إن الصراع والحرب اليوم بين الكيان الصهيوني وإيران ليس بين قوى الخير وقوة الشر، بل صراع مصالح دول رأسمالية، لأن كلًّا من الكيان المحتل/إسرائيل وإيران دولتان رأسماليتان، وإن اختلفتا في الشكل السياسي أو الخطاب الأيديولوجي. لذلك، فإن الحرب بينهما لا تُفهم من خلال الصراعات الدينية أو القومية، بل باعتبارها تعبير عن تناقضات داخل النظام الرأسمالي العالمي. لأن إسرائيل هي أداة الامبريالية العالمية وخصوصًا الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي جزء من بنية الهيمنة الإمبريالية بشكل عام. بينما إيران، رغم معاداتها الخطابية للغرب، لا تمثل بديلًا تحرريا اشتراكيًّا، بل نظامًا رأسماليًّا ذا طابع سلطوي وديني، يسعى لحجز مكان له في تقسيم النفوذ الإقليمي، ولأن العدوان والحروب أدوات للإمبريالية كونها امتداد للسياسة، فإنها كلما فشلت في تحقيق أهدافها سياسيا إلا وتلجأ إليها. في هذا السياق إذن يأتي العدوان الهمجي على الشعب الإيراني من أجل إعادة ترتيب مناطق النفوذ، وفرض السيطرة على الموارد والأسواق. من هذا المنطلق نفهم حرب الكيان الصهيوني على إيران، وبذلك فإنها تُفهم بوصفها جزءًا من صراع جيوسياسي أوسع بين الإمبريالية الغربية (وأداتها إسرائيل) وبين قوى إقليمية تحاول تحدي هذه الهيمنة وفي مقدمتها إيران، بطبيعة الحال هذه الحرب لا تخدم مصالح الشعوب، بل مصالح الطبقات الحاكمة من الطرفين، لذلك فإن الشعوب خاصة الكادحة منها هي الضحية، والطبقات الحاكمة دوما مستفيدة. من هذا المنظور يبدو أن كِلا النظامين – الكيان الصهيوني المحتل باعتباره أداة وظيفية والنظام الإيراني – يستخدمان الحرب لتبرير القمع الداخلي، وتخويف شعوبهما/المستوطنين في حالة اسرائيل، وصرف الانتباه عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبطان فيها، حيث يستخدم الكيان الصهيوني التهديد الإيراني خاصة في شقه المتعلق بامتلاك السلاح النووي لتبرير عسكرة المجتمع وتوطيد الاحتلال للأراضي الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وقمع الفلسطينيين والعمل من اجل إنهاء المقاومة وفي نفس الآن التغطية عن المعاناة التي يعيشها المستوطنون بالاراضي المحتلة بعدما وعدوهم بالرفاهية والأمن. بينما إيران توظف "الخطر الصهيوني" لتبرير تكميم الأفواه، وتشتيت الأنظار عن التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وفرض خطاب "المقاومة" كمظلة للهيمنة الداخلية، وفي هذا النقطة الأخيرة – خطاب المقاومة- بالضبط وجب فتح قوس لتحديد مكانة إيران بالنسبة لنا كمجتمعات شمال إفريقيا والشرق الأوسط الذين يتبنون المقاومة سبيلا لدحر المحتل ويدعمونها بكل أشكالها الوطنية في مواجهة الاستعمار كيف ما كان لونه في ظل هذا الصراع. هنا أعتقد أن الفهم العلمي والتحليل المادي لما يجري يضعنا أمام تناقضين أحدهما رئيسي، متمثلا في القوى الامبريالية خاصة الكيان الصهيوني كخط للمواجهة المباشرة إلى جانبها الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها حلف الناتو، وتناقض آخر ثانوي متمثلا في النظام الايراني ومن يقف خلفه على مستوى التحالف، وباستحضار ما قدمته إيران وما تقدمه لمشروع المقاومة الفلسطينية الوطنية المسلحة بكل فصائلها المتنوعة والمختلفة على المستوى الايديولوجي، فإننا نجد أنفسنا لا محالة أمام إعطاء الأولوية لمحاربة التناقض الرئيسي المتمثل في الكيان المحتل ومعه كل داعميه بما فيهم الأنظمة العربية العميلة، بينما يلزم أن نؤجل الصدام والمواجهة مع التناقض الثانوي المتمثل في إيران وحلفائها بالمنطقة، وبالتالي عوض الوقوف وقفة المتفرج -وهنا لا أتحدث عن الصهاينة غير الإسرائيليين الذين يهللون لما يرتكبه الكيان الصهيوني من مجازر في حق الشعب الإيراني وغيره من شعوب المنطقة- علينا دعم إيران في هذا الظرف الحساس بكل السبل، ببساطة لأننا أمام خطر وجودي تمثله الامبريالية العالمية عبر أداتها الوظيفية اسرائيل على كافة شعوب المنطقة، وهو ما يستلزم من كل القوى الوطنية التكتل تحت شعار تحقيق الإستقلال الوطني وحفظ المقدرات والثروات الوطنية، وبعد تحقيق هذه الخطوة الأساسيةوالمهمة سيكون للنقاش الداخلي وقته. من هنا وجب الآن كسر الاصطفاف الطائفي والمذهبي الديني، وتجاوز الخلافات على هذا المستوى لبناء جبهة داخلية ممتدة لوقف هذا الاستهداف المتواصل والذي للأسف يستثمر في هذا الانقسام المذهبي بل يذكيه بكل ما يملك من قوة حتى تظل الأمة منقسمة ومشتتة ليتسنى للمستعمر التسلل إليها والتحكم فيها وخلق كيانات ضعيفة موالية له، وواهم من يعتقد أنه في حال إذا ما تحالف مع أمريكا والكيان الصهيوني سيكون في منآى عن جبروتهما، لأن طبيعتهما هو النهب للثروات والاستغلال والسيطرة والإخضاع ولنا في ما يجنيه ترامب في جولات بدول الخليج الصديقة والحليفة خير دليل ساطع. شفيق العبودي العرائش 14 يونيو 2025