" 86
"أنا هنا قبل آدم وحواء
أنا المسؤول عن كل الأخطاء
وكل الإجابات في داخلي.. مهمة" ص 109
"أنا من الشرق الأوسخ
خانتني أحلامي"
ضمير الأنا ضمير رفع متصل للمتكلم والمتكلمة، أما في الفلسفة الحديثة، فتشير كلمة" أنا" في معناها النفسي والأخلاقي إلى الشعور الفردي الواقعي وإلى ما يهتم به الفرد من أعمال معتادة، يناسبها لنفسه.
والشاعر يبرز كنه ذاته مفصحا ومصرحا بوجهة نظره: "هكذا أنجبتني الصحراء" ص 11
" أبحث عن امرأة
لا تشبهني"
"علمتني في القريض
أن أدفن موتاي"
في مقابر تليق بالمقام" ص 12
"رياح القلق
تعصف بي" ص 16
"هي: ميناء لزورقي
حين يتعبني الإبحار" ص 17
وهلم أمثلة واردة بوفرة في النصوص.
"هكذا أنجبتني الصحراء"
كلمة مركبة من هاء التنبيه وكاف التشبيه وذا اسم إشارة، ومعناها على هذا النحو.
"هل ماتت بحور العرب!" ص 11
هل حرف استفهام وتختص بالإجابة نعم أم لا.
"وها نحن – حبيبتي-
على حدود الاغتراب نلتقي
لتبادل حبا مستعار" ص 20
الهاء تفيد هنا الإشارة والتنبيه.
"هذا المسرح بلا شار
وأنا على الركح أموت" ص 29
هذا: مركبة من هاء التنبيه وذا اسم أشار.
"أيها المخرج
لا تحملني كل الذنب" ص 39
أيها: مركبة من أي وهاء التنبيه الوصلية ويتبعها المنادي المعرف بأل.
"يا رأس الغياب
كم حملتك إلى هنا
يا: حرف النداء القريب والبعيد، وهي أكثر حروف النداء استعمالا.
"هكذا ببالغ الأدب
تسبقني كلماتي
إلى قلب حبيبتي" ص 81
هكذا: مركبة من هاء التنبيه وكاف التشبيه وذا اسم إشارة.
يبقى الإبداع مرتبطا بالألم والمعاناة وإن كانت" جذور الشيكوريا" لها طابعها العلاجي والشفائي، فالشعر بقوته المستمدة من داخل الذات الشاعرة المكتوبة بجمر الألم وفرط الحساسية تجاه النفس المحترقة والعالم المحيط بها أكثر احتراق واهتمامها، لأن بالإبداع الجميل نستطيع أن نخلق حدائق الجمال.
الإبداع عامة والشعر خاصة يتحول إلى أداة للمقاومة تجاه واقع مزري بالخيبات، ومن أحسن ما التقطت في هذا الصدد مقولة بتهوفن: "كدت أن أضع حدا لحياتي لولا الفن الذي ساعدني وأنقذني"، فقد كانت طفولته قاسية وأبوه يعامله بغلظة وفضاضة، وأصيب بالطرش وهو الموسيقى المعتمد أساس على حاسة السمع.
أعتز بالوقوف عند ديوان "جذور الشيكوريا" المتسم بالبساطة والعمق والسعي إلى حفر مسار جديد، وحرث أراض بكر في الكون الشعري دوما وأبدا ترياقا للأرواح والنفوس حدوى جذور الشيكوريا المطببة للأبدان، وأعذب الشعرعصارة معاناة وشجوى وألم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.