الصحراء المغربية والوضع السياسي والأمني في العالم العربي وإفريقيا في صلب العلاقات الدولية للمغرب تعرف الدبلوماسية المغربية في الآونة الأخيرة نشاطا غير مسبوق يتميز بالاشتغال على عدة واجهات مما من شأنه أن يكسب العلاقات الإقليمية والدولية للمغرب تطورا نوعيا، خاصة في مرحلة تتميز بأهميتها التاريخية وتحدياتها الكبرى إن على المستوى الوطني أو الدولي. ففي الوقت الذي قام فيه وزير الشؤون الخارجية والتعاون، سعد الدين العثماني، بجولة في عدد من الدول الإفريقية، حاملا رسائل من جلالة الملك محمد السادس إلى رؤساء تلك الدول، وذلك قبل أن ينتقل إلى روسيا، كان الوزير المنتدب يوسف العمراني بدوره يتنقل بين عدد من الدول ضمن جولة عمل أخذته منذ 10 أبريل الجاري إلى كل من غواتيمالا ثم إسبانيا قبل أن يعرج على المملكة المتحدة وبعدها الصين. وقد منحت هذه التحركات حيوية جديدة للدبلوماسية المغربية، من خلال اشتغالها على محاور متعددة، في المحيط الإقليمي والإفريقي، والأوربي - المتوسطي، فضلا عن التوجه نحو بناء وتطوير علاقات وشراكات استراتيجية جديدة، خاصة فيما يتعلق بروسيا والصين. وتأتي هذه الطفرة الدبلوماسية في ظل الصورة الإيجابية التي يتمتع بها المغرب كبلد منفتح ومستقر والتي عززتها الإصلاحات السياسية الأخيرة جاعلة من المملكة نموذجا قويا في المنطقة العربية وشمال إفريقيا، من خلال إقرار دستور جديد واتخاذ مبادرات أخرى لتكريس دولة الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان. ومن المؤكد أن هذا النشاط الدؤوب للآلة الدبلوماسية المغربية سيكون له أثره الإيجابي على ملف قضيتنا الوطنية التي بدأت بدورها تعرف تطورات متسارعة في الآونة الأخيرة في إطار مساعي وجهود الأممالمتحدة من أجل وضع حد لهذا النزاع المفتعل، حيث يستمر موقف المغرب ومبادراته في هذا السياق في حشد التأييد والدعم الدوليين، مستفيدا من اللقاءات والمشاورات المكثفة التي يقوم بها أعضاء الحكومة الحالية وعلى رأسهم مسؤولا وزارة الخارجية، ومن هنا تتجلى الدلالات الاستراتيجية للزيارات الهامة التي قام بها كل من العثماني والعمراني إلى دول روسيا وبريطانيا والصين، كدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. كما أن هذه التحركات تأتي غداة منح عضوية غير دائمة للمغرب في مجلس الأمن، وهو الوضع الذي يعمل المغرب من خلاله على تعزيز دوره الإيجابي في تحقيق السلم العالمي والمساهمة في مواجهة التوترات الأمنية وتهديد الإرهاب بجميع أشكاله عبر العالم، دور ما فتىء المغرب يثبت كفاءته في الاضطلاع به، سواء من خلال تحركه النشيط ومبادراته خلال الاجتماعات الداخلية لمجلس الأمن، أو من خلال تحركات وزارة الخارجية. وفي هذا الإطار، تبين مختلف التصريحات والتعليقات، التقدير الذي تحظى به المواقف المغربية في ما يتعلق بكافة القضايا الاستراتيجية إقليميا ودوليا، وعلى رأسها القضية السورية التي تشغل بال المنتظم الدولي في الوقت الراهن، إضافة إلى القضايا المرتبطة بالوضع السياسي في دول شمال إفريقيا والعالم العربي، والوضع الأمني في دول الساحل الإفريقي. وكلها قضايا تندرج في صلب السياسة الخارجية للمغرب وعلاقات الجوار التي يربطها مع محيطه بواجهاته المتعددة. ومن جانب آخر، لا شك أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة من شأنها كذلك العمل على تعزيز العلاقات الثنائية مع مختلف الدول التي زارها المسؤولان المغربيان. ومن نافلة القول أن المغرب هو في حاجة اليوم أيضا إلى إعطاء دفعة قوية لعلاقاته الثنائية على المستويات الاقتصادية والتجارية، فضلا عن الجانب السياسي، من أجل تقوية قدراته التنافسية وتعزيز مشاريعه التنموية، انسجاما مع إمكانياته الداخلية ومع التحديات الخارجية في سياق وضع اقتصادي عالمي لا يخلو من أزمات تعمل على إعادة تشكيل خريطة العلاقات والتوازنات، مما يفرض على بلادنا الحرص على الحفاظ على إمكاناتها والاستفادة منها في فتح آفاق واعدة جديدة.