دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    الوالي التازي: المشاريع يجب أن تكون ذات أثر حقيقي وليست جبرا للخواطر    47735 شكاية وصلت مجلس السلطة القضائية والأخير: دليل على اتساع الوعي بالحقوق    مقترح عفو عام عن معتقلي حراك "جيل Z"    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    "أسود الأطلس" يبدؤون استعداداتهم لمواجهتي الموزمبيق وأوغندا    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مديرية الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    الرشيدي: إدماج 5 آلاف طفل في وضعية إعاقة في المدارس العمومية خلال 2025    إطلاق طلب عروض دولي لإعداد مخطط تهيئة جديد في 17 جماعة ترابية بساحل إقليم تطوان وعمالة المضيق-الفنيدق    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    تعاون اليونسكو ومؤسسة "المغرب 2030"    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصيبة تنظيم مجالي موروث بإكراهات بنيوية.
نشر في بني ملال أون لاين يوم 02 - 12 - 2013

تعترض الباحث منذ الوهلة الأولى أثناء محاولة رصده لواقع تنظيم المجال بالمراكز الحضرية صعوبات عديدة، تبرز هذه الصعوبات بقوة، أثناء محاولة الوقوف على السيرورة التي قطعها تشكل المجال بشكل عام بهذه المراكز الحضرية، هذه الصعوبات منها ما هو مرتبط بطبيعة هذه المجالات، كونها شهدت خلال فترات تاريخية سابقة إهمالا ونسيانا، يكاد يكون على كافة المستويات. ومنها ما هو مرتبط بالمعلومة التي توثق المجال بشكل عام، وبشكل خاص تلك التي تهم قطاع التعمير، حيث تظل هذه الأخيرة ضعيفة، وأحيانا غير موجودة. هذه الصعوبات لا تسمح بالتتبع الدقيق والكامل لمراحل تطور هذه المراكز الحضرية، وبالخصوص خلال الفترات التي تنعدم فيها المعلومات والمعطيات الرسمية التي تسمح بالقيام بذلك.
لكن وعلى الرغم من هذه الصعوبات يمكن للباحث القيام برصد التطور في المجال المبني بالمدينة، حيث يمكن إتمام النقص الحاصل على مستوى المعلومة الموثقة، بالمعطيات التي استقيناها من الاستمارات الميدانية، وكذلك بالرواية الشفوية.
إن تتبع سيرورة التمدين بالقصيبة خلال فترة ما قبل الحماية يكتنفه الكثير من الغموض، ويرتبط هذا الغموض بغياب الأبحاث التاريخية الكفيلة بتوضيح ذلك، ويبدو ذلك على مستوى التسمية، بحيث أن "مصطلح القصيبة يوحي للوهلة الأولى بكونه تصغير لمصطلح القصبة. فهذا المفهوم على مستوى الحجم العمراني يبقى واردا، لكن على مستوى الدلالات التمدينية، فان القصبة الصغيرة لم تكن تشكل نواة فعلية لحياة حضرية، فهناك بعض الروايات الشفوية، التي ترى أن الأصل في التسمية، تحريف لمصطلح: قصر السيبة"[1].
كما جاء في بعض الكتابات التاريخية بان قبيلة أيت إسري، ومنها أيت محند، وايت عبد الوالي، وايت ويرة (حوالي 5000 رجل) كانت تتخذ من القصيبة مركزا لها، وكانت هاته المجموعات تسيطر على الطرق الرابطة بين القصيبة وأغبالة، والقصبة الإسماعيلية (قصبة تادلة حاليا )، والزاوية الناصرية (زاوية الشيخ حاليا)، ولم يكن المخزن خلال هذه الفترة قادرا على التحرك في هذه الربوع، وهو ما جعل حياة السيبة تبقى قائمة إلى حدود 1850حيث قام المولى سليمان وبعد مفاوضات عديدة مع زعماء القبائل الأنفة الذكر بتشييد قلعة ايت ويرة بدوار ساريف، وذلك بهدف مراقبة الأمن، ودفع القبائل الثائرة (ايت سخمان) إلى الدخول تحت طاعة المخزن، وفي هذه القلعة عين الحسن الأول موحى وسعيد أوباسو قائدا على المنطقة[2].
ومن خلال القصبة التي شيدها موحى وسعيد بساريف اتخذها مقرا لقيادته، وجعل من القصيبة عاصمة له حيث وسعها وانشأ فيها سوقا نشيطا جلب إليه التجار من تادلة، أبي الجعد، بني ملال...
وانطلاقا من هذه القصبة، عرفت قرية "القصيبة نموا عمرانيا مطردا، وازدهرت فيها التجارة نظرا لوقعها الجغرافي على طريق المنتجعين بين الجبل والأزغار ونظرا لاستتباب الأمن في المناطق المجاورة، فقد قصدها التجار من مدن مختلفة وعرف الناس سلعا متنوعة"[3]. ونسجل أن حياة السيبة التي سادت بالمنطقة لم تعطي للقصيبة، سوى دور عسكري محض.
و على مستوى التوسع المجالي فإن المصادر لا تسعفنا في تتبع هذا التوسع، من هنا يمكننا القول بأن "الحصيلة العمرانية قبل الفترة الاستعمارية كانت هزيلة، وانحصرت في القلعة التي كان بها القائد موحى وسعيد"[4]. رغم المكانة التي كان يحتلها القائد لدى المخزن، فالقصيبة لم ترقى إلى تنظيم مجالي مهم، نظرا لكون حياة الرحل والبداوة هي القاعدة العامة بالمنطقة خلال تلك الفترة.
لقد سبق وأن اشرنا إلى أن التمدين بالقصيبة يكتنفه الكثير من الغموض، كما سجلنا انعدام وحدات سكنية بالقصيبة، من هنا تطرح صعوبات رصد بعض التحولات المرتبطة بالتنظيم المجالي، ولكن التنظيم القبلي الذي ساد بالمنطقة، والذي تمحور حول القصبة التي أنشأها موحى وسعيد، مكننت في بعض الجوانب من إبراز الخلل الذي أصاب التوازن القديم لقبيلة ايت ويرة، والتحولات المتولدة عن هذا الخلل.
مع حلول الاستعمار تغيرت وضعية المناطق الجبلية لأنها دخلت في عزلة لأسباب جيو سياسية، فالإدارة الاستعمارية أرادت إحداث قطيعة بين السهل والجبل بصفة عامة وبين سكان المدن وسكان الجبل بصفة خاصة، وذلك للحيلولة دون اتصال بين سكان الجبال ومراكز المقاومة السياسية لنظام الحماية. إذ لم يكن يسمح للجبلي أن يتحرك دون إذن من ضابط الشؤون الأهلية، ولو للذهاب إلى السوق، لإحكام سيطرتها بشكل قوي على هذه المناطق وضبط تحركات ساكنتها، كما عملت سلطات الاحتلال على إحداث مراكز إدارية عسكرية صغيرة، بها ثكنة عسكرية لمراقبة المناطق الجبلية، حيث ظلت هذه الأخيرة تحت وصاية الجيش الفرنسي.
خريطة رقم (3) : مراحل إحتلال الأطلس المتوسط وسهل تادلة.
فبعد إخضاع القصيبة سنة 1927 والقضاء على مقاومة موحى وسعيد بشكل متأخر، الشيء الذي ساهم في هشاشة التعمير خلال هذه المرحلة، "فمباشرة بعد القضاء على المقاومة، وسيطرة المعمر على المجال الجبلي، تم تحطيم التوازن القديم لقبيلة أيت ويرة، التي كان محاطها يتكون من رستاقين: رستاق رعوي في الجبل، وأخر سكني عند قدمه. فإخضاع الجبل، والتحكم في الازغار، فرض على أفراد القبيلة الهجرة نحو القصيبة، بهدف إخضاعهم للمراقبة والتأطير الإداري من قبل المعمر"[5].
ويبرز النسيج الحضري، "الانزلاق البشري الذي وقع من الجبل، فأول حي ظهر في الفترة الاستعمارية هو حي العين الملتصق بالجبل، ليستمر الانزلاق من الجبل على شكل سكن متفرق بجواره ولكن في اتجاه الأسفل"[6]، كما عرفت هذه الفترة ظهور الحي الإداري، وحي أيت بنيوسف، وحي بويشاظ.
ونسجل أن هذه التحولات المجالية، رافقها إقامة بعض المرافق والتجهيزات "كبناء المسجد المركزي بحي العين والمستشفى، والثكنة العسكريةّ، والمحكمة بالإضافة إلى مدرسة ابتدائية. فكل هذه المنشآت كانت متمركزة بالقرب من الحي الإداري، الشيء الذي يبين أن اغلب هذه المرافق كانت موجهة أساسا للأوربيين، في حين ظلت الساكنة الأصلية محرومة من هذه الخدمات. ويبرز كذلك هذا التوزيع أن "المدينة مكونة من مجالين، مجال إداري جوار القيادة الاستعمارية، ومجال سكن الساكنة الأصلية في الجزء الباقي"[7]. فالتنظيم الحالي للمدينة لازال يضمن استمرار نفس الوظائف التي يقوم بها المجالين الموروثين عن المرحلة الاستعمارية.
صورة رقم (1): المركز الصحي لمدينة القصيبة
صفوة القول فالحصيلة العمرانية للقصيبة خلال العهد الاستعماري هشة، ويتجلى ذلك من خلال ظهور بعض الأحياء العشوائية، في حين تبقى المرافق التي التي أحدثتها سلطات الحماية ذات وظيفة تأطيرية، وكذا لمراقبة القبائل بالمنطقة. وأخيرا يمكن القول أن "القصيبة انتقلت من القلعة إلى تجمع قروي محض"[8].
ارتبطت وظيفة مركز القصيبة خلال المرحلة ما قبل الاستعمارية، بتصريف فائض إنتاج الأرياف المجاورة، وتوفير بعض السلع لها. ومع دخول الاستعمار تم تعزيز هذه الوظائف واختفاء وظائف أخرى. فقد مارست بعض الوظائف الجديدة التي لم تكن تقوم بها من قبل، فعلى إثر إنشاء الحامية العسكرية بها، أصبحت تقوم بوظيفة المراقبة العسكرية للمنطقة، وذلك لضبط تحركات القبائل وإخضاعهم للاستقرار ثم التأطير الإداري بإقامة القيادة، وكذا إنشاء المحكمة، بالإضافة إلى ذلك فقد ظهرت بها وظائف مرتبطة بالتعليم، بإقامة مدرسة ابتدائية، ثم الوظائف المرتبطة بالصحة وذلك بإنشاء مستشفى بالمنطقة، ونؤكد أن هذه الخدمات كانت موجهة أساسا للجالية الأوربية، وأخيرا الوظائف المرتبطة بتوفير السكن لأفراد قبيلة ايت ويرة بعد هجرتهم نحو القصيبة.
عموما، فمع دخول الاستعمار ارتكزت البنية الوظيفية للمركز على التأطير والمراقبة العسكرية، في حين أن الوظائف الاقتصادية والاجتماعية كانت تنمو على هامش الوظائف التأطيرية.
شكل النظام القبلي الذي ساد بين القبائل التي استوطنت منطقة القصيبة الإطار الاجتماعي والاقتصادي للتنظيم المجالي بالمنطقة، غير أن هذا التنظيم المجالي لن يستمر طويلا، فمع وصول الاستعمار ستتغير الأوضاع، حيث كانت القوات الفرنسية تلجأ، لتوسيع دائرة نفوذها على حساب القبائل المتمردة إلى وضع استراتيجيات اقتصادية، من خلال تحكمها مباشرة في مصادر عيش السكان، وهكذا غالبا ما كانت سلطات الاحتلال تهاجم القبائل في وقت الحصاد وتستولي على محاصيلهم، الأمر الذي أدى إلى استنزاف ثروات هذه القبائل ومواردها. الأمر الذي جعلها تقاوم دون أي سند اقتصادي، وهذا اثر إلى حد كبير في سير العلاقات بين القبائل.
من جهة أخرى عمدت سلطات الاحتلال إلى اختيار مكان ملائم طبوغرافيا من حيث الارتفاع لوضع ثكنتها العسكرية، وبعيدا عن المكان الذي اختارته لاستقرار ساكنة المنطقة تحسبا لأي هجوم محتمل منها
صور رقم (2) : زيارة الجنرال جوان لمدينة القصيبة سنة 1950.
المصدر: www.elksiba.com
إن ضعف الاستعمار بالقصيبة، خلف تمدينا هشا، يتمثل في انتشار الأحياء بشكل عشوائي، فمن جهة غياب لكل التجهيزات الضرورية، ومن جهة ثانية، غياب لأي فلسفة لإعداد المجال الحضري على المستوى المحلي[9].
وكنتيجة لذلك فالتركيبة البنيوية للقصيبة لم تصير نحو اكتمال التحول، ويبرز ذلك من خلال بعض الملاحظات والاستنتاجات الخاصة بنا نظرا لعدم توفرنا على معطيات دقيقة تستطيع من خلالها تحديد عناصر البنية بشكل دقيق.
فالبنية الوظيفية للمركز تدل على الاختلال، ويبرز ذلك أولا من خلال بنية الأنشطة التي كانت تتمحور في الغالب نحو الخدمات العادية الموجهة للساكنة، والوظائف المرتبطة بالتعليم الفرنسي، وأخيرا الوظائف المرتبطة بالمراقبة والإدارية التي كانت تتمركز في الحي الإداري، وهذا لا يعني آن هذا المجال لم يكن يمارس وظائف أخرى ولكنها كانت ثانوية بالمقارنة مع الوظائف الأساسية التي كان يمارسها.
تعبر كذلك العشوائية التي ميزت تنظيم المجال خلال هذه المرحلة عن تلك البنية الغير المتحولة بالإضافة إلى سيادة أنماط العيش القروية، من هنا يمكن القول أن المركز لم يستطع إخضاع المجال المحيط به ارتباطا بضعف الوظائف التي كان يمارسها.
عقب احتلال المغرب، أصدرت سلطات الحماية العديد من الظهائر والقوانين المنظمة للتعمير، فظهير 13 غشت 1919 نص على ضرورة تحفيظ الأراضي، وقد سهل ذلك تسلط المعمرين على الأراضي لجهل المغاربة بالإجراءات القانونية الجديدة. كما صدر ظهير 7 يوليوز 1614 فجعل الراضي الجماعية غير قابلة للتفويت فتم وضعها تحت سلطة الدولة التي أصبح لها حق مراقبة تسييرها، لكن مع سنة 1919 سيتم إصدار ظهير 9 ابريل 1919 الذي جعل الأراضي الجماعية تحت رقابة مجلس وصاية له صلاحيات تفويتها لطرف أخر، كما صدرت العديد من الظهائر المتعلقة بأراضي الاحباس والكيش.
فالظهائر التي أصدرتها سلطات الحماية، عملت على تكسير التنظيم القبلي المعتمد على تسيير الأراضي الجماعية، كما ساهمت في "إفراغ مهام المحتسب والباشا من أية مسؤولية خاصة مع ظهير 1917 فتحولا بعد ذلك إلى عونين لجهاز الإدارة التقليدية"[10].
هذه الترسانة القانونية التي أخرجتها سلطات الحماية سيكون لها وقع كبير على المستوى المجالي، فالتجديد والتغيير لم يمس فقط المساطر القانونية العرفية، ولكنه شمل حتى الهياكل الإدارية "فالتجديد يتجلى في دخول المراكز في هرمية إدارية لم تعتدها من فبل، وهكذا أصبحت الوحدة الإدارية هي المتحكمة في تنظيم المجال"[11].
أما بالنسبة للتعمير، فإن ظهير 17 أبريل 1917 يمثل الإطار القانوني المنظم لنمو المدن ورغم الفلسفة الجديدة التي أتى بها بتنصيصه على مفهوم تهيئة المدن، إلا أن تطبيقه شابه العديد من الصعوبات، وبالخصوص الجوانب المتعلقة بالساكنة التي لم تعتد بإجراءات معينة عند البناء، فالتعمير المنظم على العموم ساد في المدن الجديدة التي أحدثها الأوربيون.
فالتطور الذي عرفته البنية المجالية للقصيبة يجسد بامتياز التعمير الذاتي الذي ميز تطور المركز، فالمركز عموما لم يخضع لقوانين التعمير، "فالنمو الحضري في القصيبة، تم خارج الإطار القانوني للتعمير. وبهذا أصبح المركز مسرحا لانتشار السكن العشوائي"[12]. فهالة التعمير توضح الامتداد الكبير للأحياء العشوائية كساريف، والعين، وايت بنيوسف، وبويشاظ.
خلال الفترة الاستعمارية ستعرف القصيبة تحولات على مستوى البنية، فالتوسع الحضري الذي عرفه المركز سينعكس على المجال و المجتمع، ويرتبط هذا بالدينامية التي خلقتها سلطات الحماية. تتجلى هذه التحولات في النمو الهامشي للمركز، في ظهور أحياء بعيدة عن مركز المدينة القديم، فقد مثل حي بويشاظ أهم وحدة مجالية تنمو على أطراف المدينة.
فالنمو الهامشي للمركز ذو دلالات مجالية، كما انه يرصد لنا تلك التباينات المجالية والاجتماعية لمختلف مكونات المركز، فالأحياء التي ظهرت خلال هذه المرحلة ما هي إلا نتيجة السياسة الاستعمارية التي أحدثت "تصدعا بل تفككا انعكس أولا على المرفولوجية المرئية للمجال"[13]، عبر تقسيم المركز إلى مجال أوربي يتضمن التجهيزات الأساسية، بالإضافة إلى حسن تنظيمه وخضوعه لقوانين التعمير، ومجال المغاربة الذي يفتقر إلى التجهيزات الأساسية، وينمو خارج قوانين التعمير، فمسلسل الاستيلاء على الأراضي كان وراء تزايد تيارات الهجرة نحو المركز مما زاد من حدة التوسع العشوائي.
مع اقتراب نهاية الحماية سيزداد الميز المجالي، وذلك بظهور أحياء عشوائية جديدة غير خاضعة للتنظيم. من الأحياء العشوائية ساريف، والعين، وايت بنيوسف، وبويشاظ، هذه الوحدات المجالية التي تعبر عن مجال استقرار الساكنة الاصلية، حيث تفتقر لجل التجهيزات والخدمات العمومية، على العكس من ذلك فالمجال الأوربي عرف نوعا من الخدمات والتجهيزات، فالمجال في القصيبة عبر عن ذلك التناقض المجالي والاجتماعي الذي انعكس بشكل واضح على تنظيم المجال إلى اليوم.
في الأخير، فتنظيم المجال الحضري بالقصيبة عبر عن تلك البنية المجالية المركبة التي يصعب فيها تحديد وحدات مجالية واضحة ارتباطا بعدم خضوعها لقوانين التعمير، ثم عن ذلك الميز الاجتماعي الذي ميز كذلك تنظيم المجال.
مع نهاية الحماية، عرف المجال عدة تحولات جذرية خاصة تلك المرتبطة بالتوازن النسبي، وبذلك دخل المركز في إطار دينامية مجالية جديدة لم يعهدها من قبل، فالتطور الحضري للمركز يبرز عدم الانسجام والتماسك، وهذا ما يفسر ضعف التعمير بالمدينة، كما تبقى الحصيلة هشة.
فيما يخص الحصيلة المرتبطة بالبنية التحتية، فإننا لم نسجل أي تحسن ويتمثل ذلك في النقص الكبير في التجهيزات، علاوة على عدم انتظام التوسع الحضري وانتشار الأحياء العشوائية ( ساريف، والعين، وايت بنيوسف، وبويشاظ)، وقد لعب التعمير الذاتي دورا حاسما في خلق هذه الوحدات، فالتعمير الذاتي سيخلق العديد من الاختلالات المجالية التي لا تزال مستمرة إلى حد الآن، ومن ضمنها سيادة السكن العشوائي خاصة وان هذا النوع من السكن يطرح العديد من الصعوبات المتعلقة بالهيكلة وإعادة الهيكلة، فالتعمير الرسمي ظل غائبا ومحتشما باستثناء الوحدات المجالية التي أنتجتها سلطات الحماية.
فالبنية المجالية للمركز تفسر في نهاية المطاف آليات الفصل السوسيو مجالي الذي ميز تنظيم المجال بالمركز خاصة خلال فترة الحماية، وهنا يبرز التحول العميق الذي أحدثه الاستعمار على المجال، هذا الأخير الذي ضمن توازنه النسبي لقرون عديدة، فالتحول لم يشمل فقط الوحدات المجالية بل تعداها ليمس البنية الاقتصادية والاجتماعية.
الباحث : عزيز مزيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.