الشاعرة التونسية هندة محمد هندة محمد، شاعرة من جزيرة جربة التونسية، عضو مؤسس ببيت محمود درويش للشعر، ومشرفة على الصفحة الثقافية لجريدة «عرب بيز» الالكترونية ، نشرت نصوصها في صحف تونسية و عربية و لها العديد من المشاركات في المهرجانات الوطنية للشعر، وبمناسبة صدور ديوانها « للماء ليله أيضا» كان هذا الحوار توقك و شوقك وجوعك للماء غريب، فمن تكونين "أنثى الماء"؟ - صدقا لا أستطيع أن أكتب نصّا من دون أن يكون الماء حاضرا فيه ، إنّ شعراء الماء هم الذين رأوا و تأمّلوا أشياء أهملتها حشود الأنهار الواسعة على رأي لوركا، بالماء وحده بمختلف تجلّياته أستطيع أن أستمرّ وسط كلّ الجدب المحيط بروحي، فالماء منطقتي وانتمائي وجوهر الوجود عندي وهو الجسر الواصل بيني وبين حياة أرهقتها احتراقاتها. و"للماء ليله أيضا" ، من أيّ حدائق الشّعر، جئت بهذا العنوان كي يكون بابا أوّلا للدّخول إليك؟ - الماء بداية الحياة . لمسات الورد النّابت وسط صحارى الرّوح يمنحها عشبه الأخضر و يمنحها شفافية و عمقا و ذاك الدّفء الذي يتيح لنا الوحدة مع العوالم اللّامرئيّة فينا والنّفاذ إلى حقائق الأشياء ". وللماء ليله أيضا، مجموعة تحتفي بجغرافيّات شتّى للماء، الماء وما يحفّ به من طقوس و شعائر تهيمن على النصّ، في قصائدي تجد الكلمات تنساب كما الماء، فتحترق كلّ الظّلمات التّي ترغب أن تتسلّل إلينا ،و تحتلّ دواخلنا الشّفيفة. هندة، ما حكاية هذا الحضور الملفت للماء في قصائدك؟ - الروح العطشى تبحث أبدا عن ماء يتدفّق من كلّ حنايا الكون ، يخمد حرائقها و يمنحها ولادة جديدة، وفي الحقيقة هو بعض مني، هو كلّ ما أعشقه وما أنتمي إليه في هذه الحياة، ف" في قلب الحكيم يسكن الماء" كما يقال في الفكر اليهوديّ، أماّ القلب المحروم من الماء هو أرض بور، تشقّقت تفاصيلها، واصفرّ عشبها. إنّ في الماء لسحرا وفتنة وسلاما وهدوءا وراحة.الماء تلك المناطق المغطّاة فينا. هذه الكلمات هي نبض قصائدك،"الغياب، الحلم، الرّوح، اللّيل، الرّيح" فما الذي تقولينه لمن يريد افتضاض معانيها؟ - هي معاني الحياة أسرارها ومفاتيحها الحلم هو تلك الدرجات التي تحملنا للصّعود إلى آفاق أرحب وأكثر سحرا ومناطق أكبر في توق دائم إلى ما نرغب في لمسه مهما كان عاليا بعيدا عنّا الغياب ذاك الجرح الأبديّ الذّي يقضم لحم تفاصيلنا دون رحمة الرّوح منفضة الأكوان تلك التي تختزل كلّ إرهاصاتها و تضل صافية شفافة، رغم ما قد يسطو على الماء من ظلمة اللّيل حرقة الأكوان بنيراننا حتّى تكاد تصير هشيما والرّيح تكنس أبدا ما يمكن أن يقتلنا ويقتل فينا الحياة وهي ما يحملنا نحو مناطقنا المدهشة. كيف تنظرين إلى النّشر الإلكترونيّ وهل بدأ عصر الأفول الورقيّ؟ - للكتاب سحره الذي لا ينضب أبدا، ولذلك لا يجب أن نتحدّث عن أفول ورقيّ، بل لابدّ أن ندافع عن الكتاب بكلّ ما أوتينا من فكر وحبّ. النّشر الالكتروني وجهة ممتازة للانتشار السّريع و للقراءة السّريعة، ولكنه يفتقد إلى تلك المتعة التي تخالجنا كلما قلبنا الورقات بين أيدينا، وكلما اشتممنا رائحة الأجيال القديمة القادمة من وراء تلك الصّفحات، من وراء قرون من الملاحم والحروب المستميتة للبقاء، و أنا شخصيا أنشر نصوصي على صفحات المواقع الاجتماعية للتواصل والانتشار ربما الذي لم يعد يمنحه الكتاب، لكني أبدا لا أتخلى عن حمل كتاب معي أينما ذهبت والتلذّذ بتقليب صفحاته. لكلّ مبدع ورشته الخاصّة، فمن أيّ مشتل تستقين عوالمك وأدواتك؟ - أحبّ الشّعر الجميل بعيدا عن التّصنيفات ..أنهل من كلّ المدارس دون استثناء فقط حيثما يكون الجمال أكون. أحبّ التفعيلة والنّثريّ والعمودي الذي يحمل روحا حديثة ومتجددة، وأقرأ الأدب القديم والحديث دون تقسيمات، لأنّ الزّاد اللّغوي مهم جدا بالنسبة للشّاعر والمبدع عموما، وكذلك الزّاد العلميّ والثّقافيّ. أحبّ الرّواية وأعشق العالمية منها واللاتينية، خاصة ما يسمى برواية السحريّة الإجتماعة. وحتّى تكون مبدعا لا بدّ أن تكون لك خلفيّة ثقافيّة مهمّة حتّى تسطيع أن ترسم بعد ذلك طريقك الخاص و تكون لك منطقتك الخاصّة بك وصوتك المتفرّد. ما جدوى القصيدة ؟ - يقول باوفسكي(بدون أدب الحياة جحيم) وأنا أقول" طبعا ومن دون أدنى شكّ فالأدب روح الحياة من دونه نفقد قدرتنا على استيعاب كلّ ما يدور حولنا، فالجوانب السيّيميائية والاستيتيقيّة للأدب والتي تضعنا دائما في مواجهة مع جوهر الحياة و كنهها، هو ما يمنحنا رغبة البقاء الملحة، و هو ما قد يعطي معنى مقبولا لصراعاتنا الأبديّة، ومن هنا نتساءل عن وضع الأدب في الوقت الحاضر الذي يشهد سيطرة واضحة لوسائل الإعلام. بالنّسبة لي الأدب يرتبط ارتباطا وثيقا بواقعه وبملابسات الزّمان والمكان من حوله أي أنّ البيئة المحيطة والوسط الاجتماعيّ يلعبان دورا مهمّا في خلق شخصيّة الأديب وتوجّهاته الفكريّة وتطورها. ولابدّ أن يكون النصّ الأدبيّ قادرا على الوصول إلى عمق القارئ حتّى يؤدّي رسالته. امبرتو إيكو يكتب حتّى يقتل الموت، وأنت ما الذي تقتلينه، وأنت تكتببين مائيّاتك؟ - أنا أكتب حتّى أقتل الغياب المميت، الغياب سارق الفرح من القلوب ليجعلها وحيدة مبعثرة، ويمنحك القدرة على اكتشاف الوجه الحقيقيّ للآخر الغائب، الآخر بكلّ تجلّياته، حبيبا كان، أو وطنا ، أو حلما حتّى، له جغرافيته الخاصّة التي تتفرّع في كلّ حنايا الذّات لكنّ له سحر الماوراء، و كأن الانتظار الأبديّ له بوابة ما قد تفتح يوما في غفلة منّا. أنا أقتل بالماء كلّ الظّلمة التي تجتاحنا ولا ندرك من أين تجيئ. أقتل الموت والدنس الذي صار يحيط بنا من كلّ الجهات، وأؤسس ربما لروح جديدة لها طعم العشب الأخضر.