تتواصل هذه الأيام أنشطة وفعاليات عدد من المهرجانات الفنية الوطنية على غرار مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة ومهرجان كناوة العالمي بالصويرة، كما يرتقب انطلاق مهرجان موازين الموسيقي بالرباط في الأيام القليلة المقبلة، وهناك مهرجانات أخرى عامة أو موضوعاتية ترتبط بالموسيقى أو المسرح أو السينما، إما انعقدت أو تستعد لمعانقة الجمهور قريبا بمناطق مختلفة من البلاد. وكل هذا يبرز بداية أن هذه المهرجانات الفنية لم تتعرض في السنوات الأخيرة للتضييق أو المنع أو الإلغاء، ويؤكد على أن التجليات الفنية والثقافية والسوسيولوجية المعبرة عن احتفاليات المغاربة وإقبالهم على الفرح وعلى الحياة مصانة بإصرار المغاربة عليها، وبأن هوية الانفتاح المميزة لشعبنا وبلادنا تعتبر من الثوابت ولا يمكن المس بها. من جهة ثانية، لا يمكن مع ذلك، ولمجرد الدفاع عن المهرجانات الفنية وعن حق شعبنا في الاحتفال وفي الفرح، التغاضي عن اختلالات بعض هذه المهرجانات وما يشوب تنظيمها وعلاقاتها من التباسات تكاد تكون فضائح حقيقية تستحق أن يتدخل القضاء بشأنها. المهرجانات باتت اليوم عبر العالم صناعة حقيقية لها أخصائيوها وتقنياتها وتشترط لنجاحها منظومة كاملة من الخطط والإجراءات والإمكانات، ومن ثم مهرجاناتنا هي كذلك مطالبة بالسير ضمن هذا المنطق الاحترافي كما هو متعارف عليه كونيا، وبناء على قواعد الوضوح والشفافية والالتزام بقوانين البلاد. المهرجانات الفنية يجب أن تتيح لفنانينا ولباقي مهنيي الصناعات الفنية ذات الصِّلة فرص العمل وإمكانيات حقيقية لإبراز مواهبهم والتعريف بإبداعاتهم واللقاء بالجمهور وتحصيل مداخيل مستحقة لتحسين شروط عيشهم، بالإضافة إلى تمكينهم من التفاعل الفني والتقني مع فنانين أجانب والتعارف معهم والعمل بمعيتهم والاطلاع على تجاربهم وخبراتهم، وذلك بغاية انفتاح ممارستنا الفنية الوطنية على التطورات التكنولوجية والتقنية والإبداعية التي يشهدها هذا الميدان في بلدان مختلفة، وبالتالي الإسهام في خلق وتطوير صناعة فنية وطنية حقيقية، وتنمية الدينامية المهرجانية بما يجعلها رافدا أساسيا لتطوير السياحة في بلادنا وتحسين صورة المغرب وإشعاعه العالمي، وأيضا لتقوية المهن الثقافية والفنية المحلية. إن المهرجانات، بما في ذلك المواسم التقليدية المحلية والتظاهرات الاحتفالية المقامة في هذه الجهة أو تلك بهذه المناسبة أو بغيرها، هي مناسبات اجتماعية محلية تمكن أبناء هذه المناطق والمنحدرين منها من إحياء الصِّلة بها وزيارتها، وهي أيضا تخلق حركيّة تجارية وتنشيطية بالمنطقة تشهد رواج عديد من السلع والخدمات والمبادلات، فضلا عن تسليط الضوء على هذه المناطق وتعريف الإعلام والفاعلين الاقتصاديين والجمهور بها وبممكناتها الجغرافية والاستثمارية والسياحية، وهذا ما يبرز أهميتها بالنسبة للساكنة المحلية وللمجال الاجتماعي والاقتصادي والترابي . إذن المهرجانات الفنية والثقافية الوطنية والمحلية تمتلك أهمية واضحة لمناطقها وللسكان ولعموم البلاد، ومن ثم لا بد من الإصرار عليها، وكذلك الانكباب على تأهيلها وتطويرها. وفي هذا الإطار، لا بد من إدراج مسار التأهيل المنشود ضمن مقاربة شمولية متكاملة تروم تعزيز العصرنة والاحترافية في التصورات وفي أشكال التنظيم والبرمجة، وإشعاع الوضوح والشفافية والتكافؤ على مستوى التمويل والدعم والاحتضان، بالإضافة إلى استحضار تطلعات وانتظارات الفنانين المحليين وساكنة المناطق والمحيط الجغرافي والاجتماعي لهذه التظاهرات الفنية والثقافية والاجتماعية، وإدراجها كاملة في إطار تخطيط وطني لجعلها روافد لإنماء السياحة وتأهيل الصناعات الثقافية والفنية وخدمة صورة المملكة وإبراز ثراء هويتها الحضارية القائمة على التعدد والانفتاح والتفاعل مع العالم. لنقبل أولا على المهرجانات هنا والآن، ولنتمسك بحق شعبنا في الفرح والاحتفال. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته