ملايين الأطفال مهددون بفقدان حقهم في التعلم بنهاية 2026    التصفيات الإفريقية.. مباراة النيجر حاسمة للتأهل إلى مونديال 2026 (لاعبون)    اتحاد طنجة ينهي المرحلة الأولى من البطولة الوطنية لكرة القدم الشاطئية بفوز عريض على مارتيل    دياز يوجه رسالة مؤثرة بعد لقائه محمد التيمومي    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    تفاصيل ترؤس أمير المؤمنين الملك محمد السادس لحفل ديني إحياء لليلة المولد النبوي الشريف    عفو ملكي على 681 شخصا بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس من أجل الدفاع عن المدينة المقدسة        إصابات في صفوف رجال الأمن واعتقالات على خلفية أعمال شغب أعقبت جنازة الزفزافي    الزفزافي يعود إلى سجن طنجة بعد نهاية جنازة والده    مالي تجرّ النظام الجزائري إلى محكمة العدل الدولية بتهمة "الاعتداء المسلح" على سيادتها ورعاية وتصدير الإرهاب    "الأسود" يتدربون في ملعب الرباط    دياز يفخر بحمل رقم 10 للتيمومي    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالملك    أفغانستان.. حصيلة الزلزال ترتفع لأكثر من 2200 قتيل    السفارة المغربية في لشبونة تطمئن على وضع المواطنة المصابة بالقطار    اجتماع حاسم بوزارة الصحة يرسم خريطة طريق لإصلاح قطاع الصيدلة بالمغرب    حين يضحك العبث السياسي    النباتات المعدلة وراثياً .. الحقيقة والخيال    الأمير مولاي الحسن يدشن ملعب "الأمير مولاي عبد الله" بالرباط بعد إعادة تشييده    مواطنة مغربية ضمن المصابين في حادث خروج قطار سياحي عن مساره في لشبونة    الأمير مولاي الحسن يدشن ملعب "الأمير مولاي عبد الله" بالرباط بعد إعادة تشييده    جنازة أحمد الزفزافي تتحول إلى استفتاء شعبي يضع الدولة أمام خيار المصالحة أو استمرار الجراح    ذكرى المولد النبوي .. الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية تدعو كافة مستعملي الطريق إلى اتخاذ كل الاحتياطات والتدابير اللازمة    «الفيفا» تطلق عملية بيع تذاكر مونديال 2026    الحكومة تصادق على مشروع قانون جديد لتعويض ضحايا حوادث السير... 7.9 مليار درهم تعويضات خلال 2024    «سحر الشرق وغوايته».. عز الدين بوركة يواصل البحث في فن الاستشراق بالشرق والمغرب    حكاية لوحة : امرأة بين الظل والنور    بعد هوليوود… الذكاء الاصطناعي بدأ يغزو بوليوود    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    استعراض الصين : نظام عالمي جديد يتشكل..بأسلحة تلامس الخيال العلمي    علماء يحددون البكتيريا المسؤولة عن أول جائحة في التاريخ البشري    آلاف المشيعين يودعون أحمد الزفزافي والد قائد حراك الريف    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    ارتفاع طفيف في كمية مفرغات الصيد البحري بميناء طنجة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    مجلس الحكومة تتداول النسخ التصويري    الصناعة التحويلية: أرباب المقاولات يتوقعون ارتفاع الإنتاج خلال الفصل الثالث من 2025 (مندوبية التخطيط)    غاستون باشلار: لهيب شمعة    التفكير النقدي في الفلسفة كأداة للابتكار والتطوير المستمر    الدخول المدرسي.. عودة التلاميذ إلى المدارس تعيد الزخم للمكتبات    نقابة موظفي التعليم العالي تندد ب"خروقات" خلال الإضراب الوطني وتعلن عن خطوات احتجاجية جديدة    سنتان ونصف حبسا نافذا لمتهمة بالإساءة للذات الإلهية        دراسة: ثلاثة أرباع واد سبو في سيدي علال التازي تُصنف ضمن "التلوث المرتفع جدا"    الذهب يستقر قرب أعلى مستوياته وسط توقعات خفض الفائدة الأمريكية    29 قتيلا في غرق قارب بنيجيريا    الاستثمار الدولي... وضع صاف مدين ب 693,1 مليار درهم في 2024    استعدادات تنظيم النسخة الرابعة من الملتقى الجهوي للمقاولة بالحسيمة    "ميتا" تطلق إصدارا جديدا من "إنستغرام" لأجهزة "آيباد"    "آبل" تتيح نموذجي ذكاء اصطناعي مجانا    ذكرى المولد النبوي .. نور محمد صلى الله عليه وسلم يُنير طريق الأمة في زمن العتمة    دولة أوروبية تحظر بيع مشروبات الطاقة للأطفال دون 16 عاما    وجبات خفيفة بعد الرياضة تعزز تعافي العضلات.. الخيارات البسيطة أكثر فعالية    الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل إلى المنتوج الفيلمي و التوثيق :
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 01 - 2014


مشروع السينما الوظيفية
لا مجازفة في القول، بأن حقل الأفلام الوثائقية وعر و محفوف بالمخاطر على المستوى الفني و النظري معا. فهدا الحقل الفيلمي يقتضي أرضية مرجعية رصينة، و إلماما معرفيا بمحاور البحث الميداني الذي ينفتح على عدة أصوات، و يستدعي عدة معارف ومقاربات، الشيء الذي يجعل من إنجاز أي مشروع توثيقي من الناحية السينمائية أو السمعية البصرية عموما مغامرة كبرى و رهانا صعبا. لقد سبق للمؤرخ و المخرج الفرنسي آلان جوبير أن صرح في معرض حديثه عن الأفلام الوثائقية الخاصة بالفنون الجميلة بأن هذا الصنف التسجيلي فن مركب يوظف كل بلاغات الخطاب الفيلمي صورة، و تعليقا، و دلالة الخ...
في رحاب أي فيلم وثائقي جدير بهذا الوصف النقدي، ندرك بأن الكتابة السمعية البصرية بمثابة جغرافيا و تاريخ يتقاطع من خلالهما و عبرهما المجال الواقعي و الفضاء الافتراضي، حيث تركز اللغة الفيلمية على الأنظمة المتعددة للتعبير ، و الإيحاء، و الكثافة، و الرصد، و التحليل، و التأويل. إنها شهادة مرجعية يعتد بها من الناحية العلمية، لأنها تؤسس خطابها الجمالي و التسجيلي على وثائق تاريخية، و بيانات واقعية، و معطيات ميدانية تؤرخ لتفاعل الإنسان مع سياقاته المادية و الرمزية.
إن الفيلم الوثائقي هو الذي حقق، بالقوة و بالفعل، مشروع السينما الوظيفية بكل ما يحمله هذا المركب الاسمي المعرف من معنى و دلالة، إذ زاوج بين رهانات الصناعة السينمائية، بمفهومها التقني، و إطارها الإنتاجي، و هموم الرصد الواقعي و الرصد الموضوعي على مستويي الكتابة و التاريخ.
فالفيلم الوثائقي حقق دينامية التواصل الإخباري بالمقارنة مع الفيلم الروائي الغارق في جماليات التخييل و المنساق مع مقاصد الإثارة و الغواية المتحكمة في منطق الفرجة و طقوسها الاستهلاكية. فعلى عكس هذا الإطار الروائي، يؤسس الفيلم الوثائقي لهويات مفتوحة كبعد معرفي على قضايا العصر وحرقة أسئلته الثقافية، و الاقتصادية، و الاجتماعية، و السياسية. و هي لعمري ليست هويات شكلية ترصد الغرائبي(Exotique) و التسجيلي العارض كما هو حال بعض الأفلام الوثائقية ذات المنزع الاستشراقي أو التسييحي. إن الفيلم الوثائقي يؤسس لانتماء عميق و عضوي في جغرافيا العالم، محاولا استيعاب قضاياه العامة، و تمثل روافده و علامات ذاكرته المحلية و الكونية بكل أبعادها المتقاطعة. ها هنا، يمكن الحديث عن الوظيفة الثقافية للأفلام الوثائقية التي تساهم من موقعها الاعتباري في بلورة وعي الانسان بذاته، و مجاله، و ثقافته أو متخيله، مما سيؤهله لكي يكون فاعلا في سيرورة تنمية مجتمعه على شتى المستويات و الأصعدة.
لا جدال في كون الفيلم الوثائقي، رغم قلة تراكماته النوعية و ضخامة شروطه الإنتاجية،جزء لا يتجزأ من المشروع الثقافي و المجتمعي و الحضاري من الناحية الانسانية الكونية، لأنه يقارب القضايا الجوهرية، و يطرح الأسئلة النوعية و المصيرية بكثير من الدقة، و الوضوح، و التماسك، و العمق، و التبصر.
إن مخرج الفيلم الوثائقي و منتجه مقتنعان أيما اقتناع بأهمية الوثيقة المصورة (الثابتة و المتحركة) و قيمتها المرجعية. فهما يؤسسان خطابهما على درجة حضور التاريخ في الانتاج الفيلمي كمادة مصدرية، و كرؤية موضوعية للحدث تلتزم بإقرار الرأي و الرأي الآخر في ضوء منهجية العمل. إنهما يشتغلان بشكل حثيث على مستويات توظيف السينما في كتابة التاريخ، و رصد الوقائع، و مقاربة القضايا، حيث يحاولان تدبير العلاقة التفاعلية بين التاريخ كمعرفة علمية و السينما كمعرفة فنية، و كلاهما يشتغلان على الواقع في أزمنته الثلاثة (الماضي، و الحاضر، و المستقبل)، محولين إياه إلى علامات تصبح في إطار الإعداد و الإنجاز عملا مكتوبا أو عرضا (Spectacle). لقد سبق للناقد نور الدين الصايل أن أكد ما جوهره: « كل فيلم وثائقي هو فيلم تاريخي. فالسينما لا تصور أبدا شيئا في الحاضر، لأنه بمجرد ما يصور مشهد معين – بسرعة 24 صورة / ثانية – و يتم تجاوزه يصبح تاريخا».
فخارج اللعبة الايديولوجية التي تتحكم في إنتاج الصور و التعليق غير المطابق لها كما أوضح ذلك جليا الباحث الألماني كراكوور في مؤلفه «من كاليكاري إلى هيتلر». لا بد من التنصيص على كون الصور مادة خام بالنسبة للمولعين بالتوثيق. فهي تحمل معناها في ذاتها لأنها «تحكي الزمن» على مستوى محمولها التصويري و بنائها التركيبي و الاستبدالي. إنها وثيقة تسجيلية تسعف، أيضا، المنشغلين بالبعد الروائي المهووسين بتوظيف زمنهم في الكتابة، مستندين في ذلك إلى فعلي الحكي و المحاكاة و ما يقتضيانه من نقل و وصف، و كذا من إعادة إنتاج بوسائل سينمائية حديثة لا تنقطع عن التطور ، حيث أصبحت تضم في بعض الأفلام المعاصرة مشاهد من البعد الثالث (3D). الملاحظ أن هذا الجنس الوثائقي يدرك جيدا لعبة المفارقة بين الزمن الواقعي أو المضموني (la diegèse) الذي يمتد عبر السنوات و الزمن الفيلمي الذي يقوم على الاختزال، و التكثيف و لا يتجاوز في الغالب الأعم ساعة و نصف.
هكذا، يقوم الفيلم الوثائقي ب» تفنين» أو «سنمأة» التاريخ، مستثمرا في ذلك عدة تقنيات سينمائية و مؤثرات سمعية بصرية كما أبرز ذلك بشكل مستفيض فيرناند بروديل.
يستشف المتأمل لتجارب الفيلم الوثائقي على الصعيد العالمي بأن التاريخ يغني السينما، و بأن السينما بدورها تغني التاريخ. فهما يقومان معا على معيار الزمن الذي يمثل شكل السرد و موضوعه في الآن ذاته، كما أنه يحمل واقعا موضوعيا و كيانا وجوديا و إنسانيا يحاول المؤرخ و مخرج الفيلم الوثائقي أن يحكي حكاياته وفق زوايا نظر متعددة. إنهما يركزان على تأويل الواقع و استيعابه بدل الاقتصار على سرده. ها هنا، تكمن اللذة السينمائية.إنها لعبة العلامات المنفلتة من الثقل التاريخي، و المشتغلة على المؤثرات العامة التي تنم عن تصور فكري للمنجز بشكل سلس يجمع بين التاريخ الحي و التصوير الفني (الحركة، المؤثرات الحقيقية في الجمهور، الدقة في الوصف و التحليل...).
ما زال إنتاج الأفلام الوثائقية في المغرب خصوصا و في العالم عموما يمثل عزفا منفردا و حالة شرود داخل مشهد الفن السمعي البصري في عصر الصورة الذي يكرس سيادة الاستهلاك المباشر و التلقي السلبي تحت ذريعة الفرجة بدل ملكة التحليل و التأويل التي تتعامل مع الانتاج الفيلمي كفن تاريخي وثائقي يراهن على المعنى الثالث بالمفهوم البارتي الذي يبدع صيرورة الزمن (نظام مزيف و بناء داخلي)، و يفتح المجال للمجاز و للخدعة الواعية.
فمتى سيفك الحصار عن الفيلم الوثائقي لكي يحقق رهاناته النوعية و الكمية ؟ متى سينزاح هذا الفيلم عن المقاربة البدائية و الآلية للوقائع (les faits) لكي ينخرط كليا في مملكة الإبداع الخالص؟
شاهدت من خلال تجربتي مع فعاليات المهرجان الدولي لفيلم الطالب بأن عددا كبيرا من الشباب المبدعين من مختلف الأقطار الدولية أصبحوا يتعاطون لإخراج الأفلام الوثائقية بذكاء و عمق، واعين منذ البداية بأن التاريخ معين لا ينضب بالنسبة للسينما، و بأن السينما إبداع موثق للتاريخ. كما أنهم يدركون جيدا بأن «التوثيق» ليس مجرد نظام سردي، بل هو فضاء ذاتي رحب، و حقل من الثوابت و المتغيرات على المستوى الدلالي. إنه أثر كبير يستلزم قراءة عمودية كما أكد ذلك رولان بارت في حديثه المسهب عن المعنى الثالث.
و إذا استعرضنا عدة تجارب وثائقية على الصعيد الدولي ، فإننا نجد تنوعها على مستوى المواضيع و المقاربات، و كذا قدرتها المهنية على المزج المرن بين الفكرة و الصياغة الفنية و التسلسل، مما يعزز خصوصيتها و يعمق رؤيتها المعرفية و الجمالية معا. إن القليل من المخرجين هم الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الصنف الفيلمي التسجيلي بالصرامة العلمية التي تلقوها في كبريات المعاهد السينمائية العليا، إذ برعوا فيه من حيث الموضوع و أسلوب التصوير، كما أخرجوا الكاميرا من الأستوديو إلى الشارع و الحياة، منتصرين لقيم المحبة، و التبادل ، و التسامح، و ملتزمين بمبادئ فلسفة التاريخ خاصة لدى نيتشه التي ترى إلى التاريخ كحوار بين الماضي و الحاضر بعيدا عن التصورات المقولبة (Visions stéréotypées ) و نزعات الأفلام الدعائية و المؤدلجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.