تعيش ليبيا على وقع جدل التناقضات بين الفرقاء السياسيين بخصوص المبادرة الأممية الجديدة التي تتمحور حول الجمع بين ممثلي المؤسسات الرسمية المعترف بها دوليا وهي المجلس الرئاسي ومجلس النواب وقيادة الجيش الوطني وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس الدولة الاستشاري. وبينما تشكك أوساط ليبية في إمكانية التوصل إلى توافق بين القوى المتنافرة في المشهد السياسي الليبي، قال المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا عبدالله باتيلي إن غالبية الأطراف السياسية في البلاد لا تريد تنظيم انتخابات عامة لانعدام الثقة بينها، مشيرا إلى أن الوضع في ليبيا أصبح معقدا، وأن ما يهم الفرقاء الأساسيين هو المكاسب التي تتحقق من النفط، والاستمرار في ضمان الوصول إلى جزء من هذه الموارد، وفق تقديره. وأضاف باتيلي في مقابلة مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية "نحاول في هذه المرحلة إدخال الأطراف الخمسة الرئيسية في الحوار، لكننا نواجه الكثير من المقاومة"، مردفا "لقد طلبنا من جميع المسؤولين تعيين ممثلين مسؤولين عن المشاركة نيابة عنهم في الاجتماع التحضيري الذي سيكون هدفه مراجعة كافة النقاط العالقة. وسيكون الغرض من هذا الاجتماع مناقشة الرزنامة الانتخابية والنقاط التي لم يتم حلها، من أجل الإعداد لمؤتمر يشارك فيه القادة أنفسهم". وكشف باتيلي أن الإعلان عن مبادرته جاء بعد أن اجتمع مع مسؤولين أتراك وإماراتيين وقطريين، وأنه كان في تونس في بداية نوفمبر الجاري، مع ضرورة الأخذ بالاعتبار لمواقف مصر والجزائر والمغرب، مبرزا أنه ذهب إلى العواصم الأوروبية الرئيسية: لندن وباريس وبرلين وموسكو لمناقشة الوضع، معتبرا أن التدخلات الخارجية هي أمر واقع بطبيعة الحال، ولكن في الكثير من الأحيان، تكون حجة التدخل الخارجي هذه أيضا وسيلة مناسبة للمسؤولين الليبيين لإخفاء إخفاقاتهم. وبينما يعتقد المبعوث الأممي أنه أمسك بطرف خيط الحل، جاءه أول رد من مجلس النواب، معلنا رفضه المشاركة في اجتماع الطاولة الخماسية، ومتهما البعثة الأممية بعدم احترام مخرجاته المتعلقة بالتعديل الدستوري (13) وقرار منح الثقة للحكومة الليبية، وعدم دعوتها للاجتماع رغم أنها الحكومة الشرعية التي منحها الثقة عقب انتهاء المدة القانونية لحكومة الوحدة الوطنية. وأكد المجلس رفضه المشاركة في أي حوار أو اتفاق سياسي لا يحترم الإرادة الليبية والمؤسسات الشرعية المنتخبة من الشعب الليبي وما انبثق عنها من مؤسسات تنفيذية، ورفضه تكرار التجارب السابقة والتي ثبت عدم نجاحها في حل الأزمة الليبية ولن يقبل بأي مخرجات مكررة لما سبق اتخاذه من قبل البعثة الأممية سابقا، وتمسكه بمبادئه السياسية في ما يتعلق بضرورة احترام إرادة الشعب الليبي وذلك من خلال صناديق الاقتراع وبشفافية تامة بعيدا عن التدخلات والإملاءات الخارجية. وبحسب المتابعين للشأن الليبي، فإن موقف مجلس النواب ينسحب على القيادة العامة للجيش الوطني التي تعتبر رئيس المجلس عقيلة صالح قائدا عاما للقوات المسلحة، ولا تعترف بولاية المجلس الرئاسي في طرابلس عليها، وأن باتيلي أخطأ عندما اعتقد بأن الأطراف الإقليمية والدولية يمكن أن تتدخل لفرض مبادرته على الفرقاء الداخليين، لا شيء في الظروف الحالية، التي تتميز بالكثير من التحولات في المنطقة، وتحولت فيها القضية الليبية إلى رقم على الهامش، إلى حين حل بقية الملفات من مالي والنيجر إلى السودان فغزة وصولا إلى الأزمة الروسية – الأوكرانية. وكان المجتمع الدولي قد فشل في تنظيم انتخابات في ليبيا في ديسمبر 2021 رغم كل الاستعدادات التي جرت بما في ذلك فتح باب الترشحات للسباق الرئاسي، كما عجز عن حلحلة الملفات الجدلية كوضع الميليشيات والسلاح المنفلت والقوات الأجنبية والمرتزقة والقوانين الانتخابية والمصالحة الوطنية، وتبين أن الملف الوحيد الذي نجح فيه هو ملف إنتاج وتصدير النفط، وذلك لسبب رئيس وهو أن الفرقاء المتحكمين في الصراع يستفيدون من إيراداته في تكريس سياسة التمكين التي يعتمدونها. واعتبر عضو مجلس الدولة الاستشاري وعضو المؤتمر العام منذ عام 2012 سعد بن شرادة، أن باتيلي يريد ضرب عصفورين بحجرة واحدة، بمحاولته إرضاء الحكومات الموجودة بإطالة أعمارها سنة أو أكثر، كما يرضي من يريد الانتخابات بقوله إنه في إطار الحوار للوصول إلى الانتخابات. ويبدو رأي شرادة منسجما مع ما يدور في المشهد السياسي، حيث تؤكد أغلب المؤشرات أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في الغرب والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر في الشرق يتصرفان وكأنهما باقيين في السلطة إلى ما لا نهاية، وهما يتحركان على أكثر من صعيد في إطار عمل لا ينسجم مع طبيعة المسارات الانتقالية ولا مع رؤية من قد يجد نفسه خارج الحكم في أي وقت من الأوقات. والخميس الماضي، دعا باتيلي ممثلي من وصفهم بالخمسة الكبار، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، والقائد العام للجيش الجنرال خليفة حفتر، إلى عقد اجتماع تحضيري "لتحديد موعد اجتماع رؤساء مؤسساتهم ومكان انعقاده وجدول أعماله والمسائل العالقة التي يجب حلّها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب". ولم يكشف باتيلي عن الطريقة التي يمكن أن يقنع بها الميليشيات المسلحة المسيطرة على المنطقة الغربية بأي حل سياسي، لاسيما أنها لا تزال تؤكد إصرارها على إقصاء المشير حفتر من المشهد العام في البلاد، كما لم يشر إلى موقفه من ممثلي النظام السابق الذين يشكلون نسبة مهمة من المجتمع الليبي، وما إذا كان سيتم إدماجهم في جهود الحلحلة.