محمد الغالي: فصل السلط في المغرب يوجد بين النص المكتوب في الدستور وجدل الممارسة في الواقع أكد مدير مشروع شمال إفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية وليام لورنس أن أحداث «الربيع العربي» أجبرت الغرب على إعادة ترتيب أفكاره حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما تشهده من أحداث، مبرزا في هذا الصدد أن «الغرب لم يعد في مقدوره إعطاء دروس فيما يخص البناء الديمقراطي على اعتبار أن الأمر بات يرتبط بالوزن السياسي للشعوب ومدى إرادتها في التغيير». وقال الخبير وليام لورنس في تدخل ألقاه في الندوة التي نظمتها جمعية حقوق وعدالة بتعاون مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية، وهيئة التعاون السويسري بالمغرب وسفارة هولندا ، حول موضوع، «دمقرطة المغرب منذ الدستور الجديد، ما الذي تغير»، وذلك يوم الجمعة الماضي بالرباط، «إن هناك الكثير مما حققته الثورات العربية إذ ساهمت في تطور الإيديولوجيات، وأن قطر لعبت دورا مهما في الربيع العربي خاصة من خلال شبكة الجزيرة التي ساهمت في توسع رقعة الربيع العربي». واعتبر فيما يخص الربيع العربي في المغرب بأنه اهتم به أكثر الذين لديهم آراء مضادة للنظام الحاكم، وإلى أن الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية في المغرب لم يصوتوا لهذا الحزب بل صوتوا من أجل التغيير، مشيرا إن هناك الكثير مما حققته الثورات العربية إذ ساهمت في تطور الإيديولوجيات. ومن جانبه أشار محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إلى الأهمية التي يحظى بها مبدأ فصل السلط، والتي تتمثل بالأساس في ضمان الحقوق والحريات عبر التحكم في مخاطر ممارسة السلطة، معتبرا أن كل دولة لا ينص دستورها على مبدأ الفصل بين السلطات فهي كأنها دولة من دون دستور. واعتبر المتحدث الذي قدم مداخلة حول موضوع «هندسة الدستور الجديد وإشكالية الفصل بين السلطات في المغرب»، أن فصل السلط في المغرب يوجد بين النص المكتوب وجدل الممارسة، إذ لا يمكن أن نحكم علاقات الفاعلين السياسيين فقط بالنص المكتوب، ذلك أن الأمر يتعلق بمجمع دستوري، «ولا يمكن بناء على ذلك اختزال علاقات الفاعلين السياسيين بنص دستوري، الذي تم إعداده وتدبيره وفق ميزان سياسي معين في حين أن الحياة السياسية ليست سكونية بل تطبعها الدينامية». وأكد أن الدستور المغربي الجديد نص في ديباجته على هذا المبدأ (الفصل بين السلطات)، لكن مع ذلك فإن الأمر يطرح إشكالا وهو يرتبط بآليات تنزيل وتفعيل هذا المبدأ، بل وبكيفية ترتيبه في الهندسة الدستورية، موضحا ذلك من خلال التذكير بمضامين دستور 1996 الذي نص بدوره على مبدأ الفصل بين السلطات ولكن كانت تغيب فيه الآليات التي توضح بجلاء كيفية التعامل مع هذا المبدأ. مشيرا إلى أن الخطير بخصوص هذه المسألة هي «أنه رغم أن مقتضيات الدستور قد تظهر أنها جيدة فإن الإمكانية التي يتوفر عليها الفاعل السياسي الذي قد تكون له القدرة الفائقة على خلق اعتقاد لدى المواطنين أن هناك فصلا بين السلطات في حين أن الواقع الملموس غير ذلك»، متسائلا إلى أي حد يمكن للتوليفة الجديدة التي طرحها دستور 2011 الذي رتب العلاقة بين عناصر السلطة -الحرية، الدولة- الشعب، وطرح من خلال الديباجة توصيفة بين الديمقراطية التمثيلية التي يمارسها نواب الأمة والديمقراطية التشاركية التي تمارسها الهيئات والمنظمات والفعاليات المدنية، إلى أي حد يمكن أن تكون قادرة على الحد من التجاوزات. وأفاد المتحدث أنه لتجاوز ذلك يجب التمييز بين تفسير النص وتأويله، ففي التفسير نبقى مقيدين بمنطوق النص لكن في التأويل نتجاوز منتج النص إلى أشياء أخرى، محملا في هذا الصدد المسؤولية للفاعل السياسي وكذا القضاء الدستوري الذي عليه أن لا يبقى فقط يوجه مجهوده إلى وثيقة مكتوبة وأن يبحث عن آليات أخرى يمكن من خلالها إنعاش العقل السياسي وخلق أعراف وممارسات دستورية يمكن أن تساعد في هذا الاتجاه. وأشار كمثال في هذا الباب إلى النقاش الذي أثير مؤخرا حول مسألة التعيينات على مستوى المؤسسات العمومية، حيث ظهرت بعض المصطلحات التي تعطي مؤشرات سلبية بخصوص مبدإ الفصل بين السلطات، منها المؤسسات الاستراتيجية، مبرزا أن المبدأ المتعلق بالفصل بين السلطات يبرز بشكل جلي وجود تعقيدات والتي لا تطرح فقط على مستوى الوثيقة الدستورية ولكن م أيضا على مستوى الثقافة السياسية السائدة والتي تتحمل المسؤولية فيها الأحزاب السياسية. وأثار المتحدث عددا من الجوانب التي تكشف جانبا من جوانب القصور في تصور النظام السياسي (الذي لا يقصد به المؤسسة الملكية بل أيضا الأحزاب السياسية) لمبدأ الفصل بين السلطات، كما هو الحال بالنسبة للفصل 67 من الدستور، والذي ينص على لجان تقصي الحقائق، ويعتبر بأنه لا يجوز تكوين لجان تقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية مادامت هذه المتابعات جارية، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق سبق تكوينها. وأوضح المتحدث أن هذا الفصل يظهر أن هناك خلطا بين التحقيق القضائي الذي يهدف إلى توقيع الجزاء، والتحقيق البرلماني الذي هو تحقيق سياسي يروم إلى تنوير الرأي العام حول إدارة وتدبير جهات معينة، ومرد هذه المسألة لكونها مستلهمة من الدستور الفرنسي الذي هو بدوره يخلط بين التحقيقين، بخلاف الدستور الإيطالي الذي يفصل بين التحقيق البرلماني والتحقيق القضائي. يشار إلى أن هذا الندوة شارك فيها عدد من الخبراء والفاعلين الحقوقيين حيث تم خلالها مقاربة عدد من المحاور تهم استقلال القضاء، وحقوق المتقاضين في الدستور الجديد، والانتخابات في المغرب والربيع العربي والوضعية الحالية لدولة الحق في المغرب.